ضم حركات مسلحة..
رئيس المخابرات المصرية يجري محادثات مع أطراف الأزمة السودانية
تبدو زيارة رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل إلى السودان للوهلة الأولى أنها أمنية محضة، إلا أن لقاءه بعدد من القوى المدنية الموقعة على اتفاق التسوية في الخرطوم يظهر طابعها السياسي ويكشف انزعاج القاهرة مما يحدث على حدودها.

عباس كامل يلتقي في الخرطوم بالقوى المدنية بعد لقائه بقادة الجيش.
يرتفع صوت البعض من السودانيين بالشكوى من القاهرة كلما رأوا أو سمعوا عن زيارة قام بها رئيس المخابرات العامة في مصر اللواء عباس كامل للخرطوم أو أي مسؤول عسكري كبير.
ويستعيد الكثير من هؤلاء مخاوفهم من أن القاهرة تصر على التعامل مع بلدهم كملف أمني وليس ملفا سياسيا، على الرغم من رحيل نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي مثل إزعاجا أمنيا كبيرا للنظام المصري.
وتجددت الهواجس مع الكشف عن زيارة رسمية جديدة ومعلنة الاثنين قام بها رئيس المخابرات المصرية التقى خلالها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، بحضور الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مدير جهاز المخابرات العامة في السودان.
ونقل اللواء عباس رسالة شفهية إلى الفريق أول البرهان من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تتصل بالعلاقات الثنائية “وسبل دعمها وتطويرها وترقية التعاون المشترك بين البلدين في كافة المجالات”، من دون الإشارة إلى قضية محددة، وبما يوحي أنها ذات طابع روتيني.
لكن زيارة رئيس المخابرات المصرية حوت جديدا نوعيا هذه المرة، حيث لم تقتصر على لقاء كبار المسؤولين في الجيش السوداني وما تتسم به هذه الاجتماعات من مناقشات ذات طابع عسكري، وشملت لقاءات مع قوى مدنية عديدة.
ونقل موقع “سودان تربيون” عن قيادي في قوى الحرية والتغيير تأكيده أن ممثلين للائتلاف عقدوا اجتماعا مع رئيس المخابرات المصرية في فندق “كورنثيا” تناول العملية السياسية وكيفية إنهاء الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021.
وشارك في الاجتماع من تحالف قوى الحرية والتغيير بابكر فيصل، ومريم الصادق المهدي، وعمر الدقير، وكمال إسماعيل، وبثينة دينار.
وبدت مهمة اللواء كامل في الخرطوم مزدوجة هذه المرة، وذات طابع أمني وسياسي، لتبديد الشكوك حيال اقتصار غالبية زياراته السابقة على كبار المسؤولين في الجيش السوداني، وهي محاولة من جانب القاهرة لتأكيد أنها منفتحة على المكونين العسكري والمدني، ولا تناصر طرفا على حساب آخر.
زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل إلى السودان تؤكد أن القاهرة منزعجة كثيرا مما يجري في الخرطوم
وأخذت القيادة المصرية تراعي في الآونة الأخيرة حساسيات البعض من السودانيين تجاه علاقتها بالمؤسسة العسكرية في بلدهم، وتسعى إلى تخفيف الالتصاق بها، بما يفسر على أنه دعم مباشر لقيادة الجيش في السودان، والتي تتعرض لانتقادات كبيرة من قوى مدنية عديدة تعمل على إقصائها عن السلطة تماما.
ويقول مراقبون إن الأهمية الأمنية التي تنطوي عليها الزيارة كبيرة، وإن حاولت التدثر بأهداف سياسية، حيث جاءت بعد وقت قصير من تصاعد حدة الموقف في شرق السودان، وتلويح بعض القيادات القبلية في الإقليم بخيار تقرير المصير في ظل انسداد أفق الحوار السياسي مع القيادة المركزية في الخرطوم، ما يمثل إزعاجا لمصر، حيث يقع هذا الإقليم على حدودها الجنوبية.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن هذا التلويح يعد تهديدا كبيرا لمصر، ومن الضروري معالجة الأزمة قبل تفاقمها وتحولها إلى أمر واقع يصعب إيجاد حلول مناسبة لها، مع اتساع رقعة السودان الجغرافية وزيادة حدة التجاذبات في أطرافه، واستمرار الأزمة السياسية بين المكونين العسكري والمدني، على الرغم من توقيع اتفاق إطاري بينهما في الخامس من ديسمبر الماضي، لم يتضح بعد الوقت الذي يستغرقه التوقيع عليه بصورة نهائية.
وقام وفد يمثل قوى مدنية في مصر بزيارة العام الماضي للسودان وأجرى لقاءات مع أحزاب مختلفة كنواة لتأسيس علاقات متوازنة بين الجانبين، يمكن أن تخرج الصورة النمطية المأخوذة عن القاهرة في الخرطوم من حيزها الأمني إلى السياسي، غير أن الخطوة لم تعقبها تحركات أخرى تبدد الهواجس التقليدية بشأن أولوية الأمني على السياسي في الحسابات المصرية.
