"منظمات دولية في عمق الصراع"..

المجلس الانتقالي الجنوبي يواجه مشكلات مستقبلية.. "أكبر قاعدة عسكرية أصبحت موطناً لنازحي اليمن"

"أم خليل وأم عبدالملك"، مواطنتان في العقد الخامس من عمرهن يرويان لـ"اليوم الثامن" تفاصيل وأسباب النزوح من الحديدة وتعز إلى قاعدة العند"، ونازحون يحصلون على دعم شهري يتراوح بين (250 و1000) دولار شهرياً

توثيق لاطفال نازحين فوق جسر العرائس في العند - صحيفة اليوم الثامن

فريق التحرير
فريق تحرير صحيفة اليوم الثامن
لحج

يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي، مشكلات مستقبلية كبرى، في ظل استمرار خصومه في تعدد أدوات وأساليب الحروب، الهادفة الى إعادة فرض الهيمنة العسكرية على الجنوب الذي تحرر عقب حرب شعواء أودت بحياة عشرات الآلاف من الجنوبيين أغلبهم مدنيون.

ومن تلك المشكلات التي تواجه المجلس الانتقالي الجنوبي، موجة النازحين اليمنيين الذين يتدفقون صوب الجنوب بأعداد كبيرة، الأمر الذي أفقد المجلس قدرة على "حصر" اعدادهم بعد ان عمدت منظمات دولية وإقليمية على الاعتماد على مندوبين من اليمن (الشمالي).

 

يمنيون حديثي النزوح يرفضون العودة 

 

 

صحيفة اليوم الثامن رصدت عن قرب موجة النازحين في قاعدة العند الجوية أكبر قاعدة عسكرية في الجنوب، حيث تحولت إلى احياء شعبية وسكنية للنازحين اليمنيين، الذين شيدت لهم مد

"نزحنا بعد ثلاثة أشهر من مقتل علي عبدالله صالح، قالوا لنا في الجنوب أمان أفضل لكم وسوف تساعدكم المنظمات شهرياً"، بهذه العبارة بدأت "أم خليل وهي مواطنة في العقد الخامس من العمر الحديث عن أسباب هجرتها (غير القسرية) من بلدة باجل في تهامة بالحديدة لأول مرة في مطلع العام 2018مـ.

كان مجموعة من الصحافيين الجنوبيين يوجهون الأسئلة الى المواطنة، حين سأل أحدهم المواطنة :"هل تشعرين بالحنين إلى دياركم في الحديدة؟ متى ستعودون؟.

كانت الإجابة ربما صادمة للبعض منهم: "لن أعود الى باجل، لدينا أولاد ولدوا هنا، ولن نعود"، رأت ان انجاب أطفال طوال ثلاث سنوات من النزوح قد منحها حق البقاء في قاعدة العند العسكرية، حيث أصبحت لديهم منازل في حي "الجوية"، وهو حي سكني حديث التأسيس؛ يقع في قلب قاعدة العند الجوية العسكرية الأشهر والأكبر في الجنوب.

تمتلك أم خليل عشرة من الافراد "أبناء واحفاد"، يصل عدد سكان الأسرة 15 فرداً، يحصلون شهريا على مبلغ مالي مقدم من منظمات دولية وإقليمية ما بين 250 دولار أمريكي إلى 1000 دولار أمريكي، والمنظمات متعددة التي تزورهم بشكل دائم لدفع لهم مستحقات مالية على اعتبار انهم نزوح.

لم تصل الحرب إلينا 

أم عبدالملك، مواطنة في العقد الرابع تسكن في قرية ريفية في مدينة تعز، أكدت ان الحرب ليست من دفعتها للنزوح مع افراد اسرتها، بل نزحت بحثا عن "لقمة العيش"، قالت لـ(اليوم الثامن) :"انا ام عبدالملك من تعز، من قرية  الحرب ما وصلت الى عدنا، نحن بعيد جدا عن القتال، بس صهري (زوج ابنتها) يعمل في عدن، اقترح عليهم النزوح للحصول على دعم مالي بدعوى انهم نازحون.

