مخاوف من اقتحام جديد لمجمع الشفاء..

تفاصيل المبادرة الأمريكية: وقف إطلاق نار دائم وانسحاب تدريجي لإسرائيل من غزة

ترحب بعض الأطراف بالمبادئ الأميركية باعتبارها مدخلاً لإنقاذ غزة من المجاعة والانهيار الإنساني، يظل الواقع الميداني في القطاع والضفة الغربية ـ من قصف مستمر، ونزوح جماعي، ودمار واسع ـ أكبر اختبار أمام أي مسعى دبلوماسي لوقف الحرب وفتح أفق سياسي جديد.

أوروبا والعرب يناقشون مبادرة موازية لقوة استقرار دولية في غزة

محرر الشؤون الإقليمية
محرر الشؤون الاقليمية والملف الإيراني

قدّم المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة سلام أمريكية من 21 نقطة لوقف الحرب في غزة وتعزيز الاستقرار بالمنطقة. وعرض ويتكوف مقترحات الرئيس دونالد ترامب على قادة ومسؤولين من دول عربية وإسلامية، مشيراً إلى أنها “تعالج المخاوف الإسرائيلية، وكذلك مخاوف جميع الجيران بالمنطقة”. وأضاف المتحدث الأمريكي أنه «متفائل، بل واثق، من أننا سنتمكن خلال الأيام المقبلة من الإعلان عن انفراجة بصورة ما» في الأزمة. وقد أوضح ترامب للزعماء أنّ الحرب في غزة يجب أن تنتهي بشكل عاجل، وأن كل يوم تستمر فيه يزيد عزلة إسرائيل دولياً.

واستندت المقترحات الأمريكية إلى أفكار نوقشت خلال الأشهر الماضية وتطويرات لأفكار طرحها جاريد كوشنر وطوني بلير. وتتضمن المبادئ الأساسية للخطة الأميركية عدداً من النقاط الجوهرية، من بينها:

إطلاق سراح جميع الرهائن الفلسطينيين والإسرائيليين المحتجزين في غزة.

التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم وشامل.

انسحاب تدريجي لإسرائيل من كامل قطاع غزة.

إنشاء آلية حكم جديدة في غزة ما بعد الحرب لا تشارك فيها حركة حماس.

تشكيل قوة أمنية مشتركة تضم قوات فلسطينية وعسكرية من دول عربية وإسلامية.

تقديم تمويل من الدول العربية والمسلمة للإدارة الجديدة في غزة ولإعادة إعمار القطاع.

إشراك السلطة الفلسطينية بشكل محدود في المرحلة الانتقالية بقطاع غزة.

شروط الدول العربية ودعمها

قدم قادة الدول العربية والمسلمة خمسة شروط رئيسية لدعمهم للخطة الأميركية على النحو التالي: ألا تقم إسرائيل بضم أي أجزاء من الضفة الغربية أو قطاع غزة، وألا تحتل أي مناطق من القطاع، وألا تنشئ مستوطنات في غزة، وأن تتوقف عن تقويض الوضع القائم في المسجد الأقصى، مع زيادة فورية في المساعدات الإنسانية إلى القطاع. كما أوضح ترامب للزعماء أنه لن يسمح بإجراء أي ضم في الضفة الغربية. في ختام الاجتماع، أكد القادة العرب والمسلمون دعمهم للمبادئ الأميركية والتزامهم بالمشاركة في خطة ما بعد الحرب في غزة. وأعربوا في بيان مشترك عن “التزامهم بالتعاون مع الرئيس ترامب وأهمية قيادته من أجل إنهاء الحرب وفتح آفاق سلام عادل ودائم”.

تصاعد الحرب في غزة وآخر التطورات

وجَّهت إسرائيل ضربات جوية جديدة إلى غزة يوم الأربعاء الماضي، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا بين المدنيين. فقد قتل ما لا يقل عن 50 شخصاً في أنحاء القطاع الأربعاء، معظمهم في مدينة غزة حين أصابت غارة جوية ملجأً يضم عائلات نازحة قرب سوق في وسط المدينة. وقال الجيش الإسرائيلي إن القصف استهدف مقاتلين من حماس وحاول الحد من الأضرار بالمدنيين. وأظهرت لقطات لوكالة رويترز أشخاصاً ينقبّون بين ركام المباني المدمرة بحثاً عن ناجين. وأكد الناجي سامي حاجّاج أن الانفجار وقع فجأة أثناء نومهم دون أي إنذار مسبق، مما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا من الأبرياء بينهم نساء وأطفال.

