"اليوم الثامن" تستعرض جزء من العلاقات التأريخية..

ماذا تريد السعودية من الجنوب... وماذا يريد شعب الجنوب منها (قراءة فاحصة)

"إن القارئ في تاريخ العلاقات السياسية بين العربية السعودية ودولة الجنوب العربي منذ مطلع القرن العشرين حد اللحظة الراهنة يرى أن الجنوب كان خير جار لجيرانه ومصدر أمن واستقراره لمقدساته وعروبته" المحرر

سفير السعودية لدى اليمن محمد ال جابر يعتبر المحرك الرئيس للسياسة السعودية في الجنوب المحرر - أرشيف

د. صبري عفيف
رئيس تحرير مجلة بريم، وهي مجلة سياسية اقتصادية أمنية تهتم بدراسة قضايا الدول المشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن، تصدر عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات في اليمن
عدن

 إن المعطيات التاريخية والمحددات الداخلية والخارجية بين البلدين، فالعربية السعودية تتحدد علاقتها الخارجية مع دول الجوار تبنى من منطلق أمنها القومي، مركزة سياستها على التهديدات والمخاطر التي قد تهددها، لاسيما من بلادي (الشام واليمن)؛ لكونهما البلدين اللذين يشكلان تهديدها مصيريا لوجودها فمتى ما صارت تلك الجهتين بيدي الغير صارت المملكة معرضة للانكسار وهذا ما تبينه كثير من الأحداث التاريخية القديمة والوسيطة والمعاصرة.

ولم تكن الأحداث التاريخية لوحدها من تشير لذلك، بل أن دلالة المكان في النص القرآني تشير إلى كثير من تلك المدلولات، فمدلول سورة (قريش) وارتباطها بمدلولات الزمان والمكان توحي بعمق المعنى المجسد لدلالة الامن القومي العربي المتجسد العمق الاستراتيجي لتلك الأماكن المتجسدة في ثنايا النص القرآني. ففي قوله تعالى: " لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4).

ومن خلال دلالة المكان في النص القرآني يتجلى لنا المكان الموقع الاستراتيجي للأمة العربية والمتمحورة في ثلاث شعب (الشام ومصر وبلاد الأحقاف وسباء) وهذه البوابات الثلاثة هي من تتحكم في خرائط العالم وتحدد اتجاهاتها، ومن هنا فقد عملت الروم وحلفائها على تمزيق تلك المثلثات في سبيل التحكم بمصائر الأمة العربية والإسلامية، بالإضافة لسعيهم الدؤوب في تمزيق العمق الاستراتيجي الأخر والمتمثل في بلاد الحبشة التي تعد استقرارها من أبرز العوامل المساعدة في نهضة الحضارة العربية والتي دائما ما كانت حلقة مكملة للأمن القومي العربي. 

 قد يبدو أني ذهبت بك بعيدا عن مضمون الحديث أعلاه، لكنها استدعتني الضرورة لذلك، فحينما استنهضت العربية السعودية بحلفها العربي في مطلع عام 2015م بغرض حماية أمنها القومي أولا وحماية محيطها العربي ثانيا، لم يكن عبثيا بل انطلق من تلك الاستراتيجية التي تحدثنا عليها في مطلع المقال، فعندما شاهدت الشام (سوريا – لبنان- فلسطين) سقط بيدي الفرس وكادت الحركة الحوثية الاخوانية أن يستكمل الحلقة في اليمن فتصبح تلك المنطقتين الاستراتيجيتين خارج المحيط العربي حينها تحل الكارثة. 

وفي سبيل تتبع الحركة التاريخية خلال (100) عاما مضت لاسيما الأحداث التاريخية التي رافقت دول شبه الجزيرة العربية التي تعد محور الارتكاز في الوطن العربي، كاشفين عن مكامن القوة والضعف محددين الخطر الذي قد يشكل مؤشرا يهدد الامن القومي العربي. 