وتعد هذه واحدة من التعقيدات التي تقف حجر عثرة في سبيل تقدم العلاقات بين القاهرة والخرطوم، حيث يرى سودانيون أن سقوط نظام البشير أسقط معه الورقة الأمنية بلا رجعة، ومن الواجب أن تأخذ العلاقات بين الجانبين بعدها السياسي الحيوي، والتأكيد على أن هناك مرحلة جديدة من العلاقات يمكن تطويرها، بما يخدم مصالح البلدين الإستراتيجية، والتي تتعرض لتهديدات مشتركة في ملف مياه النيل.
وتنفي دوائر مصرية وجود تنافر بين الشقين الأمني والسياسي، خاصة أن السودان لا يزال يواجه تحديات أمنية عصيبة، وسقوط نظام البشير لم ينه الإشكاليات السابقة، حيث يتحكم فلوله في بعض مفاصل الدولة، وتنشط الحركة الإسلامية والأحزاب التي تشاركت السلطة إبان حكم البشيرفي الشارع السوداني للدرجة التي جعلت قوى مدنية سودانية تخشى من ردة سياسية تعيد فلول البشير إلى السلطة مرة أخرى.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن الحديث المتكرر عن العقدة الأمنية يأخذ طابعا شعبويا وتقف خلفه عناصر محسوبة على نظام البشير لزرع فتنة بين الخرطوم والقاهرة تحول دون تطوير العلاقات بينهما وتمنع فتح آفاق جيدة للتعاون في قضايا تخص مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع المتشددين في السودان، وزيادة وتيرة التنسيق في التعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وأوضحت المصادر ذاتها أن زيارة رئيس المخابرات المصرية تؤكد أن القاهرة منزعجة مما يجري في السودان، وأن استمرار أزمته السياسية يمكن أن يصطحب معه مخاوف بشأن الأمن والاستقرار في ربوعه، بما يهدد وحدته الإقليمية التي تمثل أهمية إستراتيجية لمصر، وهو ما يتطلب التعاون مع المكون العسكري وتنسيق المواقف مع المكون المدني ومده بالمعلومات اللازمة لمعرفة أبعاد المشهد.
وتؤكد هذه المعطيات أن السودان سوف يظل التعامل معه كملف أمني بلا تقليل من المكونات السياسية، لأن الجانبين على علاقة وثيقة ويصعب الفصل بينهما في ظل التعقيدات التي يمر بها السودان.
وتظل أزمة شرق السودان واحدة من أكبر تحديات المرحلة الانتقالية، على الرغم أن الأزمة تعد من التركات الموروثة من قبل الأنظمة السابقة، إلا أنها أطلت بعد سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وتطورت بشكل كبير عقب إغلاق مجموعات قبلية للإقليم المطل على البحر الأحمر، ما أوقف حركة الموانئ الرئيسية في البلاد، فيما يلوح قادة أهليون بالحرب حال عدم إشراكهم في أي عملية من شأنها مناقشة قضية الإقليم.
فبالإضافة إلى النزاعات القبلية التي نشبت في شرق السودان أخيراً، كان إغلاق الإقليم لما يقارب الشهرين من قبل المجلس الأعلى لنظارات البجا، أحد العوامل التي قادت إلى إجهاض عملية الانتقال، بعد أن أخفقت الحكومة الانتقالية السابقة برئاسة عبدالله حمدوك في إيجاد المعالجة اللازمة للإقليم، عقب رفض مكونات محلية لاتفاقية مسار الشرق التي وُقعت ضمن اتفاق جوبا لسلام السودان.
وتعد قضية شرق السودان واحدة من ضمن خمس قضايا أرجئ بحثها في الاتفاق الإطاري الذي وقع بين المكون العسكري ومكونات مدنية في الخامس من ديسمبر الماضي، ومن المنتظر مناقشتها مع أصحاب المصلحة وتضمينها في الاتفاق النهائي المرتقب، إذ أكدت الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري الالتزام بحل أزمة الشرق، من خلال وضع الترتيبات المناسبة لاستقرار الإقليم، بما يحقق السلام العادل والمشاركة في السلطة، والثروة والتنمية ضمن الحقوق الدستورية لمواطني الإقليم ومشاركة جميع أصحاب المصلحة في شرق السودان ضمن العملية السياسية الجارية.
غير أن انعدام التواصل بعد مرور حوالي شهر من التوقيع على الاتفاق الإطاري فيما بين الموقعين ومكونات فاعلة في الإقليم، ينذر بارتفاع حدة التوتر دون معالجة الأزمة، وهذا ما ظهر من خلال تصريحات رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا محمد الأمين ترك التي هدد فيها بإعلان الحرب في شرق السودان حال رفضت السلطات السودانية منح المنطقة منبراً تفاوضياً منفصلاً لتقرير مصير الإقليم.
