"اليوم الثامن" تبحث في خصائص الاقتصاد اليمني..

معين عبدالملك.. نتائج حتمية لمقترحات مجلس الاقتصاد وقرارات حكومة الشراكة "بدائلها المتاحة"

ان رفع سعر الصرف الجمركي حتى وان كان لا ينسحب على السلع الاساسية سيؤدي إلى اثار غير مباشره على المستوى العام للأسعار وقيمة العملة وبالتالي تفاقم تدهور الاوضاع المعيشية

رئيس حكومة الشراكة معين عبدالملك والبنك المركزي في العاصمة عدن - مركبة

د. هيثم قاسم جواس
باحث في الشؤون المالية والمصرفية لدى مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات

 تمهيد: تلجأ البلدان التي تعاني من عجز في موازناتها العامة إلى تطبيق حزمة من السياسات والإصلاحات والاقتصادية لتعبئة ايراداتها العامة وتوجيهها نحو الاستخدامات التي تشكل لها أولوية هامة على كافة المستويات.

وتراعي هذه الدول عند تطبيقها تلك السياسات في أطار الحزمة التي تستهدف من خلالها تعبئة ايراداتها الأثار المباشرة وغير المباشرة لكل سياسية على كافة المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتأخذ أكثر هذه السياسات وعلى رأسها رفع سعر الصرف الجمركي على الواردات في الاعتبار توفر ما يلي:

  • وضع الهدف الرئيس للإجراء المقترح تنفيذه.
  • طبيعة السلع المستوردة التي ينطبق عليها شرط سعر الصرف الجمركي الجديد واهميتها النسبية من جملة الواردات.
  • سيطرة الدولة على حدودها وإمكاناتها في مكافحة عملية التهريب والتهرب الجمركي والضريبي بشتى أشكاله.
  • أهمية هذه السلع ومرونتها ومدى توافر بدائل محلية لها ونسبة الانفاق الكلي عليها.
  • علاقة هذه السلع بالسلع الأخرى مكملة او بديلة او مستقلة.
  • قدرة الحكومة على فرض رقابة على اسعار السلع والخدمات في السوق المحلية خاصة الاساسية منها.
  • معرفة الحكومة للإيرادات المتوقعة منها سواء أكانت المباشرة أو غير المباشرة مثل القروض والمساعدات والمنح التي تقدمها المؤسسات الدولية إذا ما كان رفع السعر استجابة لمطالب هذه المؤسسات.
  • الأعباء التي تترتب على هذه السياسات وتكلفتها المالية ممثلة بنفقات الحماية الاجتماعية وكذلك التكاليف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
  • كفاءة الحكومة في تحصيل مواردها بشكل عام المورد الذي تنطبق عليها الإصلاحات بشكل خاص.
  • توفر البيئة الاستثمارية الملائمة وتنشيط منشآت الانتاج المحلية، والصناعات الإحلالية والتصديرية.
  • مدى ملائمة التوقيت والظروف المحيطة لعملية اتخاذ القرار.
  • مقارنة المنافع المتوقعة إزاء تطبيق هذا الإجراءات مقارنة بالتكاليف التي ستتركها على كافة المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 

أولًا: خصائص الاقتصاد اليمني في ضوء بعض الاعتبارات:

يعاني الاقتصاد الوطني من أزمات عديدة هيكلية ومستجدة، وزادت هذه الأزمات حدة عندما دأبت الحكومات اليمنية المتعاقبة الجمهورية اليمنية على اتباع سياسات وإجراءات زادت عجز الموازنة تفاقما والوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي تعقيدا، والتي كان أخرها قراري رئيس مجلس الوزراء رقم (١)و(٣)، وبهدف تفسير نتائج هذه القرارات سوف ننطلق في تحليلها من خلال معرفة مدى توافر الاعتبارات سالفة الذكر في الاقتصاد الوطني حيث نلاحظ ان اليمن وحكوماته يعاني من:

  1. الاعتماد على الاستيراد في تغطية الطلب المحلي من السلع والخدمات بشكل شبه كلي خاصة السلع والخدمات الاساسية حيث تشكل الأخيرة شاملة بذلك الأدوية والمشتقات النفطية ما نسبته ٩٠٪ من جملة الواردات، وتستحوذ هذه السلع والخدمات على نسبة كبيرة من الاستهلاك الكلي.
  2. يشكل الانفاق على هذه السلع نسبة كبيرة من الدخل القومي.
  3. تفتقد الحكومة لعملية فرض رقابة على اسعار السلع والخدمات الاساسية منها.
  4. تفتقد الحكومة السيطرة على حدودها ومكافحة عملية التهريب خاصة في ظل الظروف الحالية، فضلًا عن تنامي ظاهرة الفساد في القطاع العام بشكل كبير.
  5. تفتقد الحكومة السيطرة على بعض فروع اجهزتها ومصالحها حتى في أطار المحافظات المحررة (محافظة مأرب- الاتصالات مثالا).
  6. تعاني المصالح الايرادية من ضعف كفاءة في تقدير وتحصيل مواردها) حيث لم تتمكن هذه الأجهزة من تحصيل ما نسبته ١٠٪ من الموارد المتاحة بمعدلاتها الحالية.
  7. لم تتمكن الحكومة من السحب من القروض الخارجية القائمة، ولم تفي الدول المانحة بالدعم الذي تعهدت به إزاء تطبيق هذه الإصلاحات. 
  8. لا تمتلك الحكومة خطة عامة ومصفوفة قرارات ترتقي لتحقيق رؤيتها الاقتصادية التي تزعمها. 

