رسالة ردع جماعية من السعودية..

"الموج الأحمر 8": مناورات بحرية لحماية شريان الملاحة العالمي

تأتي هذه التحركات العسكرية المشتركة في وقت يتعاظم فيه التهديد على أحد أهم الممرات المائية في العالم، البحر الأحمر، الذي تحوّل في العامين الأخيرين إلى مسرح صراعٍ متقاطع، لا سيما مع تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية تحت غطاء الدعم لغزة.

ست دول تشارك في التمرين البحري المختلط "الموج الأحمر ثمانية".

الرياض

بدأ التمرين البحري المشترك «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي في جدة غربي السعودية بمشاركة واسعة من القوات البحرية والجوية والبرية ووحدات حرس الحدود السعودية، إلى جانب قوات بحرية من عدة دول مشاطئة للبحر الأحمر، منها الأردن ومصر وجيبوتي والسودان واليمن، بالإضافة إلى مراقبين من باكستان وموريتانيا. تستمر فعاليات التمرين من 9 إلى 13 نوفمبر 2025 (يختتم الخميس المقبل)، في إطار تنسيق عسكري مشترك يهدف إلى «تعزيز التعاون الدفاعي والتكامل الأمني» بين الدول المشاركة. وقد أكّد قائد الأسطول الغربي السعودي، اللواء البحري الركن منصور الجعيد، أن التمرين يسعى إلى حماية البحر الأحمر وتأمين الممرات البحرية وخطوط الإمداد العالمية، انطلاقًا من أهمية هذا الممر الحيوي للملاحة الدولية.

يعد البحر الأحمر شرياناً حيوياً في التجارة العالمية، يمر عبره الطريق الأقصر بحراً بين آسيا وأوروبا (عن طريق قناة السويس)، حيث يُشكل نحو 15% من إجمالي حجم التجارة البحرية العالمية. نتيجة لهجمات الحوثيين المتكررة، انخفضت حركة الملاحة عبر قناة السويس فجأة بنسبة 50% خلال الأشهر الأولى من 2024 مقارنةً بالعام السابق، إذ حولت شركات الشحن مساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب المخاطر. ويأتي تحريك «الموج الأحمر 8» في وقت تسعى فيه الدول العربية إلى تأمين هذا الممر الرئيسي الذي يحمل النفط والسلع والمواد الأولية والتصنيع بين الشرق والغرب.

شهد البحر الأحمر خلال العامين الماضيين تصاعداً للهجمات البحرية، أقدم عليها الحوثيون في اليمن انطلاقاً من تضامنهم مع الفلسطينيين في غزة. فقد شنّت المليشيا الموالية لإيران أكثر من 100 هجوم على السفن المارة منذ نوفمبر 2023، أسفرت عن غرق سفينتين واحتجاز ثالثة ومقتل أربعة بحارة على الأقل. استهدفت هذه الهجمات خصوصاً السفن المرافقة لإسرائيل أو التي يُشتبه في صلتها بها، حسب بيانات صحافية ووكالات أمنية دولية. وأجبرت تلك الهجمات الكبرى شركات شحن عالمية على إعادة توجيه سفنها حول إفريقيا لزيادة التكاليف الزمنية والمالية. حتى بعد الاتفاقات الأممية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ظل الخوف يحدو الشركات من العودة إلى المسار القديم بسبب استمرار التهديدات وتأخّر عودة عمليات تأمين الملاحة، مما رفع أقساط التأمين البحرية في المنطقة إلى معدلات قياسية.

يستضيف السعوديون في هذه الدورة قوات بحرية من دول مطلة على البحر الأحمر، إلى جانب مشاركة «وحدات من حرس الحدود» السعودية، في إطار تعزيز التنسيق الإقليمي وتبادل الخبرات العسكرية. تتجلى الأهداف الرئيسية للتمرين في النقاط التالية:

تعزيز أمن البحر الأحمر والمضائق البحرية الاستراتيجية. يهدف التمرين إلى حماية الممرات الحيوية كقناة السويس ومضيق باب المندب وضمان استقرارها إقليمياً ودولياً.

ضمان حرية الملاحة وتأمين خطوط الإمداد العالمية. يسعى التمرين إلى إبراز القدرات المشتركة في حماية السفن التجارية وخطوط النفط والغاز من أي تهديد، ما يعزز «أمن الطاقة» ويدعم حركة التجارة الدولية.

تكامل وتنسيق الجهود الدفاعية. أكّد قائد التمرين، اللواء منصور الجعيد، أن الفعالية تمثل «ترجمة عملية لتكامل الجهود» بين القوات المشاركة في مجال الأمن البحري.

ومع انطلاق المناورات، حضر حفل الافتتاح قيادات عسكرية رفيعة من الدول المشاركة لتعزيز التعاون المشترك.

صُممت تدريبات «الموج الأحمر 8» لمحاكاة بيئات قتال بحرية متعدّدة ومتنوعة، حيث شملت مراحلها ما يلي:

مهام قتالية بحرية متقدمة: تشمل الحروب السطحية وتحت السطحية والجوية، إلى جانب الحرب الإلكترونية ومواجهة الزوارق السريعة والصواريخ الموجهة.

حماية الملاحة ومكافحة الجرائم البحرية: تم تنفيذ تدريبات لحماية السفن وخطوط التجارة، ومكافحة الإرهاب والقرصنة وتهريب البشر والمواد المحظورة في البحر.

عمليات معقدة متعددة الأبعاد: اشتملت فرضيات التمرين على قتال داخل المناطق المبنية (Urban Warfare)، وعمليات دوريات وإغارات وكمائن، إلى جانب فرضية تحرير أطقم سفن محتجَزة وإخلاء رهائن.

رمايات حية ومناورات مشتركة: جرت تجارب إطلاق ذخائر حية من القطع البحرية المشاركة، تنسيقية بين الأسطول السعودي وزوارق النخبة والطائرات العمودية والمقاتلات الجوية.

وقد أكد مدير التمرين، العميد عبدالله العنزي، أن هذه النسخة تمثل امتداداً لسلسلة تدريبات «الموج الأحمر» التي انطلقت عام 2019، حيث شهدت تطوراً نوعياً في أساليب التخطيط والتنفيذ العملياتي من خلال توظيف أحدث الأنظمة والمنصات القتالية، ورفع مستوى الجاهزية والتكامل بين القوات المشاركة.

يُنظر إلى مناورات «الموج الأحمر 8» كدليل على التزام المملكة ودول المنطقة بتعزيز الأمن البحري الجماعي. فمن خلال بناء قدرات مشتركة وتوحيد جهود التصدي للتهديدات، يسعى المشاركون إلى منع أي تهديد يمس سلامة الممرات الملاحية أو البنى التحتية الحيوية. وتندرج هذه الجهود ضمن الأولويات الإستراتيجية لـ«رؤية السعودية 2030»، التي تضع الأمن الإقليمي والاستقرار البحري ضمن أولوياتها.

في المجمل، تأتي هذه المناورات في ظل تحديات أمنية واقتصادية مهمة، حيث يربط الملايين من حاويات الشحن والطاقة عبر البحر الأحمر، وتشكل أمنه واستقراره عاملاً أساسياً لاستقرار إمدادات الطاقة والأسواق العالمية. ويعزز «الموج الأحمر 8» من التعاون بين الدول العربية المطلة على هذا الممر الحيوي، مساهماً في بناء شبكة دفاعية بحرية تساهم في تصويب مسار التجارة الدولية في المنطقة وتخفيف أثر التوترات الأمنية عليها