علي صفوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

النظام الإيراني بين التخبط واليأس

انتفض الشعب اللبناني والعراقي خلال الأسابيع الماضية ضد التدخلات المدمرة للنظام الإيراني، تلاهما الشعب الإيراني الذي انتفض هو الآخر على مدار الـ12 يوما ولا يزال تعم التظاهرات في ١٧٦ مدينة، عاقدين العزم على الإطاحة بالنظام.

لقد قتل الاستبداد الديني الدموي الحاكم حتى الآن ٤٥٠ من المتظاهرين بشكل بشع وكارثي، حيث أن هناك أكثر من ٤ آلاف جريح و ١٠ آلاف معتقل والعديد من المعتقلين يتم احتجازهم في المدراس، وهو ما يعد قمعاًمميت ولكنه لم يفلح في إيقاف الانتفاضة.

تسربت أنباء عن اشتباكات مستمرة في طهران ومدن أخرى على خلفية قطع الإنترنت من قبل النظام، وقد اشتعلت هذه الانتفاضة رداً على رفع قيمة البنزين، فمنذ شهور والنظام يخطط لرفع الدعم عن البنزين ولكنه كان خائفا من بدء الانتفاضة العامة، إلا أنها وقعت.

كانت حسابات النظام قد تغيرت مؤخرًا، لأنه مع الصناديق الفارغة من المال، يواجه المرتزقة الإقليميين للنظام الذين اعتمدوا على التبذير والإسراف تهديدات خطيرة لـ "عمقهم الاستراتيجي" في لبنان والعراق، بما يشير إلى أن وضع النظام بين خيارات السيئ والأسوأ

في منتصف ليل الخميس، بينما كانت البلاد نائمة، قام النظام برفع أسعار البنزين ثلاثة أضعاف، وفي سكون الليل دفع بقوات الأمن الخاصة به في النقاط الحساسة لتكون مستعدة لقمع الاحتجاجات المحتملة.

لكن صحوة ويقظة الشعب صدمت الملالي، واشعلت المظاهرات مثل النار في الهشيم في كل مكان، ولعب الشبان دوراً رئيساً فيها، واستهدف الغضب العام غير المسبوق الحكام الفاسدين، ومن بينهم الولي الفقيه علي خامنئي.

كانت الشعارات الأساسية هي الموت لخامنئي والموت لروحاني، والهدف هو الديمقراطية، ولهذا العمق والأبعاد الواسعة التي ظهرت فيهما الانتفاضة أجبرت خامنئي المذعور على الظهور على المشهد فوراً، لينهي الخلاف والجدل الداخلي بين المسؤولين المذعورين من خلال دعمه لقرار رفع سعر البنزين، وإعطائه الأوامر بقمع من سماهم بمثيري الشغب، وعلى حد تعبيره، قضى بسرعة على الاحتجاجات في مهدها.

إنّ انتفاضة شهر نوفمبر هذا العام استثنائية، وهي أكثر شجاعة بكثير من انتفاضات عام ٢٠٠٩ وانتفاضة يناير ٢٠١٨، فهي أولاً تتويجا لآلاف الحركات الاحتجاجية الأصغر والمتواصلة والمستمرة على مدار العام ونصف العام الماضيين، والتي تم تنفيذها من قبل المعلمين والطلاب والعمال والممرضين وسائقي الشاحنات والمواطنين المنهوبة أموالهم والمزارعين والتجار

كما أن قاسمهم المشترك هو أن جميع شرائح المجتمع الإيراني تقريبًا تجد أن الوضع الحالي لم يعد يطاق، بما يشير أنه ولأول مرة في تاريخ حكم هذا النظام، أن تقوم الطبقة الوسطى الحضرية، والقرى، والطبقة العاملة في المدن الأصغر، و "جيش العاطلين عن العمل"، والأقليات العرقية والدينية (بمعنى آخر، كل الإيرانيين تقريبًا)، جميعهم بإحياء الشعور والإحساس الاستثنائي بالتضامن الوطني والشجاعة ضد العدو المشترك.

