هيثم الزبيدي يكتب:

فيلق شعفاط

اللغة العربية مربكة في بعض الأحيان. تصف الشيء نفسه مرات ومرات بمفردات مختلفة. سيقول فقهاء اللغة إن هذا غير صحيح. هناك فروقات بسيطة لكنها مهمة. أنا أعتقد أن العكس يجب أن يكون صحيحا. أي أن تتوفر كلمة واحدة تصف أشياء مختلفة، ويمكن الاستدلال لمعناها في السياق. أما الكلمات المختلفة فيجب أن تصف أشياء مختلفة.

تتعلم أن تقدر دقة الإنجليزية مثلا. من عالم الإنترنت انتشرت كلمتان. الويب وتعني شبكة بقلب دائري (عنكبوتية). النت وتعني شبكة مثل شبكة الصياد، عيون مصفوفة بجنب بعض.

أعتقد أن التسميات التي تطلق ثم تتغير إنما تصف مزاجات أدبية أو اجتماعية أو سياسية مختلفة. لقد عاصرنا بعض الإرباك المتأتي من أوصاف سياسية واجتماعية مؤخرا.

بدأت حرب أفغانستان بالغزو السوفياتي. تجمع “المجاهدون” وذهبوا للقتال هناك. تأخروا أكثر من اللازم فصار اسمهم “جهاديين”. عندما بدأوا بالعودة بأفكار وزيّ مختلفين صاروا “أفغان عرب”. عندما أرادوا تطبيق ما تعلموه هناك نعتوا بـ”المتشددين”. يوم تحول تشددهم إلى عنف باتوا “إرهابيين” ثم “قاعديين”. عندما أعيد تصديرهم إلى العراق وسوريا أصبحوا “دواعش”. ثم قرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة تغليفهم بورق لماع ووضع كارت المسمّى الجديد، سمعنا بـ”جند الخلافة” (لكي لا نهمل أيضا “الانكشاريين الجدد”). حين وصلوا إلى ليبيا كان الاسم الأخير، ولن يكون الآخر، هو “المرتزقة”.

غنيّ عن القول إننا نتحدث عن نفس مجموعة الأشخاص. قد تتواجد فجوات في الأجيال بسبب المسافة الزمنية الفارقة بين وصول أول “مجاهد” إلى أفغانستان واستعراض آخر “مرتزق” في ليبيا.

يتلاعب السياسيون والإعلاميون بالمسمّيات وتصبح هي الدارجة في حينها. لكن هذه التقلبات في المسميات – ولكي ننصف السياسة والإعلام معا – هي أيضا انعكاس لتغيرات في المزاج الشعبي. بعض هذه التقلبات تصبح متناقضة لدرجة أنه في وقت واحد تجد أحدهم يصف نفس المجموعة بـ”الاستشهاديين” حين يفجّرون سوقا للخضار في بغداد، و”الانتحاريين” حين تصل النار إلى باب داره. “حزب الله” متى ما يوافقك و”حزب اللات” حين تنقلب عليه. “فيلق القدس” حين يتوفر التمويل و”فيلق شعفاط” حين يجف. حروب بين “كفار” و”مارقين”. شعفاط، لمن فاته المقترح الجديد لحل القضية الفلسطينية، هي بلدة غير بعيدة عن القدس مرشحة لكي تكون عاصمة الدولة الفلسطينية المقترحة.

الفكرة لا تكمن في القدرة على تغيير المسمّيات، بل “الإبداع” في العثور على أوصاف جديدة لنفس الظاهرة ونفس الأشخاص. ثمة جانب إبداعي لا يمكن إغفاله. ولكننا في كل هذا نصف نفس الشيء ونصف أنفسنا أيضا.