قالت إن زوج ابنتها "كان يعمل في سوق الخضرة في لحج، الى ان عرض عليه أحدهم التسجيل كنازح، وطلب منه احضار اسرته من تعز، حيث لم يمض على احضارهم سوى ثلاثة أيام، حتى أصبحوا مواطنيين في لحج".

مواطنة أخرى كانت تقف على حافظ جسر دار العرائس، قالت ان شابا من تعز ساعدها على الهجرة إلى عدن، لكن تم اعتقاله في احد الحواجز الأمنية، وسجن لعشرة أيام قبل ان يسمح له بالمغادرة.

وحول التهمة التي اعتقل بسببها، قالت "عثروا بحوزته على ثمان بطائق شخصية تحملان اسمه وصورته ولكن كل بطاقة صادرة من محافظة ومديرية، وقد تم الافراج عنه بتوجيهات حكومية. "مسؤول محلي، تكفل بالأفراج عنه.

بخور مغشوش

 

عرضت "أقراص بخور للبيع"، تعاطف معها بعض المواطنيين للشراء منها، كنوع من المساعدة المالية لها، لكن أخرى تدخلت وطلبت منهم كسر قرص البخور حتى يتضح لهم نوعية الغش الموجود فيه.

يقول مواطن معلقا على البخور "ثلاثة الف ريال يمني دفعتها لـ(أم عبدالملك)، لكن البخور لا ينفع هو مصنوع من السكر المخلوط بـ(مخلفات حيوانات) لكي يرتفع مستوى الدخان لكن رائعتها كريهة للغاية، نحن خدعنا، العاطفة السبب، حاولنا مساعدة هذه المواطنة.

أكثر من 30 قرص بخور تم التخلص منها، لكن المواطنة اختفت وظهرت أخرى تخبرهم ان البخور لا يصلح ورائحته كريهة للغاية.

 

مساكن في قلب القاعدة الجوية 

 

قاعدة العند أحد أعرق وأكبر القواعد العسكرية، تحولت عقب حرب صيف 1994م، الى موطن للعسكريين اليمنيين الذين اعلنوا في العام 2015م، موالاتهم للحوثيين والقتال في صف الاذرع الإيرانية قبل ان يتم طردهم من قاعدة العند على اثر مواجهة عسكرية شرسة.

حي الجوية وحي دار العرائس، كلها احياء شيدت فيها مساكن بدعم من قوات الجيش اليمني والنظام اليمني في صنعاء، في محاولة لتوطين اليمنيين في القاعدة التي كانت تمثل هيبة عسكرية كبيرة لدولة الجنوب السابقة، لكن هذه المساكن تحولت بشكل تلقائي الى نازحين من اليمن الشمالي بينهم عسكريون كانوا في القاعدة الجوية.

أغلب النازحين من فئة المهمشين الذين يشكلون مضايقات للأسرة الجنوبية التي تذهب لقضاء إجازة نهاية كل أسبوع الى دار العرائس، تقول مواطنة جنوبية قدمت من العاصمة عدن "ان نجلها فقد هاتف قيمته المالية أكثر من 1500 دولار، فقط لأنه طلب من طفل في الـ17 من عمره، تنظيف سيارته قبل ان يقوم بمصادرة الهاتف والاختفاء في الحي".

تضيف المواطنة "ان دار العرائس يعد متنفسا أخيرا للأسر الذين يهربون من درجة الحرارة الى هذه الأشجار الخضراء وقضاء أوقات ممتعة، وهو أمر اعتدنا عليه دائما، لكن ما يحصل هنا يجعلنا لن نعود مرة أخرى".

وقالت :"هؤلاء – تشير الى عشرات الأطفال من الأسر النازحة المهمشة – يضايقون الأسر ويزعجون أي اسرة قدمت من العاصمة عدن لقضاء بعض الوقت، لكنهم مزعجون للغاية، ماذا نفعل لهم، اذا لم نجود عليهم بما نقدر عليه لن يتركونا نرتاح، وحتى ان منحنا بعضهم بعض الأموال يذهبون لأخبار البقية ان هناك من يصرف "فلوس"، ويأتي البقية وهكذا تضطر الى ان تدفع لكي تدفعهم بعيدا عنك، ومع ذلك تظل عاجزا امام كثرة اعدادهم..

