"ماهية الاستراتيجية الإيرانية"..

المملكة العربية السعودية.. وتفكك التحالفات العربية المناهضة لسياسة إيران التوسعية

لم يقف الشيخ زايد عند هذا الطموح بل دعا أشقائه في المملكة العربية والكويت وقطر والبحرين إلى تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1975م ليكون ردع لتلك التحركات الإيرانية ضد دول شبه الجزيرة العربية؛ ولتك الموقف لدولة الامارات العربية المتحدة.

ضباط من قوات درع الجزيرة - أرشيف

د. صبري عفيف
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والأمنية، نائب رئيس التحرير ورئيس قسم البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات،
جدة

ترنو سياسات إيران الاستراتيجية إلى العمق التاريخي والجغرافي والسياسي للبلدان المحيطة بها، ففي التاريخ ّ القديم كان التوسع الإيراني متعدد الاتجاهات، يذهب صوب إقليم الهلال الخصيب، والقوقاز، وإقليم آسيا الوسطى، وجنوب شبه الجزيرة العربية، لكن في المرحلة الراهنة بعد أن اصطدمت خطط التوسع الإيراني بالقوة النووية في الشمال ممثلة في روسيا، والقوى النووية في ّالشرق ممثلة بباكستان والهند، تحولت خطط التوسع الإيرانية غربًا حيث الحلقة الأضعف باتجاه الدول العربية المجاورة.

من هنا نشأ الصراع الخفي والحرب الباردة بين إيران ودول شبه الجزيرة العربية تجلى في عدد من البلدان العربية، حيث سعت الثورة الإيرانية الى تصدير أفكارها الايدلوجية إلى دول شبه الجزيرة العربية والدول العربية الأخرى، فهناك بلدان عربية خسرت الكثير إنجازاتها الوطنية في سبيل الدفاع بقاءها ووجودها فـ(سوريا واليمن ولبنان والعراق) صارت حديقة خلفية ترمى إليها مخلفات الصراع، مما جعل إيران تدير الصراع مع اعداءها خارج أراضيها. 

استراتيجية المواجهة العربية.

 بدأ الخطر الايراني يداهم الامن القومي العربي في مطلع السبعينات وكان أول عدوان هو قيام النظام الإيراني احتلال الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى، وطنب الصغرى اللتان تتبعان إمارة رأس الخيمة، وجزيرة أبو موسى التي تتبع إمارة الشارقة في 30 نوفمبر عام 1971م.

منذ تلك اللحظة أصبحت المواجهة وحدها هي السبيل الوحيد لمواجهة هذه التحديات الإيرانية، وصار الحديث عن أمن المنطقة العربية من أولويات القيادات العربية، وبدأ بناء تحالفات عربية في سبيل الدفاع عن المقدسات والدين والعقيدة أو تحرير الأراضي العربية المحتلة من قبل إيران. وقد مرت تلك التحالفات بعدد من المحطات ننجزها في الاتي: 

أولا: تأسيس الامارات العربية المتحدة 

بعد احتلال إيران للجزر الإماراتية العربية بثلاثة أيام فقط أعلن شيخ العرب وحكيمها الشيخ زائد بن سلطان آل نهيان في  2    ديسمبر سنة 1971 رفع علم الدولة معلنين قيام دولة الإمارات العربية المتحدة الذي كان يضم في بداية تأسسيه (امارة دبي وامارة عجمان وامارة الشارقة وامارة راس الخيمة وامارة البحرين وامارة قطر) إلا  إن المملكة العربية عارضت ضم (البحرين وقطر) مما جعل الشيخ يتراجع عن ضم البحرين وقطر في ذلك الاتحاد العربي. 

ثانيا: تأسيس مجلس التعاون الخليجي

لم يقف الشيخ زايد عند هذا الطموح بل دعا أشقائه في المملكة العربية والكويت وقطر والبحرين إلى تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1975م ليكون ردع لتلك التحركات الإيرانية ضد دول شبه الجزيرة العربية؛ ولتك الموقف لدولة الامارات العربية المتحدة.

 وبعد هذا التحرك السياسي العربي بدأت إيران بخلق أرضية تمكنها مستقبلاً من أيرنة جزيرة أبو موسى، وكذلك ممارساته الإستفزازية والتعسفية حيال الأهالي الإماراتيين بالجزيرة، لم تسترعي انتباه وسائل الإعلام وقتذاك. لأن حرب الخليج الأولى (1980-1988) بين العراق وإيران، والتي خرج منها العراق منتصراً، كانت تطغوا على أمور كثيرة. 

وما أن وضعت الحرب أوزارها، حتى قام الإيرانيون ببناء مدرج للطائرات يتجاوز الجزء التابع لها في الجزيرة، ليصل داخل الجزء المخصص لإمارة الشارقة.