إن القارئ في تاريخ العلاقات السياسية بين العربية السعودية ودولة الجنوب العربي منذ مطلع القرن العشرين حد اللحظة الراهنة يرى أن الجنوب كان خير جار لجيرانه ومصدر أمن واستقراره لمقدساته وعروبته، فعلى مدى قرن من الزمن لم يسجل التاريخ صراعًا عسكريًا مع العربية السعودية، غير معركة خاطفة استمرت 7 أيام والتي حصلت بعد استقلال الجنوب بسنة وست أشهر وبالتحديد عام 69م في منطقة الوديعة في الحدود الدولية مع المملكة العربية السعودية، وبعدها ساس ذلك الخلاف، وديا احتراما لحق الجوار وحفاظا لأمن الأمة العربية. 

وعلى هذا النهج سارت قيادات شعبنا في الجنوب منذ سبعينات القرن الماضي حتى اللحظة، فلم يكن الجنوب ذات يوما مصدر قلقا لدول الجوار لاسيما المملكة العربية السعودية، بل على العكس كانت الحدود العربية السعودية مع دولة الجنوب أكثر أمانا واستقرارا في المنطقة، فتم تأمين الحدود تأمينا كليا، وصارت محاربة وتهريب السلاح والمخدرات والحشيش والتهريب والمتاجرة بالأعضاء البشرية من الأوليات الأمنية لدولة الجنوب، بل ان المياه الإقليمية والملاحة الدولية كانت أكثر استقرارا وأمنان فلم تكن هناك أي قرصة او عرقلة للملاحة الدولية. 

بينما العلاقات السياسية بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية، فقد كانت أكثر تدهورا وصراعات شبه دائمة حيث خاضت اليمن عدد من الحروب مع السعودية ابتدأت في عام 1921م مرورا بحادثة " تنومة" ومعركة الأدارسة وتهامة التي تكللت بمعاهدة الطائف التي حددت ملامح الخلاف واضعة التعهدات في سبيل تحقيق الامن والاستقرار للبلدين وحددت تلك المعاهدة الحدود اليمنية الشمالية ولم يكن الجنوبي العربي جزءا منها، وفي عام 58م انضمت اليمن للوحدة العربية المصرية السورية بنكاية بالمملكة العربية السعودية وقد توج ذلك الصراع بمحاولة اغتيال الملك عبد العزيز أثناء طوافه للكعبة.

وفي الستينات والسبعينات اشتدت الصراعات بين البلدين واستمرت الحرب 8 سنوات وتوسعت تلك الصراعات إلى الحدود من جبل تار حتى الربع الخالي. واستمرت تلك الصراعات والمواجهات العسكرية في مناطق الحدود شمال مدينة صعدة وتوغلت القوات السعودية 30 كم وفي عام 84م وقعت مواجهات حدودية بين المملكة واليمن مما أدى الى قيام الطائرات السعودية بقصف عدد من المواقع سقط خلالها عدد من جنود الطرفين. 

وفي عام 87م اندلعت مواجهة حدودية وتم قتل حوالي 500 جنديا من الطرفين. وفي عام 91م استمرت التوترات بين البلدين نتيجة وقوف نظام صنعاء مع العدوان العراقي ضد الكويت،  وكان النتيجة خروج اكثر من مليون مغترب يمني، وتطورت التوتر في العلاقات وامتدت الى الحدود وقضية ترسيمها وظل التوتر بين البلدين حتى بلغ ذروته في أواخر 94م عندما حصل صدام مسلح بين الجانبين لا سيما انتهاء تجديد معاهدة الطائف ولم تعد الامور لطبيعتها إلا بعد تدخل سوريا،  وما يلفت الانتباه هنا هو أن اليمن هو المبادر والدعوة لحل قضية الحدود بين الطرفين هذه المرة بخلاف ما كان عليه قبل الوحدة وتلك هي البيعة التي لم تتكشف بعد! 

وفي عام 95 حصلت توترات عسكرية في منطقة الخراخير الجنوبية وفي العام نفسه وقعت اشتباكات بين حرس حدود البلدين بالقرب من نقطة الحدود السعودية العمانية اليمنية المشتركة، واستمرت تلك الاشتباكات المتقطعة في الاعوام المتاليية 96 و97 و98 لاسيما في، جزيرة الدويمة المقابلة لنقطة راس المعوج، وفي عام 2000م تم التوقيع على الحدود اليمنية السعودية التي نصت عليها معاهدة الطائف. 

