"دعوات خليجية وعربية لوقف الاقتتال"..

مواجهات عنيفة في الخرطوم وتبادل اتهامات.. حقائق الصراع الدموي في السودان

"المواجهات العنيفة التي اندلعت فجر السبت خلفت تسعة قتلى على الأقل من المدنيين، في حين يتحدث الجيش والدعم السريع عن تحقيق كل طرف منهما مكاسب على الأرض"

محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوة الدعم السريع وعبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني - أرشيف

الخرطوم

أعلنت مصادر طبية في السودان مقتل تسعة مدنيين على الأقل في مواجهات عنيفة بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع، وسط تبادل اتهامات بين طرفي الصراع، فيما وجهت دعوات خليجية وعربية لوقف الاقتتال، والعودة إلى طاولة الحوار.

 

كيف بدأت الاشتباكات؟

 

اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في البلاد يوم السبت في العاصمة وأماكن أخرى في الدولة الإفريقية، مما أثار مخاوف من اندلاع صراع أوسع.

وقال الجيش السوداني إن القتال اندلع بعد أن حاولت قوات الدعم السريع مهاجمة قواتها في الجزء الجنوبي من العاصمة، متهمة الجماعة بمحاولة السيطرة على مواقع استراتيجية في الخرطوم، بما في ذلك القصر.

من جهتها، اتهمت قوات الدعم السريع، في سلسلة من البيانات، الجيش بمهاجمة قواتها في إحدى قواعدها بجنوب الخرطوم. وزعمت أنها استولت على مطار المدينة و"سيطرت بالكامل" على القصر الجمهوري بالخرطوم، مقر رئاسة البلاد.

كشفت نقابة أطباء السودان، اليوم السبت، أن الاشتباكات الدائرة خلفت مقتل9  مدنيين على الأقل حتى الآن.

وجاءت الاشتباكات مع تصاعد التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى تأخير توقيع اتفاق مدعوم دوليا مع الأحزاب السياسية لإحياء التحول الديمقراطي في البلاد.

وعقب افطار السبت تجددت الاشتباكات في وسط العاصمة السودانية الخرطوم، وسط الحديث كل طرف عن تحقيق مكاسب عسكرية على الأرضية، حيث تحاول قوات الدعم السريع السيطرة على قاعدة رئيسية للجيش السوداني في وسط العاصمة.

أكد قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو، أن مقاتليه سيطروا على أكثر من 90% من المواقع الاستراتيجية في العاصمة الخرطوم، في حين لا يسيطر الجيش إلا على 3 أو 4 مواقع فقط، على حد قوله.

وفي تصريحات لفضائية سكاي نيوز عربية، مساء السبت، قال دقلو: "الجيش بدأ الهجوم علينا، وقرر ضرب كل مقرات الدعم السريع"، مشيراً إلى أن قواته تحقق انتصارات على الأرض.

وأضاف "أتحدث معكم الآن من أمام باب القيادة العامة للجيش السوداني"، معلناً أن "المفتش العام للجيش السوداني، وبعض القيادات الأخرى انضموا لقوات الدعم السريع".

كما أشار إلى أن القوات المصرية المتواجدة في مطار مروي بأمان.

وعبر قائد قوات الدعم السريع عن أسفه "لما يجري في السودان، وهو أمر أجبرنا عليه، وحمدوك ( رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك) يشهد على دعمنا للعملية السياسية".

واعتبر دقلو أن استسلام رئيس مجلس السيادة الانتقالي البرهان، والفريق أول شمس الدين كباشي، هو الحل في السودان، بحسب وصفه.

وشدد دقلو على "التزامه بالاتفاق الإطاري الموقع بين الأطراف السودانية، وخيارات الشعب السوداني".

واندلعت اشتباكات في السودان، بين قوات من الجيش وقوات الدعم السريع، وسط، وسط دعوات للتهدئة وضبط الناس وتنحية فرص الحرب الأهلية.

وقال المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية العميد ركن نبيل عبد الله في مداخلة مع قناة الجزيرة مباشر إن الجيش سيرد على أي محاولات "غير مسؤولة" في وقت تشتبك فيه قواته مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية في عدة أجزاء من العاصمة الخرطوم والبلاد.