ولكي يخلق النظام الإيراني حجة تجاه العسكرة ذات التبطين الخفي لأيرنة جزيرة أبو موسى، أدعى أنه يحصن نفسه أمنياً ضد أي عملية عسكرية أمريكية مرتقبة بعد حرب الخليج الثانية (1990-1991) بين العراق ودول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تم فيها تدمير العراق؛ وهيمنة الوجود العسكري الأمريكي على منطقة الخليج العربي. 

وبحسب التصور الإيراني، فإن هذا الوجود العسكري الأمريكي سوف يساعد دولة الإمارات بأن تستعيد الجُزر الثلاث عبر القوة الأمريكية.

ثالثا: تأسيس قوة درع الجزيرة نوفمبر 1982م

قرر المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربي في دورته الثالثة (المنامة، نوفمبر 1982م) على إنشاء قوة درع الجزيرة. أُطلق على القوة المشكلة تسمية «قوات درع الجزيرة" تألف قوات درع الجزيرة من فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها وهي (المشاة والمدرعات والمدفعية وعناصر الدعم القتالي) وتتألف القوة التأسيسة من لواء مشاة يقدر بحوالي 5 آلاف جندي من عناصر دول المجلس، أغلب جنود القوة هم من السعودية مع أعداد أصغر من باقي الدول. وبهذه القوة فإن القدرة القتالية لقوات درع الجزيرة تؤهلها فقط لخوض حرب دفاعية.

بعد الاجتياح العراقي للكويت. قامت المملكة العربية السعودية بتكرار دعواتها لزيادة التعاون الداخلي للدول الأعضاء في درع الجزيرة كما دعمت اقتراح السلطان قابوس بزيادة أعداد قوات درع الجزيرة إلى مائة ألف جندي إلا أن مع هزيمة القوات العراقية في نهاية فبراير 1991 تقلصت الأصوات الداعية إلى زيادة قوة درع الجزيرة ضمن الأعضاء كما انتهى مشروع زيادة قوات درع الجزيرة في ديسمبر 1991 بضغط سعودي.

صدرت عن إيران عدة تصريحات تعتبر البحرين جزءاً منها، مثل تصريح رئيس مجلس الشورى الإيراني السابق أكبر ناطق نوري في بدايات العام 2009، وجرى نفي هذه التصريحات لاحقا وأنها فُسّرت على غير ما أراد المتحدث. كما قال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية في خطبة الجمعة ليوم 11 شباط/ فبراير 2011 إنّ الثورات العربية تستلهم روح الثورة الإيرانية.

أعلن سلطان بن عبد العزيز في ديسمبر 2005 تفكيك قوات درع الجزيرة على أثر التوترات السعودية القطرية وإدراك مجلس التعاون أن القوات لم تكن بالمستوى المطلوب

قبيل الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس سنة 1990 كانت قوات درع الجزيرة المتواجدة في حفر الباطن تتألف من لواء سعودي ولواء مشترك من باقي قوات دول مجلس التعاون الخليجي والقدرة القتالية لهذا القوات هي الدخول في حرب دفاعية  في حين تألفت القوة العراقية المهاجمة للكويت من سبعة فرقة عسكرية من الحرس الجمهوري ولم تقم قوات درع الجزيرة المتواجدة في حفر الباطن بأي رد عسكري على الاجتياح العراقي للكويت.  مما أظهر رمزية وفشل قوات درع الجزيرة.  في حماية أحد الدول أعضاء تحالف درع الجزيرة من عدوان مباشر.

فحينما شرعت القوات العراقية في غزو الكويت سارعت القيادة العسكرية الكويتية بطلب مساعدة قوات درع الجزيرة إلا انها ابلغت بواسطة قائدها بعدم استطاعته تنفيذ طلبها بسبب عدم وجود أوامر بالتحرك إلى الكويت وبطبيعة الحال لم تكن الرياض راغبة في التورط في صراع عسكري غير معروف العواقب، بل انها وفي مواجهة تنامي الحشود العراقية على حدودها الشمالية سارعت في طلب الدعم العسكري الأمريكي لتنفذ الولايات المتحدة الامريكية عملية درع الصحراء في 7 أغسطس 1990.

تفكيك القوة

في نوفمبر/تشرين الثاني 2005 صرح يوسف بن علوي -وزير الشؤون الخارجية العماني- بأن قوة درع الجزيرة لم يعد لها حاجة بعد زوال نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وبعد هذا التصريح بنحو شهر اقترحت السعودية تفكيك قوات "درع الجزيرة"، وأن تشرف كل دولة على وحداتها المخصصة للقوات التي يمكن استدعاؤها في حال الضرورة. وقرر الأمير خالد بن سلطان تفكيك القوات واعادة كل اجزاءها إلى وحدتها الوطنية.

واتفق في مايو/أيار 2008 على تمركز قوات درع الجزيرة في بلدانها الأصلية، حسب ما أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي وقتها عبد الرحمن العطية.

ثالثا: تأسيس قوات درع الجزيرة المشتركة ديسمبر (2005) 

خلال انعقاد المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في دورته السادسة والعشرين (أبو ظبي في ديسمبر 2005) اقتراح الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بتعديل المسمى إلى قوات درع الجزيرة المشتركة.

