"خفايا شن هجمات على العراق وسوريا وباكستان"..

نظام إيران.. هل يخشى "إبراهيم رئيسي" من تكرار سيناريو الإطاحة (1979م)؟

إيران لم تستهدف المصالح الأميركية في هذه الهجمات، مما يشير إلى رغبتها في تجنب تصعيد الصراع مع الولايات المتحدة، وتعبر الصحافة الإيرانية، عن مدى قلق نظام إبراهيم رئيسي من حدوث ثورة شعبية تطيح به.

الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي وفي الخلف اثار قصف ايراني استهدف العراق - أرشيف

طهران

وجَّهت إيران (منصف الشهر الجاري)، عدة صواريخ نحو ثلاث دول وهي العراق وسوريا وباكستان، وقصفت أهدافًا فيها.

وقالت تقارير صحافية إن إيران لم تستهدف المصالح الأميركية في هذه الهجمات، مما يشير إلى رغبتها في تجنب تصعيد الصراع مع الولايات المتحدة. 

ويمكن تفسير دوافع هذه الهجمات في هذا التوقيت وسبب عدم استهداف المصالح الأميركية، وما إن كان "توازن الردع" ما زال قائمًا بين إيران والولايات المتحدة.

وأطلقت إيران 4 صواريخ نحو مجموعة (...) في مدينة إدلب بسوريا، ردًا على هجمات جماعات نفذت تفجيرات داخل إيران.

وأطلقت 11 صاروخًا نحو إقليم كردستان العراق، تعبيرًا عن رد إيران على تحركات إسرائيلية أدت لمقتل قادة في الحرس الثوري الإيراني وجماعات مرتبطة به.

وبعد الهجمات، استدعت العراق سفيرها لدى إيران للتشاور وسلمت مذكرة احتجاج على ما وصفته بالعدوان على أربيل وانتهاك سيادة العراق.

ونفى مستشار الأمن القومي العراقي ما زعمته إيران عن وجود مقر للموساد في الموقع الذي استهدفته.

بعد ذلك، استهدفت إيران مقرين لجماعة "جيش العدل" في باكستان، وهي جماعة بلوشية تسعى إلى فصل محافظة سيستان وبلوشستان عن إيران.

ويُعزى استهداف إيران لأماكن بعيدة عن الوجود الأميركي إلى رغبتها في تجنب خسائر بشرية أميركية. وباستهدافها لأربيل وإدلب، تمكنت إيران من تغطية خسائرها وإظهار بعض القوة أمام أنصارها وحلفائها، وذلك في إطار قوة الردع بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وامام هذه الهجمات، باتت هناك مجموعة من التساءلات تبحث عن إجابات، من بينها لماذا استهدف النظام الإيراني سوريا والعراق وباكستان في الأيام القليلة الماضية؟ ما الذي يرمي إليه عندما يفتح عدة جبهات على نفسه في وقت هو أشد ما يكون فيه حاجة إلى الاستقرار، خاصة مع استمرار الانتفاضة الشعبية في الداخل الإيراني؟!

وصفت تقارير صحفية أفعال النظام الإيراني، بغير العقلانية ولا المنطقية، ورمت تلك التقارير إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أكدت أن النظام الإيراني يعاني من عدم الاستقرار الداخلي ويخشى أن يطيح الشعب الإيراني به في أي وقت، لذلك يصور لنا إعلامه إنه نظام متماسك وقوي وصلب، بدليل أنه شن هجمات على مواقع في العراق وسوريا وباكستان، واستعرض عبرها قوته أمام العالم، ليبرهن على إنه نظام متماسك وصلب.

ويعتقد أن النظام الإيراني أراد من خلال هجماته تلك رفع الروح المعنوية لعناصره العسكرية التي يقال إنها دخلت مرحلة الشك وبدت مضطربة، خاصة مع عجزها عن مواجهة الانتفاضة الشعبية التي تتميز باختلافها تماماً عن الانتفاضات السابقة، فهي لاتزال مستمرة ومشتعلة، ولم تهدأ أو تتلاشى منذ انطلاقتها قبل نحو عام ونصف العام.

وكل تلك الظروف جعلت من النظام الإيراني يلجأ إلى ما يمكن تسميته بحيلة «ادعاء القوة» لإقناع الآخرين بتوازنه واستقراره وبسط نفوذه وسيطرته، ليس محلياً فحسب بل حتى إقليمياً أيضاً، لذلك نرى نشاطاً من أذرعه في المنطقة لتنفيذ تكتيكاته، ولعل أبرزها الآن ميليشيا الحوثي الإرهابية، وما تشنه من إرهاب في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والتي بسببها أعادت وزارة الخارجية الأمريكية تصنيف ميليشيات الحوثي جماعة إرهابية، بعدما سحبت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا التصنيف في بداية عهده في الرئاسة قبل نحو ثلاث سنوات، ولنا حديث في هذا الإجراء في وقت آخر.