وأضاف عبد الله في المداخلة أن بعض السياسيين يحاولون تسييس الجيش مشيرا إلى أن قوات الدعم السريع موجودة بكثافة عند مقر التلفزيون الرسمي.

 

ردود فعل واسعة 

 

وأثارت المعارك في السودان ردود فعل واسع على المستوى الإقليمي والدولي، حيث عبرت دول عربية وخليجية عن مطالبها بوقف الاقتتال.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم السبت إن الوضع في السودان "هش" لكنه أصر على أنه لا تزال هناك فرصة لاستكمال الانتقال إلى حكومة يقودها المدنيون.

وأضاف خلال تصريحات من العاصمة الفيتنامية هانوي أن بعض اللاعبين "ربما يحاولون عرقلة التقدم" في السودان.

دعت الإمارات جميع الأطراف في السودان يوم السبت إلى التحلي بضبط النفس وخفض التصعيد والعمل على إنهاء الأزمة عن طريق الحوار، حسبما قالت وكالة أنباء الإمارات.

وقالت الوكالة "تتابع سفارة دولة الإمارات في الخرطوم بقلق بالغ الأحداث الجارية في السودان الشقيق وتؤكد على موقف دولة الإمارات الثابت المتمثل في ضرورة خفض التصعيد والعمل على إيجاد حل سلمي للأزمة بين الأطراف المعنية".

ودعا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مساء السبت، إلى "سرعة وقف العمليات العسكرية في السودان، والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس وتجنب التصعيد".

وقال الأمير فيصل بن فرحان عبر حسابه على موقع "تويتر" للتواصل الإجتماعي: "ندعو الأشقاء في السودان إلى سرعة وقف العمليات العسكرية والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس وتجنب التصعيد وتغليب مصلحة الشعب السوداني الشقيق بالحفاظ على مكتسباته ومقدراته، والعودة إلى الاتفاق الإطاري الذي يهدف للوصول إلى إعلان سياسي يحقق الأمن والاستقرار والازدهار للسودان وشعبه الشقيق".

وأعربت السعودية في وقت سابق اليوم عن "قلقها البالغ جراء حالة التصعيد" والاشتباكات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في السودان.

وقالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان في وقت سابق من اليوم، إن المملكة "تدعو المكون العسكري وجميع القيادات السياسية في السودان إلى تغليب لغة الحوار وضبط النفس والحكمة، وتوحيد الصف بما يسهم في استكمال ما تم إحرازه من توافق ومن ذلك الاتفاق الإطاري الهادف إلى التوصل لإعلان سياسي يتحقق بموجبه الاستقرار السياسي والتعافي الاقتصادي والازدهار للسودان وشعبه الشقيق"، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس".

وحثت السفارة البريطانية في السودان رعاياها بالبقاء في أماكن مغلقة وقالت إنها تراقب الموقف عن كثب بعدما قالت قوات الدعم السريع شبه العسكرية إنها سيطرت على القصر الرئاسي ومواقع أخرى.

وقالت السفارة على تويتر "نراقب عن كثب الموقف في الخرطوم والمناطق الأخرى التي تدور فيها اشتباكات".

 

حقائق الصراع الدموي في السودان

 

وكالة رويترز للأنباء نشرت ما وصفتها بالخطوط العريضة للصراع على السلطة على مدى السنوات الماضية في السودان، حيث اندلعت اشتباكات يوم السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية:

وبدأ السودان مسيرة التحول إلى الديمقراطية بعد انتفاضة شعبية أطاحت في أبريل نيسان عام 2019 بحكم عمر حسن البشير، وهو إسلامي نأى عنه الغرب وحكم البلاد لنحو ثلاثة عقود.

وبموجب اتفاق أُبرم في أغسطس آب 2019، وافق الجيش على تقاسم السلطة مع مدنيين ريثما يتم إجراء انتخابات. لكن ذلك الترتيب تعطل فجأة نتيجة انقلاب عسكري في أكتوبر تشرين الأول 2021 تسبب في سلسلة من الاحتجاجات الحاشدة المطالبة بالديمقراطية في أنحاء السودان.

ويمثل الجيش قوة مهيمنة في السودان منذ استقلاله عام 1956 إذ خاض حروبا داخلية وقام بانقلابات متكررة ولديه حيازات اقتصادية ضخمة.