صدرت عن إيران عدة تصريحات تعتبر البحرين جزءاً منها، مثل تصريح رئيس مجلس الشورى الإيراني السابق أكبر ناطق نوري في بدايات العام 2009، وجرى نفي هذه التصريحات لاحقا وأنها فُسّرت على غير ما أراد المتحدث.

 كما قال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية في خطبة الجمعة ليوم 11 شباط/ فبراير 2011 إنّ الثورات العربية تستلهم روح الثورة الإيرانية، ولكن ما يهم البحرين أنه في غياب إمكانية تدخّل عسكري إيراني أو حتى أمني بوجود الأسطول الخامس، وباعتبار البحرين جزءاً من الجزيرة العربية، يبدو أن المدخل المتبقي للنفوذ الإيراني يتمثل في التكتل الجديد "التحالف من أجل الجمهورية"، الذي أعلن في بيان له أنه يتضامن مع مطالب الشباب. ومن الواضح بعد التجربة العراقية كيف يمكن أن يتغلغل النفوذ الإيراني في دولة عربية. 

وقد أكّدت تصريحات المالكي بخصوص الأوضاع في البحرين، وكذلك تظاهرات أتباع مقتدى الصدر، المخاوف من بُعدٍ طائفي شيعي. فلم يُعرف عن المالكي والصدر موقفٌ ديمقراطي، ولا متضامن مع القوى الديمقراطية الأخرى في المنطقة، بما فيها إيران.

دخلت قوّات "درع الجزيرة" إلى البحرين بطلب من النظام في المنامة، متذرّعةً باتّفاقية الدفاع المشترك الخليجية الموقَّعة في العاصمة البحرينية في كانون الأول/ ديسمبر 2000، فقد اتّفق قادة دول مجلس التعاون الخليجي الستّ حينها على مبدأ الدفاع الجماعي ضدّ أيّ خطر يهدّد أياً منها، وكان تشكيل قوّات درع الجزيرة في نوفمبر 1982 في الأساس وسيلة من وسائل تحقيق الدفاع المشترك. ومن منظور عربي لا يعتبر هذا الدخول تدخلا دوليا، فهذه التعابير يُحتفظ بها عادةً لتدخّل الدول غير العربية. ولكن من الواضح أنه إذا لم تعالج الدولة أسباب الاحتجاج والاستياء، فإن التدخل العربي الخليجي لن يكون ممكنا في كل أزمة مقبلة سوف تولّدها الأوضاع وطبيعة النظام .

رابعا: التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن

  طالب مجلس الأمن في 24 مارس 2015 بالتدخل العسكري السريع لفرض منطقة حظر طيران على المواقع والمطارات التي يسيطر عليها الحوثيون، كما دعا هادي دول مجلس التعاون الخليجي إلى إرسال قوات درع الجزيرة لوقف تمدد الحوثيين.
وجاءت الاستجابة سريعة من دول مجلس التعاون، حيث أعلن البيان الصادر مساء 26 مارس 2015 عن دول مجلس التعاون - ما عدا عُمان- الاستجابة لطلب هادي بالتدخل العسكري، وردع عدوان ميليشيا الحوثي وقد ضم التحالف العربي لدعم هادي رسمياً إلى جانب السعودية رئيسية من كلٍ من الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين والسودان ومشاركات رمزية محدودة من كلٍ من الأردن والمغرب ومصر.

مؤشرات تفكيك التحالف العربي 

في تغير متسارع في سياسة المملكة تجاه إيران تحدث ولي العهد السعودي في مقابلة تليفزيونية: قائلا: "إيران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران". وأضاف ولي العهد: "لا نريد وضع إيران أن يكون صعبا، بالعكس نريد إيران مزدهرة وتنمو، لدينا مصالح فيها، لديهم مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار".

وفي إشارته لنقاط الخلاف مع طهران، قال محمد بن سلمان: "إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم فيها إيران، سواء من برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج صواريخها الباليستية".

وبدا الأمير متفائلا بإمكانية الوصول إلى تفاهمات قائلا: "نعمل اليوم مع شركائنا في المنطقة وفي العالم لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات، ونتمنى أن نتجاوزها وأن تكون علاقة طيبة وإيجابية فيها منفعة للجميع".

الا ان جاءت التفاهات الأخيرة التي نصت أهم بنود تلك الاتفاقية، فقد ذكر البيان المعلن في ختام تلك التفاهمات " أن الجانبين اتفقا على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001.

وقد تضمن الاتفاق اهم النقاط وهي:

  • الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما.
  • تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
  • اتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
  • اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمنية بينهما، الموقعة في 22/1/1422هـ، الموافق 17/4/2001م والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 2/2/1419هـ الموافق 27/5/1998 م.
  • أعربت كل من الدول الثلاث عن حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.