هذه هي الميزة الخاصة التي اتسمت بها انتفاضة عام 1979، والتي أطاحت في نهاية المطاف بديكتاتورية الشاه الفاسدة، وتكمن الثالثة في سرعة توسع هذه الانتفاضة، فخلال ١٣ يوماً، توسعت لأكثر من ١٧٩ مدينة، الأمر الذي يوضح مدى الوضع الانفجاري للمجتمع. مثل هذه الظروف تحتاج لشعلة واحدة فقط.

رابعاً، النظام نفسه ضعيف وخائف جداً، الفساد منتشر على نطاق واسع، حيث سيكون الاقتصاد بمعدل 9.5٪ سلبي هذا العام، ومعدل البطالة أعلى من 40٪ ، ومعدل التضخم أعلى من 50٪ وقيمة العملة الوطنية منهارة.

هذا هو السبب في أن درجة تحمل نظام طهران للانتفاضات الأخيرة قد وصل إلى الصفر، ولجأ النظام إلى القتل غير المشروط للمتظاهرين والإغلاق الكامل للإنترنت خلال الساعات الأولى من الانتفاضة.

خامساً، مستوى تنظيم المظاهرات كان أكثر تطوراً، فالنقطة المشتركة والغير مسبوقة لهذه المظاهرات هي أن الهجمات الواسعة في كل مدينة منتفضة تقريباً كان تستهدف المئات من مراكز النظام، مثل بنوك النظام والحوزات ”الدينية“ ومراكز الباسيج وقوات الحرس.

بالنسبة للجمهور العام، فإن هذه المراكز هي رموز للفساد، ويجب حرقها جميعها وتسويتها بالأرض كما النظام نفسه، فيما نجحت معاقل الانتفاضة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية بعد نشاطات واسعة ودقيقة داخل البلاد خلال العامين ونصف العام الماضيين، إيجاد استمرارية ورابطة عميقة مع الجمهور العام.

هذا يدل بوضوح على أن قمع النظام وعمليات شيطنته لسنوات عديدة لم يضر بالعلاقة بين الشباب والمنظمة، ففي الواقع، اعترف خامنئي وكبار المسؤولين وصحافة النظام على الفور بدور منظمة مجاهدي خلق في قيادة الانتفاضة، واعترفوا بأن معاقل الانتفاضة تتوسع وتتكيف وتنفذ التكتيكات التي أصبحت متطورة بشكل متزايد، وتقود الطريق في حملات ناجحة ضد النظام.

في ١٨ نوفمبر ٢٠١٩، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي للنظام: "كان هؤلاء الأشخاص مرتبطين بالحكومات ومجاهدي خلق ... أعتقد أن ٣٤ شخصاً من مجاهدي خلق قد تم اعتقالهم حتى الآن وتم تحديد شبكة واسعة من القنوات التي لا تعمل باسم مجاهدي خلق ولكن تتبع سياستها."

على عكس بعض جيرانها، لدى إيران بديل حقيقي لاستبدال حكومة الملالي، واسمه هو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، حيث يطالب هذا المجلس بإيران علمانية وديمقراطية وحرة ، وقد تم تلخيص هذه المطالب في خطة النقاط العشر لرئيسته المنتخبة، السيدة مريم رجوي.

حازت المقاومة على إعجاب ودعم الآلاف من البرلمانيين ونشطاء حقوق الإنسان والشخصيات البارزة والمسؤولين السابقين في جميع أنحاء العالم، فالشعب الإيراني مستعد لتحقيق الحرية، لديهم القدرة على القيام بذلك ولديهم بديل ديمقراطي، وهم ليسوا خائفين من التضحية بحياتهم في هذا الطريق. 

ويجب التأكيد على أن مصير إيران الديمقراطي هو في أيدي الشبان المنتفضين القوية، إنّ مطلبهم من العالم هو ببساطة إدانة جرائم النظام ضد الإنسانية ودعم دعواتهم وصرخاتهم من أجل الحرية.

 

*علي صفوي عضو لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي يقع مقره في باريس.