وعودة إلى النظام الإيراني، يبدو انه يلوح بورقة إشعال الأزمات في المنطقة ولكن على نطاق أكبر وأوسع، وربما يستهدف هنا ليس الحرب على الولايات المتحدة وحلفائها من دول الغرب، وإنما تهديد مصالح تلك الدول في المنطقة، وتحديداً في البحر الأحمر عبر ميليشيا الحوثي التابعة له، ولعل النظام الإيراني يستهدف من ذلك ضمان إيجاد الغرب حلولاً تحول دون الإطاحة به، خاصة وأن البديل جاهز تماماً وهم أعضاء منظمة « مجاهدي خلق» الإيرانية بقيادة مريم رجوي، وهو ذات السيناريو الذي لا يرغب النظام بتكراره، وأقصد سيناريو الإطاحة بشاه إيران قبل نحو 45 عاماً، وتمكين نظام الملالي من حكم البلاد، وبالتأكيد فإن النظام لا يرغب في أن يعيد التاريخ نفسه على حساب وجوده.

ومنذ بداية حرب إسرائيل وحماس، في أكتوبر الماضي، حاولت إيران استعراض قوتها في الشرق الأوسط عبر وكلائها في المنطقة، لكن "ضعفها المتأصل" والقيود الاستراتيجية المفروضة عليها لم تسعفها في تحقيق المبتغى، وفق ما جاء في تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي". التحليل، الذي كتبه، أفشون أوستوفار، الأستاذ المشارك في شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية، ومؤلف كتاب "طليعة الإمام: الدين والسياسة والحرس الثوري الإيراني"، يشير إلى أن طهران استعانت بحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن ووكلائها في العراق لشن هجمات على مصالح الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في محاولة لفتح مرحلة جديدة من الاضطرابات. 

ومنذ شهرين، ينفذ المتمردون اليمنيون هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، تضامنا مع قطاع غزة. وضربت إيران أهدافا في العراق وباكستان مدعية أنها مرتبطة بالاستخبارات الإسرائيلية والجماعات "الإرهابية" المناهضة للنظام في طهران. 

وذكرت وكالة مهر الإيرانية للأنباء أن الهجوم "الصاروخي وبمسيرات" استهدف مقر مجموعة جيش العدل في باكستان التي تشكلت في 2012 وتصنفها إيران مجموعة "إرهابية". 

وقالت إيران إن الهجمات الصاروخية الأخرى استهدفت "مقرات تجسس" وأهدافا "إرهابية" في سوريا ومنطقة كردستان العراق ذات الحكم الذاتي.

ودائما ما تعبر الصحافة الإيرانية، عن مدى قلق نظام إبراهيم رئيسي من حدوث ثورة شعبية تطيح به.

فقد شهدت إيران عدة موجات من الاحتجاجات على مدار العقود الأخيرة، مثل احتجاجات عام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل واحتجاجات عام 2017-2018 التي اجتاحت البلاد بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة. هذه الاحتجاجات تبرز وجود توترات اجتماعية واقتصادية قوية في البلاد.

وتفرض العقوبات الاقتصادية الدولية ضغوطًا كبيرة على النظام الإيراني وتؤثر سلبًا على الاقتصاد ومعيشة الشعب. قد يؤدي التدهور الاقتصادي إلى زيادة الاحتجاجات والغضب الشعبي.

هناك جماعات وأفراد داخل إيران ينتقدون وينتقضون النظام الحاكم بسبب القمع السياسي والاقتصادي وقضايا أخرى. قد تتصاعد هذه الانتقادات وتجمع معًا لتشكل تحديًا للنظام، لكن النظام الإيراني يتمتع بقوة أمنية كبيرة، ويمتلك جهازا أمنيا قويا يتعقب ويقمع أي تهديدات محتملة. ومع ذلك، قد يواجه النظام صعوبة في السيطرة على تحركات واسعة النطاق في حالة حدوث ثورة شعبية.

بشكل عام، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الوضع في إيران معقد ومتغير، ومن الصعب توقع ما سيحدث في المستقبل. قد تتأثر التقييمات والسيناريوهات بالعديد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتغيرة.