قمع الحريات وتبرير الأزمات..
الصحوة الاجتماعية في إيران: أمل في بناء مستقبل قائم على العدالة والإنسانية
منذ أن وطأت أقدام النظام الحالي أرض إيران قبل أربعة عقود ونيف، تحوّل الدين إلى سيف ذي حدين في يد السلطة، يُلوّح به لخداع الجموع وتثبيت أركان الحكم. ففي خضم كل أزمة تعصف بالبلاد، سواء كانت سياسية، اقتصادية، أو حتى موجة احتجاج شعبي، ينتصب رجال الدين الموالون للنظام، مستلّين آيات القرآن والأحاديث النبوية ليطوعوها بشكل متناقض، لا لخدمة الحقيقة الدينية، بل لتبرير ما تمليه مصلحة السلطة في تلك اللحظة الآنية.

إيران: الدين كأداة للخداع وتثبيت الحكم.

منذ قيام النظام الإيراني الحالي قبل أكثر من أربعة عقود، أصبح الدين أداة مركزية في يد السلطة لخداع الناس وتثبيت حكمها. في كل أزمة سياسية أو اقتصادية أو حتى احتجاج شعبي، يلجأ رجال الدين المرتبطون بالنظام إلى استخدام آيات القرآن أو الأحاديث الدينية بشكل متناقض، فقط ليبرروا ما تريده السلطة في تلك اللحظة. أحياناً يقولون إن التفاوض مع أمريكا "حرام وخيانة"، وأحياناً أخرى يقولون إنه "واجب ديني"، وكل ذلك حسب مصلحة النظام وليس الحقيقة الدينية.
خلال الأشهر الأخيرة، تصدرت خطب الجمعة في مدن مثل مشهد وطهران وتبريز تصريحات متضاربة حول المفاوضات مع أمريكا. إمام جمعة مشهد قال: "التفاوض مع أمريكا مخالف للقرآن"، بينما إمام جمعة طهران قال: "القرآن يأمر بالتفاوض"، وإمام جمعة تبريز قال: "تجنب التفاوض أمر إلهي!". هذه التناقضات ليست صدفة، بل هي وسيلة متعمدة لجعل الناس في حيرة، حتى لا يعرفوا من يصدقون، ويبقى القرار النهائي دائماً بيد السلطة، التي تبرر كل خطوة بأنها "إرادة الله".
النظام لا يستخدم الدين فقط في السياسة الخارجية، بل في كل تفاصيل الحياة الاجتماعية. كثيراً ما نسمع رجال الدين يهاجمون النساء ويقللون من شأنهن، ويبررون ذلك بأن "الدين يقول ذلك". لكن الحقيقة أن هذه التفسيرات هدفها فقط إبقاء النساء تحت السيطرة والقيود، ومنعهن من المطالبة بحقوقهن. حتى في القضايا الاقتصادية، عندما يحتج الناس على الفقر أو البطالة، يصفهم رجال الدين بأنهم "منافقون" أو "أعداء الدين"، ليبرروا قمعهم وسجنهم.
في المحاكم أيضاً، تتكرر نفس القصة. كثير من أحكام الإعدام والسجن بحق المعارضين السياسيين تُصدر باسم الدين، بينما يعرف الجميع أن القضاء مجرد أداة في يد المرشد الأعلى ولا يملك أي استقلالية. هذه الأحكام غالباً تصدر باسم الله والدين، لكن هدفها الأساسي هو إسكات الأصوات المعارضة وحماية السلطة والثروة.
حتى في السياسة الخارجية، عندما يريد النظام التفاوض مع الغرب، يسمي ذلك "خيانة" أو "استسلام"، وعندما يريد نفس التفاوض، يسميه "نصراً دينياً". الهدف من كل هذا هو إبقاء الناس مشغولين ومنعهم من التفكير في حقوقهم الحقيقية. هذا التلاعب بالشعارات الدينية جعل الكثير من الناس يفقدون ثقتهم برجال الدين وبالمؤسسات الدينية الرسمية، خاصة بين الشباب والنساء.
لكن الحقيقة أن الشعب الإيراني لم يعد يصدق هذه الألعاب. سنوات من الحياة تحت هذا النظام أظهرت أن الدين، كما يقدمه النظام، ليس سوى وسيلة لإخفاء الحقائق وحماية مصالح الحاكمين. اليوم، كثير من الإيرانيين يؤمنون أن الحل الوحيد هو فصل الدين عن السياسة وإعادة العدالة والإنسانية إلى المجتمع.
هذه الصحوة الاجتماعية، خاصة بين الشباب، قد تكون بداية لتغيير حقيقي في إيران، حيث تصبح العدالة والحرية أهم من أي شعارات دينية تُستخدم فقط لخداع الناس وحماية السلطة. إذا استمر هذا الوعي وتوسع، فقد يكون الشعب الإيراني قادراً على بناء مستقبل أفضل قائم على احترام الإنسان وحقوقه، بعيداً عن استغلال الدين كغطاء للظلم والاستبداد.