يمينة حمدي تكتب:
الوجه الآخر للخوف
فايروس كورونا ملأ العالم خوفا وشغل الناس، بعد أن انتزع ضحاياه من قلب هدوء الشتاء الحالم الذي كانوا ينعمون به، لينهي حياة المئات منهم، لكن بالرغم من أن هذا الفايروس ليس سوى جزء من البيئة الطبيعية التي تحيط بنا، إلا أنه فتح نافذة جديدة عندما كشف عن أكبر نقاط الضعف داخل البشر، وهو الخوف الذي قد يستعبد النفوس في أحيان كثيرة، وليس ذلك فحسب بل العكس أيضا الكثير من الخرافات التي تهدف إلى إشاعة الهلع والرعب بين الناس وإبقائهم حبيسي الجدران.
الخوف كان على الدوام الوسيلة المثلى لمواجهة المخاطر الحقيقية في الحياة، والتصرف بحذر في المواقف المختلفة، والشيء الجيد هنا هو أننا لم نولد وبداخلنا خوف غريزي من أشياء معينة، وعوضا عن ذلك، فقد نشأنا كبشر لنتعلم بسرعة الخوف من أيّ شيء نعتقد أنه يشكل خطورة على حياتنا.
فضلاً عن ذلك، ربما يكون الخوف مهم أيضا بالنسبة إلى الأطفال على صعيد تعزيز ما يُعرف بـ”بيولوجية الدفاع” عن النفس لديهم، أو “التحكم المعرفي”، وقد يساعدهم ذلك على تشكيل المرونة والتكيف ورد الفعل تجاه مختلف المخاطر التي قد يواجهونها مستقبلا، فالعالم يمكن أن يكون أحيانا مكانا مخيفا، كما أن الأطفال سيمرّون بمواقف وأزمات مختلفة في حياتهم، ولذا فإن تدريبهم على كيفية مواجهة الخوف أمر جيد بالنسبة إليهم.
لكن ثمة عبء يقع على كاهل الوالدين على صعيد مساعدة أطفالهم ليبلوروا بأنفسهم وبشكلٍ طبيعيٍ ودون تدخلٍّ استخلاصاتهم المتعلقة بالمخاطر التي تحيط بهم وطرق توخي الحذر منها في الوقت المناسب، ولا ينبغي الكذب عليهم عندما يسألون عن مثل هذه الأشياء، فذلك يعني أنهم قد وصلوا بالفعل إلى مرحلة نموٍّ تتيح لهم التمييز بين الأشياء الحقيقية والخيالية.
عند بلوغ الصغار مرحلة النمو هذه، ويبدأون في طرح الأسئلة بشأن الأحداث التي تحيط بهم، فإن الالتزام بالصدق في الإجابات هو الخيار الأمثل، لكن على الآباء الحذر من التخويف المتعمد لأطفالهم، لأنه قد يسبب لديهم مخاوف مزمنة وطويلة الأمد.
الخوف يشبه سلاحا ذا حدين، فهو من جهة أداة تحفزنا على اتخاذ القرارات الصائبة في الأوقات المربكة، في المقابل فإنه قد يفقد فوائده الإيجابية إذا لم يظل عند مستوى معين، وإن تجاوز ذلك المستوى المحدد فقد أثره الإيجابي في تنظيم المشاعر، وتحول إلى واحدة من المشاكل النفسية التي يصعب التخلص منها حتى مع بلوغ الشخص مراحل متقدمة من العمر.
المشكلة تكمن في أن الخوف قد يجد لنفسه أحيانا مجالا ليتضخم ويسيطر على أذهان الكبار أكثر من الصغار، وقد يكون أشبه بالسلاح المشهر لفرض الخرافات والانصياع لها في النفوس.
يقول الفيلسوف والمؤرخ البريطاني برتراند راسل “الخوف هو المصدر الأساسي للخرافات، وأحد أهم مصادر القسوة، لذا فالانتصار على الخوف هو بداية الحكمة”.
وبينما فرض الخوف من فايروس كورونا على الكثيرين العزلة أو ما يشبه المنفى الانفرادي، فإن وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت متأصلة في حياتنا اليومية، قد خلقت بيئة مفعمة بالهلع والتضليل.
ربما معظمنا ينظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي في ظروف كهذه على أنها لا تعدو كونها مجرد منصة لنشر الصور، وكتابة التغريدات، لكنها حتما ليست قنوات محايدة، بل هي في أحيان كثيرة تساهم في نشر الرعب أكثر من فايروس كورونا نفسه.
هناك فكرة سائدة مفادها أنه عندما تكون هناك دائما آراء متضاربة حول أمر ما، فإن ذلك يفضي إلى خلق صورة مزيفة للحقيقة، ويبدو أنه من باب المعجزة الوقوف على حجم المخاطر التي يشكلها هذا الفايروس وسط هذا الكم الهائل من الضجيج الذي يغلّف الواقع بحالة من الضبابية والارتباك.
أحياناً قد تكون المعلومات التي يتداولها الناس صحيحة، لكن أحياناً أخرى تكون غير صحيحة، ومخالفة للشواهد والبراهين العلمية، وهذا ما يثير الهلع، وخصوصا عندما تحضر فكرة الموت بدرجة قوية باعتبارها ترعب الناس مرات عدة في اليوم.
الخوف من فايروس كورونا قد استند إلى العواطف أكثر مما استند إلى المعلومات الدقيقة، وعندما نظرنا إلى المخاوف المبررة نعتقد أنه “من الأفضل للناس أن يظلوا آمنين بدلا من أن يصبحوا نادمين”، بيد أن جانباً من الحماية يكمن في مواجهة مخاوفنا ولن نتغلب على المخاوف إلا بالمعرفة وإعمال الفِكر وتفهّم الغير، أو كما عبّرت عن ذلك بفصاحة بليغة الروائية التشيلية إيزابيل الليندي “الخوف لا مفر منه، ويتوجب علينا تقبله، ولكن لا يجب أن نسمح له بأن يشلّنا”.