محمد مرشد عقابي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الحاج "حزام مانع السروي".. كسوف آخر في سماء تاريخ الحواشب
برحيل الهامة الخيرية العملاقة الشيخ الحاج "حزام مانع السروي" يوم أمس الأول يفقد الحواشب والجنوب والعالم العربي واحداً من أكبر المناضلين والمؤرخين ورجالات الخير والبر والإحسان الذين قضوا جل أعمارهم في استجلاء الحقائق التأريخية والنضال لأجل القضايا الوطنية والمصيرية وفي فعل الخير والسعي الحثيث لرأب الصدع وإصلاح ذات البين في الوسط الإجتماعي بعيداً عن التحوير والتشويه والمصالح الذاتية والشخصية والآنية.
والمؤسف في رحيل هؤلاء الكواكب المضيئة والعباقرة والفلاسفة في القول والفعل والإيثار أنهم ينطفئون واحداً تلو الآخر بصمت رهيب، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى الورع والزاهد والعابد والحصيف القادر على استكناه الحقيقة وسط هذا الضجيج المتعاظم والموج المتلاطم من الباطل والضبابية المعتمة، وفي غمار هذا الإستقطاب الحاد الذي يتنامى جذاماً وكساحاً وسلا أسود على كل قيم الأخلاقية والخيرية الحقيقة في واقعنا المأزوم والمؤلم والموجع والمفزع، وفي مقدمة ذلك الحقيقة التاريخية لنضال شعب الحواشب ضد المستعمر البريطاني، بوصف التدوين التاريخي ذاكرة موثوقة، تضع نقاط الأحداث على حروفها بحيادية لا تشوبها شائبة من غبش أو هكذا يفترض أن تكون.
كما أن هؤلاء الموكل إليهم مهمة أن يكونوا شهداء على الواقع يرحلون تباعاً دون بروز من يحمل عنهم الرآية، فقد غيب الموت خلال السنوات الأخيرة أسماء كبيرة ذات صيت ذائع وصولات وجولات تركت منصة التاريخ شاغرة ومحزونة الى أجل غير معلوم.
رحل محمد احمد نجيب ورحل فضل علي هادي ومحمد صالح حنش ورحل راوح العمري ومحمد عبد الله وغيرهم من كوكبة الجهابذة الأفذاذ ممن تركوا بصماتهم حية وباقية تشهد على خلودهم مدى الحياة.
وها هو ذات المشهد التراجيدي يتكرر ويكتمل برحيل الشيخ الفاضل ورمز البر والتقوى والكرم والإحسان الحاج "حزام مانع السروي" لتخلوا الساحة من الرموز والفطاحلة وثلة المؤثرين الذين يفسح رحيلهم المجال لكل متقول أفاك في لي أعناق الحقائق وكتابة التاريخ كما تشتهي الأهواء وفي السير على الخط المعاكس للهداية والصلاح والإحسان وحب الخير وفعله لا كما يقوله الواقع وتشير إليه الوقائع.
رحل الحاج "حزام مانع الحوشبي" إذن وبقيت مآثره ومناقبه وإسهاماته الإنسانية منجزاً يحكي ويروي ويسرد قصة كفاح سنوات طويلة من العمل والبذل والعطاء السخي والمتدفق الذي أثرى الوجود في كل جانب.
لقد جمعتني انا كاتب هذه السطور عدة لقاءات بالفقيد الراحل المغفور له بإذن الله تعالى الحاج حزام السروي، وخلال تلك اللقاءات رغم قصر مدتها لقيت فيه ضآلتي اذ وجدته مهتماً بل ويمتلك مخزون ثقافي ونضالي وتأريخي فقد كان يحكي لي نضالات وتضحيات ابناء الحواشب والأزارق وردفان الذين هبوا لمواجهة المستعمر البريطاني بالإضافة الى نبذ مختصرة عن حكم السلاطين والإمارات التي حكمت الجنوب العربي في العقود الزمنية الغابرة.
كان الحاج حزام مانع طيب الله ثراه، عبارة عن مخزون وثروة نضالية واجتماعية وخيرية، كما كان ملم بالإحصائيات والمحطات والمواقف التاريخية لذلك كنت اعتبره موسوعة ثقافية وعلمية وفكرية وأحد مشاعل التاريخ التنويوي في بلاد الحواشب الأكثر استقصاءً واستنباطاً ومنهجية.
لقد مثل رحيل هذا العملاق صدمة وفاجعة كبيرة لدى كافة الأوساط في محور الحواشب والأزارق وردفان، وبفقدانه خسر الوطن واحداً من الجهابذة الكبار الذين لا يمكن تعويضهم مطلقاً لقيمتهم التي لا تقدر بثمن.
ولد الشيخ الجليل والفاضل الحاج حزام مانع السروي بقرية الفرس في مركز مخران بمديرية المسيمير الحواشب محافظة لحج، وتلقى تعليمه الأولي فيها، ثم رحل إلى المملكة العربية السعودية وهو في سن مبكرة وأقام وعمل فيها وكان يتردد بين فينة واخرى الى أرض الوطن حاملاً معه ما يفرح به المكلومين والفقراء والمساكين والمعدمين ومن تقطعت بهم سبل الحياة الذين يظلوا ينتظروا عودته اليهم بلهفة وشوق كبيرين، كما هو الحال بطلاب العلم الشرعي الذين ظل يتكفل بدعمهم بجانب سعيه الحثيث لإنشاء وتشييد مراكز العلم في عدد من بيوت الله وبناء مساكن لإيواء الإيتام، علاوة على متابعة انجاز وتمويل الأعمال والصدقات الخيرية الجارية كبناء الجوامع والمساجد ومشاريع المياه والسدود والأحواض المائية بمختلف المناطق.