رغم كل ذلك استمر الملف الأمني بين اليمن والسعودية ففي عام 2004م اثارت عملية الجدار العازل توتر ا جديدا وخطيرا بين البلدين الذي تجيز المملكة القيام بذلك حفاظا على أمنها من التهريب والسرقة والتسلل الذي يؤرق المملكة. 

وفي عام 2009 صعدت الحركة الحوثية في حربها السادسة وكان أراضي السعودية تحت نيرانها، وقد شنت الحركة الحوثية عدة هجمات على النقاط الحدودية للمملكة وتم قتل جنديين وجرح 12 جنديا، اخرين وفي 2010 سيطرت الحركة الحوثية على جبل الدخان الذي يقع في منطقة الخوبة السعودية، ومن سيطر الحوثيين على 46 منطقة سعودية، وفي ضوء ذلك تم إيقاف إطلاق النار من الجانب السعودي، مما جعل الحوثي ينسحب منها. 

وفي عام 2011م استشعرت المملكة بالخطر القادم من اليمن فسعت إلى المبادرة الخليجية التي ظنت انها المخرج الوحيد لتأمين أمنها القومي والعربي من تلك التيارات الدينية الايدلوجية الحوثية والاخوانية لكنها اضاعت البوصلة فكانت الكارثة تجلت تلك التحالفات العسكرية والقبلية والدينية لتظهر ولاءها وتبعيتها، لأجندة خارجية،  فسقط صنعاء سقوطا مدويا، فلم يكن أمامها إلا إعلان الحرب ففي 26 مارس شنت السعودية حربا شاملة وأدخلت اليمن تحت البند السابع، وكانت عاصفة الحزم بقيادة السعودية وعشر دول عربية وحظيت بدعم لوجستي من قبل الدول الكبرى لاسيما امريكا وبريطانيا وفرنسا. 

وها قد مر 8 أعوام منذ انطلاق الحرب مازالت قائمة حد اللحظة، ولم تزال أهداف تلك الحرب غائبة من المشهد وما تجلى فيها هو الخيانات التي تمارسه القوى اليمنية بمختلف أنماطها، والامر الاكثر دهشة هو تطور التسليح للحركة الحوثية الذي تجاوز المحيط المحلي وأصبح يهدد دول الخليج مجتمعة.

ونظرا لما تم ذكره يتوجب تعزيز العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع قيادة المملكة العربية السعودية ومعرفة مصالح كل طرف والتفاوض والاتفاق على القواسم المشتركة؛ لكون موقف دول الخليج العربي موقفا متطورا ونوعيا في تحديد علاقاته بالجنوب العربي مما يمكن القيادة السياسية لشعب الجنوب تحقيق مزيدا من الانتصارات السياسية والعسكرية الرامية إلى تحقيق أهداف شعب الجنوب وذلك تحت مبدأ جلب المصالح وتجنب الضرر ويمكن تحديد تلك العلاقة من سؤالين هما:

  • ماذا تريد السعودية من الجنوب وشعبه؟
  • ماذا يريد شعب الجنوب من العربية السعودية؟

ويمكن تحديدها بأربع قضايا رئيسة هي:

  • الحفاظ على الأمن والاستقرار ومنع تهريب المخدرات والسلاح والهجرة غير مشروعة
  • مواجهة المد الصفوي والمتمثل في الحركة الحوثية
  • مكافحة التطرف والإرهاب
  • توسيع التبادل التجاري والاستثماري بين دول الخليج والجنوب العرب

ويمكن تحديد ما يريده الجنوب من دول الخليج في أربع قضايا رئيسة هي:

  • استمرار دعم العملية السياسية والعسكرية حتى تتحقق مطلب شعب الجنوب العربي
  • دعم العملية التنموية والخدمية في محافظات الجنوب العربي
  • استيعاب العمالة الجنوبية في دول الخليج العربي
  • المساعدات الحكومية التي تسهم في تخفيف من الفقر في الجنوب العربي.