ثانيًا: النتائج: 

 من خلال مقارنة الخصائص التي يتصف بها الاقتصاد الوطني مع الأعتبارات الواجب توافرها لنجاح مثل هذه السياسات، فان نتائج قراري مجلس الوزراء رقم (١)و(٣) لعام ٢٠٢٣م، التي تعد محل جدل بين الاقتصاديين، ستكون حتمًا كما يلي:

  1. ان رفع سعر الصرف الجمركي حتى وان كان لا ينسحب على السلع الاساسية سيؤدي إلى اثار غير مباشره على المستوى العام للأسعار وقيمة العملة وبالتالي تفاقم تدهور الاوضاع المعيشية.
  2. تشجيع عملية التهرب الضريبي وتراجع حجم حصيلة الإيرادات الجمركية بدلا من ارتفاعها.
  3. انخفاض حجم الواردات منها في حال ما إذا كان الهدف غير ذلك.
  4. فرض أعباء مالية اضافية على جانب النفقات العامة في الموازنة وبمعدلات تفوق الايرادات المتوقعة من رفعه، ليس على نفقات الأجور والمرتبات بل وكافة النفقات الأخرى على كافة المستويات (نتائج قرار تعويم سعر الصرف وتحرير المشتقات النفطية وعلاقتها بعجز الموازنة خير دليل على ذلك)
  5. يساهم القرار في فرض الحصار على موانئ عدن البحرية والجوية.
  6. يبين القرار هشاشة الحكومة وتهربها عن معالجة الاسباب الاساسية للأزمة في اللجوء الى معالجات وهمية تزيد من خلق أعباء اضافية 
  7. تساعد هذه القرارات على تمكين الانقلابين وأطراف سياسية أخرى معادية للجنوب ماليًا واقتصاديًا وسياسيًا.
  8. تزيد هذه القرارات تدهور الاستقرار السياسي والاضطرابات العسكرية المتتالية في المناطق المحررة.

 بينما تتطلب عملية تحريك أسعار خدمات المياه والكهرباء، استقرار هذه الخدمات كوسيلة أساسية لتحقيق الغرض، فضلًا من تحريك أسعارها في الوقت الحالي سيزيد من نسبة الفاقد الذي تجاوز 50% ناهيك عن تراكم المديونية لدى المستهلكين والتي عجزت الحكومة عن وضع آلية مناسبة لتحصيلها 

    هذا في حين جاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (2) لعام 2023م، لذر الرماد على العيون والتمويه عن أهداف القرارات التي تستهدف عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، وتحميلها فاتورة مرتبات المناطق غير المحررة، والذي يعلم الجميع أنه مجرد حبر على ورق ولن تنصاع سلطات مأرب لمثل هكذا قرارات.

وعليه لما كانت عملية تنمية الموارد تستلزم شرطين الأول وجود فريق يدرك تمامًا طبيعة الموارد والنفقات العامة وكفاءة آليات تحصيلها وانفاقها والأهمية النسبية لكل مصدر منها، واسباب تراجع الإيرادات العامة وطرق تنميتها، وأسباب تفاقم النفقات العامة وسبل ترشيدها ورفع كفاءة انفاقها، بالتزامن مع وجود حكومة تمتلك إرادة لتحقيق ذلك، والثاني  ربط عملية تنفيذ أي اصلاحات اقتصادية تلبية لشروط المؤسسات الدولية والدول المانحة بمراجعة مسيرة الاصلاح مع حجم المنح والقروض والمساعدات الخارجية التي حصلت عليها اليمن منذ (1996-2022) كنسبة من الإيرادات العامة او عجز الموازنة وفقًا لنظرية المنافع- التكاليف.

 لذا يمكن القول بانه إذا كان رئيس وأعضاء المجلس الاقتصادي الأعلى لا يتوفر لديهم الشرط الأول فتلك مصيبة، وان كانت هذه المقترحات تلبية لشروط المؤسسات الدولية، وبدون أي مقابل أسوة بسابقاتها، وبمثل هكذا أوضاع فالمصيبة أعظم. 

