طاهر علوان يكتب:

"تحت الماء" دراما المغامرة والمهمات الصعبة

للمغامرة متطلباتها في سينما الخيال العلمي، وفي مقدمتها البطولة الفردية أو الجماعية والقدرة على المداومة والاستمرار. ويعلم صانعو هذا النوع من الأفلام أهمية ذلك بالنسبة إلى الجمهور العريض الذي ينشد شخصيات تحمل قدرا من الإدهاش القائم على التفوّق.

المهمة المستحيلة أو الشاقة التي تتمكّن الشخصيات المتحديّة من القيام بها، رغم ما تواجهه خلال ذلك من مصاعب وعراقيل، هي من السمات الأساسية لسينما الخيال العلمي التي تنتهج ثيمة المغامرة طريقا لها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الجماهير العاشقة لهذه النوعية من الأفلام.

وعلى وفق ذلك، يمكننا النظر إلى فيلم “تحت الماء” للمخرج ويليام أيوبانك، فيلم فيه جميع مواصفات أفلام المغامرات والتحشيد للبطولة الفردية، فضلا عن أنه يقوم على أساس المهمة التي يضطلع بها فريق العمل.

الناقد السينمائي لـ”الغارديان” البريطانية بنجامين لي يتحدّث عن هذا الفيلم بوصفه من أفضل أفلام الخيال العلمي للأشهر الثلاثة الأولى من العام 2020، على الرغم من أن إنتاجه استغرق حوالي ثلاثة أعوام، وكان يفترض أن يجد طريقه إلى صالات العرض قبل الآن.

وتبرز مباشرة مع المشاهد الأولى شخصية نورا (الممثلة كريستين ستيوارت) الشهيرة بقصّة شعرها الرجالية، يكملها من يقود المهمة وهو الكابتن (الممثل فينسنت كاسيل)، ومعهما فريق المهمة.


كل شيء يجري تحت الماء كما هو عنوان الفيلم، على افتراض أن هذا الفريق سوف يكون في قاع المحيط لبناء محطة أبحاث وما شابه. لكنه وهو يقوم بهذه المهمة حيث تستقر وحدات البناء، يكون قد حُفر عميقا في القاع، ممّا تسبّب في وقوع تأثيرات زلزالية دفع الفريق ثمنها.

لا شك أن البطولة الفردية والشجاعة لن تفارق نورا فهي السبّاقة في التحدي وفي أداء جميع المهمات الصعبة، وهي لا تختلف عن أداء أي رجل ولاسيما مع قوامها الشبابي النحيف، وإصرارها على إتمام العمل.

مساحة المغامرة في هذه الدراما سوف تتشعّب حتى تتوالى المفاجآت والتحوّلات تباعا؛ فلا تُتاح للمشاهدين ولا لفريق العمل فرصة لالتقاط الأنفاس. الهزات الارتدادية سوف تؤدي إلى انفصام أجزاء من المحطة البحرية، ما يدفع فريق العمل إلى المضي وسط المياه باتجاه القسم المتبقي منها والذي يمكن من خلاله الاستمرار في العمل.

لكن الانتقالات المكانية وسط المياه لا تلبث أن تجلب المزيد من المصاعب وخسارة أفراد من الطاقم، حتى بدأ تساؤل مرعب يتردد “من هو التالي الذي سوف يفقد حياته في المهمة؟”، هذه الدراما المتشعبة والقائمة على المفاجآت تُحقّق ما ذكرناه سلفا حول القدرة على المزج بين المهمات وإبراز الإمكانيات الفردية.

وعلى هذا بني السرد الفيلمي على أساس عدد من الثيمات المتتابعة والمرتبطة بكل مرحلة من مراحل المغامرة، وهو ما برع فيه المخرج وجعل فكرة التحدي لوحدها ليست كافية في ذلك البناء السردي، بل لا بد من وجود إحباطات وشعور بالعجز وتفوّق قوة ما مجهولة هي التي تفتك بأعضاء الفريق، بينما يحاول الآخرون النجاة بأنفسهم.

لننتقل خلال تلك الأحداث مكانيا إلى نسيج مُتتابع، ساعد في إضفاء الغموض عليه التصوير وسط المياه وفي درجات لإضاءة منخفضة، ممّا جعل كل مكان تدخله الشخصيات مرتبطا بتحدّ جديد قادم لا بد منه.

على أن دراما حبس الأنفاس سوف تتحوّل إلى ما يشبه مهمة رواد الفضاء، حيث يرتدي أعضاء الفريق بدلات تشبه بدلات الرحلات الفضائية تماما، يغوصون بواسطتها في أعماق البحار ويتنقلون بسلاسة من مكان إلى آخر.

هذا الشكل الجديد الذي تم تقديمه في حوالي منتصف الزمن الفيلمي سوف يقترن بتحدّ آخر أخطر، إذ سوف يترصد الفريق كائن وحشي أخطبوطي شديد البطش والشراسة، تم استفزازه بسبب المكان الذي قام الفريق بالحفر والتواجد فيه، ممّا أطلق العنان لذلك الكائن حتى ينتقم من كل ما هو حوله.

سوف نتحوّل هنا إلى عمليات انتقام متلاحقة سوف يذهب ضحيتها العديد من أفراد فريق العمل، وسوف ننسى تقريبا ما كنّا قد عايشناه في القسم الأول من الفيلم، لنعيش أجواء مختلفة ليست قائمة على فكرة المغامرة والاكتشاف فحسب، بل وكذلك على الرعب.


العجز عن التصدّي للكائن الأخطبوطي العملاق وكونه لا يبصر بل إن لديه مجسات حسّية، سوف يقودنا إلى إشكالية ربما مختلفة، إذ قد يبدو ظهور الكائن الأخطبوطي امتدادا للمهمة.

لكنه من وجهة نظر أخرى يبدو أنه إضافة غير متوقعة أريد منها سد مساحة زمنية إضافية من جهة ودفع المشاهدين إلى الاستمتاع بمغامرة جديدة من جهة ثانية.

وهنا سوف نشهد عمليات الفقدان ثم الموت الذي طال العديد من أفراد فريق العمل بسبب تلك المغامرة المستمرة والتي أريد منها الخروج بمحصلة ما. على أننا خلال تلك المغامرة سوف ندخل في ما يشبه الدوامة، فلا يكاد يتّضح مخرج مناسب منها حتى يتم تكريس البطولة الفردية لنورا لندخل في متاهة بحرية أخرى.

في المشاهد الأخيرة سوف لن تكتفي نورا بكونها هي المتفوّقة بل بكونها المتفانية أيضا والتي بإمكانها أن تضحّي بنفسها من أجل نجاة الآخرين، وهكذا تُتيح فرصة إجلاء اثنين من زملائها في المهمة إلى السطح عبر كبسولتين فائقتي السرعة، بينما تمكث هي في القاع لا يُعرف مصيرها سوى أنها سوف تنتقم من ذلك الوحش وتقضي عليه في نهاية غير واضحة تماما.