وكشف عضو مجلس السيادة السوداني، رئيس حركة جيش تحرير السودان – المجلس الانتقالي، الهادي ادريس عن اجتماع موسع لأطراف الاتفاق الإطاري، غداً الخميس، بالخرطوم.
ووقع القادة العسكريين وقوى مؤيدة للديمقراطية، ديسمبر الماضي، على إطار اتفاق يمهد لإنهاء الأزمة السياسية التي خلفها الانقلاب العسكري.
وقال إدريس في تصريحات بمطار الخرطوم، أعقبت وصوله من إقليم دارفور، الأربعاء، إن الاجتماع المزمع يهدف إلى وضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة، تتضمن عقد ورش القضايا العالقة، وجدولة اللقاءات بين الأطراف الموقعة.
وأرجأ الإطاري مناقشة 5 قضايا رئيسة إلى المرحلة النهائية الممهدة لتكوين حكومة مدنية تقود السلطة بالبلاد.
ومقرر أن تجري مشاورات واسعة قبيل إبرام الاتفاق النهائي حول قضايا الإصلاح الأمني والعسكري، والعدالة الانتقالية، واتفاق السلام، وتفكيك نظام 30 يونيو 1989، علاوة على الوضع شرقيِّ البلاد.
وعن مبادرة جديدة تقودها القاهرة للم الفرقاء السودانيين، أعرب إدريس عن ترحيبهم بأي مبادرة تساهم في حل الأزمة السياسية، لكنه عاد وشدد على التزامهم التام بالاتفاق الإطاري، مبيناً وجود تحركات جارية لإلحاق الممانعين بالاتفاق.
وتعارض الاتفاق ضمن قوى الحرية والتغيير مجموعة الكتلة الديمقراطية، وقوى التغيير الجذري بقيادة الحزب الشيوعي، وحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل عقب انسلاخه من تحالف الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي، بجانب عدد من لجان المقاومة.
وأعلنت قوى الحرية والتغيير بالسودان، الثلاثاء، الوصول إلى تفاهمات مع قيادات كانت رافضة التوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري وقوى مدنية في خطوة تهدف لجمع اكبر تأييد ممكن للاتفاق من قبل الكتلة الديمقراطية التي تضم قيادات لحركات مسلحة ثورية.
وقال قيادي بقوى الحرية والتغيير ، طالبا عدم نشر اسمه "وصلنا إلى تفاهمات سياسية مع قيادات في الكتلة الديمقراطية وهما جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، ومني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان".
وأضاف أن "هذه التفاهمات تمهد للتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، لكنها لم تصل إلى مرحلة توقيع إعلان سياسي جديد"، دون مزيد من التفاصيل.
والجمعة الماضية وعقدت الآلية الثلاثية المؤلفة من بعثة الأمم المتحدة في السودان "يونيتامس" والاتحاد الأفريقي ومنظمة الايغاد اجتماعا هو الأول من نوعه مع الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية الرافضة للاتفاق الإطاري لإقناعها بتأييد الاتفاق والانضمام اليه.
ونقل موقع "سودان تربيون" حينها عن مصادر بقوى الحرية والتغيير قولها إنها أبلغت الآلية الثلاثية برغبتها في الاطلاع على وثائق الاتفاق الإطاري ومشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته لجنة تسيير نقابة المحامين.
وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي وقع المكون العسكري "اتفاقا إطاريا" مع المدنيين بقيادة قوى إعلان الحرية والتغيير، وقوى سياسية أخرى (الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، المؤتمر الشعبي) ومنظمات مجتمع مدني، وحركات مسلحة تنضوي تحت لواء الجبهة الثورية لبدء مرحلة انتقالية تستمر عامين.
وغاب عن توقيع الاتفاق الإطاري قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) التي تضم حركات مسلحة بقيادة جبريل إبراهيم، ومني أركو مناوي، وقوى سياسية مدنية أخرى، بالإضافة إلى الحزب الشيوعي، ولجان المقاومة (نشطاء)، وتجمع المهنيين السودانيين.
والاتفاق الإطاري شاركت في مشاوراته الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد")، والرباعية المكونة من (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات).
ويهدف الاتفاق إلى حل الأزمة السودانية الممتدة منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 حين فرض رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين واعتقال وزراء وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ وإقالة الولاة (المحافظين).
وقبل إجراءات البرهان الاستثنائية بدأت بالسودان في 21 أغسطس/آب 2019 مرحلة انتقالية كان مقررا أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024 ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاق سلام جوبا عام 2020
ورغم النجاحات لمحققة باعلان الاتفاق الاطاري لكن مراقبين يرون انه من المبكر إعلان نجاحه مع عدم ضمه قوى سياسية فاعلة في المسهد السوداني وقادرة على تحريك الشارع وفي خضم صراعات قبلية في دارفور.
وكانت القوى المدنية رفضت في السابق إغراق العملية السياسية بمن وصفتهم بـ"قوى غير حقيقية".