وخلال الفترة الانتقالية التي بدأت بالإطاحة بالبشير وانتهت بانقلاب عام 2021 زاد عمق هوة انعدام الثقة بين الجيش والأحزاب المدنية.

واستمد الجانب المدني شرعيته من حركة احتجاج صامدة ودعم من أطراف من المجتمع الدولي.

وحظي الجيش بدعم داخلي من فصائل متمردة استفادت من اتفاق السلام في 2020 ومن المخضرمين في حكومة البشير الذين عادوا إلى الخدمة المدنية بعد الانقلاب.

وأعاد الانقلاب زمام الأمور إلى الجيش، لكنه واجه احتجاجات أسبوعية وتجدد العزلة وتفاقمت المتاعب الاقتصادية، غير أن الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي منذ 2019 أيد خطة الانتقال الجديدة، مما دفع بالتوترات مع الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم والقائد الأعلى للجيش إلى السطح. ودقلو معروف باسم حميدتي.

أحد الأسباب الرئيسية هو ضغط المدنيين من أجل الرقابة على الجيش ودمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي لها وضع قوي في الجيش النظامي.

ويطالب المدنيون أيضا بتسليم حيازات الجيش المربحة في قطاعات الزراعة والتجارة والقطاعات المدنية الأخرى، وهي مصدر رئيسي للنفوذ لجيش طالما عهد بالأعمال العسكرية إلى الفصائل المسلحة.

وتتعلق إحدى نقاط التوتر بالسعي لتحقيق العدالة بشأن مزاعم ارتكاب الجيش السوداني وحلفائه جرائم حرب في الصراع في دارفور منذ عام 2003. وتسعى المحكمة الجنائية الدولية إلى محاكمة البشير وسودانيين آخرين مشتبه بهم.

نقطة أخرى هي التحقيق في قتل متظاهرين مطالبين بالديمقراطية في الثالث من يونيو حزيران 2019، في واقعة أشارت فيها أصابع الاتهام لتورط قوات الجيش. ويثير التأخر في نشر نتائج هذا التحقيق غضب الناشطين وجماعات مدنية. وتطالب القوى المدنية بتحقيق العدالة بشأن مقتل أكثر من 125 شخصا على يد قوات الأمن خلال احتجاجات منذ الانقلاب.

وكانت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، التي تسببت في تهاوي العملة والنقص المتكرر للخبز والوقود، بمثابة الشرارة التي أدت لسقوط البشير.

ونفذت الحكومة الانتقالية بين عامي 2019 و2021 إصلاحات قاسية وسريعة تحت إشراف صندوق النقد الدولي في محاولة نجحت في جذب تمويل أجنبي وتخفيف الديون.

لكن تم تجميد مليارات الدولارات من الدعم الدولي وتخفيف عبء الديون بعد انقلاب 2021، مما عطل مشاريع التنمية وأثقل كاهل الميزانية الوطنية وفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل.

ويقع السودان في منطقة مضطربة يحدها البحر الأحمر ومنطقة الساحل والقرن الأفريقي. واستقطب موقع السودان الاستراتيجي وثرواته الزراعية قوى إقليمية، مما أدى إلى تعقيد فرص نجاح الانتقال.

وتأثر عدد من جيران السودان، مثل إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان، بالاضطرابات السياسية والصراعات. وعلاقة السودان بإثيوبيا على وجه التحديد متوترة بسبب نزاع على أراض زراعية على الحدود والصراع في إقليم تيجراي، الذي دفع بآلاف النازحين إلى السودان، وسد النهضة الإثيوبي.

وتنظر السعودية والإمارات، القوتان الإقليميتان، إلى انتقال السودان على أنه وسيلة لدحر نفوذ الإسلاميين في المنطقة. وتشكل السعودية والإمارات مع الولايات المتحدة وبريطانيا "الرباعي" الذي رعى، مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، الوساطة في السودان. وتخشى قوى الغرب احتمال إنشاء قاعدة روسية على البحر الأحمر، وهو أمر أعرب قادة جيش السودان عن انفتاحهم عليه.

وتتبع مصر، التي تربطها علاقات تاريخية عميقة مع السودان وشراكة وثيقة مع جيشه، مسارا بديلا مع الجماعات الداعمة للانقلاب.