واتهمت المواطنة صراحة الأجهزة الأمنية في العاصمة عدن ولحج التي لم تضع حدا لأعمال التسول الكبير التي هدفها جمع أموال من المواطنين بطرق بعضها احتيالية.

 

من نازحة إلى مسؤولة اغاثية 

 

في وسط سوق العند قابلنا مسؤول محلي مطلع على اعمال الإغاثة والاعمال الإنسانية في لحج، يؤكد ان :"هناك منظمات دولية شريكة بشكل فاعل في توطين النازحين اليمنيين في الجنوب، هؤلاء لديهم اجندة خبيثة وقد أصبحت هذه المنظمات جزء من الصراع ان لم تكن في عمقه".

وأوضح المسؤول الذي وعدناه بان لا نشير الى اسمه إن مسؤولا محليا في لحج (وكيل)، متورط في مساعدة منظمات دولية وإقليمية في توطين النازحين في لحج".

وعن مدينة وادي ذر التي اثير حولها الجدل قبل سنوات، والتي قالت منظمة تركية انها إنشاتها لمواطني لحج "غير صحيح هذا الأمر، بل هي مدينة للنازحين اليمنيين القادمين من اليمن الشمالي، هؤلاء لديهم أكثر من مدينة، يشير الى أقصى مدينة عند، هناك في الوادي مدينة أخرى يمكن مشاهدتها للخارجين من العند، هذه المدينة أسست خصيصا للنازحين".

وأكد ان (بطاقة الهوية اليمنية) بات الحصول عليها أسهل من أي معاملة أخرى، بالإمكان ان تحصل على هوية شخصية كل شهر دون ان يسألك أحدهم، وبالاسم الذي تريد، أصبحت الأمور سائبة لأن هناك تواطئ من أطراف عدة".

وقال "ساخراً، ذات مرة قبل سنتين أتت إلينا مواطنة يمنية دون الأربعينات من عمرها، تبحث عن مساعدة، وحين تم سؤالها عن اسرتها أخبرتنا باسم زوجها وهو رجل مقتدر ويمتلك شاحنات نقل ويعمل في ميناء الحديدة، وحين اخبرناها ان هناك نازحين هم اشد حاجة منها، غضبت منا وذهبت إلى مسؤول محلي (إخواني)، الذي عاد وفرضها كمندوبة على احدى المنظمات الإقليمية لتصبح في الأسبوع التالي تمتلك سيارة جديدة قيمتها سبعة ألف دولار أمريكي، بعد ان كانت تبحث عن مساعدة بسيطة".

واكد المسؤول ان المفارقة العجيبة في هذه التصرفات، ان الزوج يعمل لدى منظمة حوثية وينقل المساعدات المقدمة من الخارج للحوثيين إلى صنعاء وبقية المناطق وهي تعمل في مدن الجنوب المحررة"؛ ومضى وهو يضحك ساخرا.

 

مشكلات تواجه المجلس الانتقالي الجنوبي 

 

يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي – السلطة السياسية في الجنوب– مشكلات مستقبلية لعل ابرزها مشكلة التوطين اليمني للنازحين الهادف الى عرقلة جهود استعادة الدولة الجنوبية السابقة.

وقال ناشطون حقوقيون ان المنظمات المحلية الممولة من المجلس الانتقالي الجنوبي (المجلس التنسيقي)، عاجزة حتى اللحظة في معرفة النازحين الجدد الى الجنوب، والذين أصبحوا يمتلكون وثائق على انهم مواطنون جنوبيون، في حين انه لم يمض على نزوحهم سوى أعوام قليلة (بين ثلاثة وسبعة أعوام).

وتدعم منظمات تابعة لإخوان اليمن والحوثيين موجة نزوح متواصلة صوب الجنوب لارباك المشهد السياسي وعرقلة السلطات المحلية، في حين انه لا توجد أي مواجهات عسكرية تدفع اليمنيين الى الهجرة صوب الجنوب.

ويحتاج المجلس الانتقالي الجنوبي الى إعادة انتزاع كشوفات المنظمات المحلية والإقليمية المسؤولة عن النازحين وإيقاف كل اعمال صرف الأراضي السكنية والشراء لليمنيين حتى تستقر الأوضاع ويتم النظر في هذه المشكلة القديمة والمتجددة.