فاروق يوسف يكتب:

الطباخ نائما

يحتاج الرسم في العالم العربي إلى الكثير من الأحلام لكي ينهي حقبة يقظته المشوشة، هناك اليوم سطوة للوصفات الجاهزة صارت تفتك بالخيال وتقيد حريته وتفني عناصر تمرده على الواقع. ما نراه من رسوم هو في أغلبه عبارة عن رجع صدى لما تم إنجازه في أوقات سابقة.

الحرفيون هم سادة العروض وهو ما يضع الثقافة تحت رحمة السوق التي تنتجها، أما التجريبيون فإن سقوف مغامرتهم انخفضت وصاروا يدافعون عن أنفسهم بأدوات قديمة لم تعد تخيف أحدا.

يشعر المرء بالملل كلما دعي لحضور افتتاح معرض جماعي، أعداد الرسامين تتزايد من غير أن يكون هناك أمل بأن يولد محمد القاسمي أو شاكر حسن آل سعيد أو فاتح المدرس أو أمين الباشا أو رمسيس يونان أو نجيب بلخوجة جديد. رسام لا يعيش على الفتات المتروك على مائدة غادرها أصحابها.

الإبداع يتطلب موقفا مضادا لما هو سائد، وهو لذلك يحتاج أرواحا قوية في تمسكها بأسباب تمردها، والمغامرة الفنية لا تكون نزيهة إذا ما جرت من خلال التلصص على ما أنجزه الآخرون، عربا كان أولئك الآخرون أم أجانب.. الأمر سواء، فالسرقة مهما طال أمد إخفائها معرضة لأن تنكشف في أية لحظة.

وإذا ما كان الحرفيون في معظمهم لصوصا محترفين، فإن ذلك لا يعني أن سرقاتهم ينبغي أن تحظى بالاحترام، ما ينبغي استدراكه هو خطأ المضي وراء إغراءات السوق التي هي نوع من الإثراء غير المشروع.

لا يعقل أن يساهم الفنانون في الفساد المستشري في عالمنا العربي وعيونهم مفتوحة عليه، العاملون في مطبخ الرسم بالعالم العربي في حاجة إلى أن ينصتوا إلى وقع خطواتهم وهي تتسلل إلى حدائقهم السرية في الأحلام.

نحن في حاجة إلى المزيد من الأحلام لكي ننقي أرواحنا من شوائب يقظة صارت أشبه بالجحيم لما تخللها من فساد، أيها الرسامون العرب أقلبوا الطاولة واكسروا ما عليها من صحون ولتحفر أصابعكم في الأرض بحثا عن أعشاب تشبهكم.