ثالثًا: البدائل المتاحة:

 كان يستوجب على المجلس الاقتصادي الأعلى عمل دراسة تحليلية شاملة لموارد ونفقات الدولة وذلك لكون معالجة عجز الموازنة لا تقتصر على تنمية الموارد فحسب، بل ترتكز اساسًا على ترشيد النفقات العامة، فمهما كانت هناك زيادة في الموارد في ظل استمرار الفساد في الانفاق فان العجز لامحالة في تفاقم مستمر، ومن أبرز البدائل التي كان يجب على المجلس الاقتصادي اتخاذها دون تحميل الشعب أي أعباء مالية وبنفس الوقت الحصول على أثر مالي كبير نذكر منها:

  1. إعادة تصدير النفط الخام والغاز الذي تتجاوز أهميته النسبية من الإيرادات العامة 68%، ومراجعة الفساد في العقود التي تمت مع الشركات.
  2. دراسة أوضاع الوحدات الاقتصادية ورفع كفاءة انتاجها، وزيادة نسبة حصة الحكومة من فائض أرباح نشاطها، أو بطريقه أخرى اعتماد هذه الحصة كنسبة من إيرادات هذه الجهات، كونها تعمل على تبديد هذه الموارد في نفقات جاري لتظهر قوائم دخلها في عجز دائم.
  3. مراجعة العقود التي ابرمتها مصلحتها الجمارك مع بعض نوادي السيارات في عقود مشبوهة والذي تفوق فيها نسبة هذه النوادي 75% من رسوم التربتك، وهي نسبة كبيرة جدا مقارنة خاصة مع ابرام الحكومة لاتفاقية مع الجانب السعودي تلزم المغترب اليمني وغيره بعد الدخول الى أراضيها مره أخرى إلى بإعادة المركبة.
  4.  السماح بدخول بعض السجائر الممنوعة مؤقتًا بطريقة رسمية وفرض جمارك عليها لكونه تدخل عن الطريق التهريب وتغطي نسبة كبيرة من الطلب المحلي.
  5.  تحصيل مديونية الرسوم القنصلية من السفارات، ومعالجة مشكلة الطوابع(الدمغة) القائمة في الوقت الحالي على وجه السرعة. 
  6. إلزام كافة المحافظات والمديريات المحررة والوزرات والهيئات والمصالح الحكومية بإغلاق أي حسابات خارج البنك المركزي وتوريد عائداتها إلى المقر الرئيس للبنك المركزي في العاصمة عدن.
  7.  رفع كفاءة تحصيل الموارد الضريبية الأخرى وأتمتة كافة عمليات تقدير وتحصيل الضرائب.
  8.  الضغط على السلطات المحلية وبعض الوحدات الأخرى للعمل على تحصيل كافة إيراداتها، والعمل على تفعيل دور الأجهزة الرقابية والقضائية.
  9. سرعة نقل المراكز الرئيسة لشركات الاتصالات وبقية الوحدات والأجهزة والبنوك العامة الذي لم يتم نقلها إلى العاصمة عدن حتى اللحظة.
  10. تحديث النظام المالي والعمل على البحث عن منح نقدية وعينية لتمويل عجز الموازنة وبناء مشاريع استراتيجية وليس نمطية.

وذلك بالتزامن مع ما يلي:

  • إعادة هيكلة الحكومة بتقليص الوزارات إلى الحد الأدنى بما يتناسب مع ظروف المرحلة الحالية، وذلك بتفعيل قرار القرار الجمهوري رقم(250) لسنة 1997م بشأن تشكيل المجلس الأعلى للخدمة المدنية والإصلاح الإداري وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم(3) لسنة 1998م بشأن لائحته الداخلية.
  • وقف صرف مرتبات المسؤولين والعاملين في السلك الحكومي بالعملة الأجنبية، وتحديد مرتباتهم وفقًا لهيكل الأجور المعتمد.
  • إيقاف صرف مرتبات النازحين والقابعين في الخارج منذ سنوات.
  • مكافحة ظاهرة الموظفين المزدوجين والوهميين وتنقية كشوفات الراتب من كافة الاختلالات بما فيها البدلات الغير القانونية.
  • سرعة تقليص أعداد السفارات والموظفين في السلك الدبلوماسي بشكل كبير، وكذلك تنزيل غير المستحقين من كشوفات المساعدات المالية للمبتعثين وإيقاف عملية الابتعاث للخارج لمدة خمس سنوات قادمة.
  • معالجة وتقنين اعتمادات وقود الكهرباء عن طريق متابعة المانحين في إنشاء مشاريع استراتيجية للكهرباء والمياه وبوقود أقل كلفة، والمساهمة فيها وذلك بهدف إيقاف هدر ملايين الدولارات يوميا.
  • مراجعة كافة أوجه الدعم المركزي الجاري للوحدات الأخرى وبعض وحدات السلطة المحلية.