تواصلت أيضاً التوغلات البرية الإسرائيلية داخل مناطق غزة المكتظة. فدخلت دبابات إسرائيلية ضاحية تل الهوا بالمدينة، بينما تمركزت دبابات أخرى قرب مستشفى القدس. وأفادت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بأن محطة تزويد الأكسجين في المستشفى قد تضررت بشدّة. وزعمت إسرائيل أن مقاتلي حماس أطلقوا النار من داخل مستشفى الشفاء (أكبر مستشفيات غزة)، وهو ما نفته حماس ووصفت الاتهام بأنه “كذبة” قد تبرر عملية اقتحام للمستشفى. ولم يتمكن المحققون من التأكد بشكل مستقل من صحة الروايتين؛ إذ بث الجيش لقطات جوية تظهر إطلاق نار من نافذتين داخل المبنى، بينما قالت مصادر فلسطينية إن إطلاق النار جاء من خارج المجمع من قِبل “عصابات إجرامية”.

الضفة الغربية وجنوب غزة

في الضفة الغربية المحتلة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل فلسطينيين اثنين خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، الأول جراء مداهمة إسرائيلية في قرية عنزة قرب جنين، والثاني برصاص مستوطن في المغير شمال شرق رام الله. وتصاعد العنف في الضفة منذ اندلاع الحرب على غزة مع تكثيف العمليات الإسرائيلية في أراضيها، دون تعليق فوري من الجيش الإسرائيلي على هذه الحوادث. وفي جنوب قطاع غزة، أفاد مسعفون بمقتل 13 شخصاً على الأقل في النصيرات وما حول رفح، في حين لم يصدر تعليق رسمي من الجيش الإسرائيلي الذي يؤكد أن هجماته تهدف إلى إنهاء حكم حماس في القطاع.

الأزمة الإنسانية والجهود الدبلوماسية

مع فشل الحلول الدبلوماسية حتى الآن، نزح مئات الآلاف من سكان شمال غزة من مدينة غزة، فيما يظل كثيرون عالقين بسبب حالة انعدام الأمن وانتشار الجوع. وقال ثائر (35 عاماً) من غزة إنه تحرك إلى منطقة الشاطئ الغربية بالمدينة بعد مفاجأة الدبابات الإسرائيلية لحيّه أثناء نومه، في حين لم تسعف الظروف عدداً كبيراً من العائلات للهروب. وحذّر مرصد عالمي لمراقبة الجوع من أن جزءاً كبيراً من سكان القطاع بات يواجه خطر المجاعة نتيجة الحصار ونقص المساعدات.

وتسعى دول أوروبية وعربية بالتوازي إلى طرح مبادرات لدعم الاستقرار في غزة ما بعد الحرب، بما في ذلك إمكانية تشكيل قوة دولية مؤقتة لحفظ السلام بإشراف مشترك. ويأمل الدبلوماسيون الأوروبيون أن تتماشى هذه الجهود مع الخطط الأمريكية والإعلانات الدولية الداعمة لنشر بعثة استقرار دولية في غزة.

وتلقى تصعيد العمليات الإسرائيلية في غزة تنديداً واسعاً دولياً بسبب حجم الدمار وعدد الضحايا المدنيين. ويظل مسار السلام مرتبطاً بتقدم المفاوضات حول الخطة الأمريكية والضغوط الدولية لإنهاء الحرب وبدء مرحلة بناء الثقة مع الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، تُشكل الظروف الميدانية والإنسانية المتفاقمة ضغطاً كبيراً على الأطراف، ما يحتم تكثيف الجهود الدبلوماسية والإغاثية لحماية المدنيين وإحراز أي انفراجة ممكنة في الأزمة الراهنة