أكاديمية الشارقة..

"الإمارات العربية المتحدة" وحكاية استكشاف الكون... ما سرّ الاهتمام بالفضاء؟

"تعمل الأكاديمية في الوقت الراهن على مشاريع عدة مستقبلية في مجال الفضاء، منها بناء قمر اصطناعي لدراسة الطقس".

نائب المدير العام لأكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك (SAASST)، الدكتور إلياس محمد فرنيني

أبوظبي

عام 2014 أنشأت الإمارات العربية المتحدة أول وكالة فضاء عربية، واستثمرت حوالى 5.4 مليارات دولار في هذا القطاع سعياً لوصول العرب إلى المريخ. ولكن قبل ذلك وتحديداً في العام 2006 أسست حكومة دبي مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة "إياست" بهدف دعم تأسيس قطاع الفضاء والتقنيات المتقدمة وتعزيز أبحاث الفضاء.

بدأ حلم الإمارات باستكشاف الفضاء في العام 1976 حين التقى حاكمها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مسؤولي رحلة "أبولو" التاريخية التي قامت بها وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" لاستكشاف القمر.

ومذ ذاك، توسعت يوماً بعد يوم طموحات الدولة الخليجية لسبر أغوار الكون واستكشاف المزيد من أسراره. وإلى جانب وكالة الإمارات للفضاء ومركزها أبوظبي، يوجد مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي. وأسست إمارة الشارقة،  عام 2015 أكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك.

نائب المدير العام لأكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك (SAASST)، الدكتور إلياس محمد فرنيني، يتحدث لصحيفة "النهار العربي" تحاول استكشاف سر اهتمام الامارات بالفضاء ومشاريع الأكاديمية وانجازاتها وطموحاتها.

وأكاديمية الشارقة هي واحدة من المؤسسات العلمية الرائدة في مجال البحوث والتعليم العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويتمثل أحد أهدافها الرئيسية في الإسهام في تطوير وتعزيز التعليم في مجال علم الفلك في العالم العربي ودولة الإمارات العربية المتحدة خصوصاً.

عموماً، تهدف الأكاديمية أيضاً إلى تطوير السياسات والاستراتيجيات والخطط لتقديم برامج تعليمية وتدريبية في علم الفلك وعلوم الفضاء والتكنولوجيا، وهي ملتزمة توفير أدوات التدريس والبحث والتوعية المجتمعية اللازمة وفقا لأعلى المعايير الدولية.

تتضم الأكاديمية وحدات عدة، لعل الأكثر تميزاً وحدة القبة الفلكية والمعارض العلمية التي تقدم للزوار لمحة عن الكون باستخدام أحدث التقنيات والمحاكاة الافتراضية للسماء وللكون بصفة عامة. وإضافة إلى ذلك، توفر هذه الوحدة تجربة عملية للزوار، وذلك من خلال المعارض المجهزة بالتجارب العلمية والأدوات التي تمكن الجمهور العام من فهم وتجربة بعض الظواهر الفلكية الشائعة والمهمة.

وإلى جانب "القبة الفلكية" توجد "وحدة الدراسات الفلكية"، وهي المسؤولة عن تنظيم الجانب الأكاديمي مثل برامج الماجستير في علوم الفلك والفضاء، وأيضاً "وحدة المراصد الفلكية" المسؤولة عن المرصد البصري والقمري لرصد الكواكب والنجوم والمجرّات والحطام القمري.

وتعمل الأكاديمية في الوقت الراهن على مشاريع عدة مستقبلية في مجال الفضاء، منها بناء قمر اصطناعي لدراسة الطقس.

وفي هذا الإطار يقول فرنيني: "تنوي الأكاديمية بناء قمر اصطناعي لدراسة الطقس الفضائي وقمر اصطناعي آخر لرصد كوكب الأرض من الفضاء بدقة عالية جداً، إضافة إلى توسعة شبكة الإمارات لرصد الشهب وذلك عن طريق توسعة النظام ليضم ثلاثة أبراج رصدية اضافية لتغطية سماء الإمارات بشكل كامل. وتنوي الأكاديمية أيضا إضافة 6 تلسكوبات راديوية إضافية لبناء منظومة راديوية تتسع إلى كيلومتر وذلك لتحسين دقة النظام الراديوي. وضمن المشاريع المستقبلية أيضاً، سيتم عما قريب إضافة ثلاثة مرافق علمية جديدة للأكاديمية مثل مركز البيانات، ومركز الدفع الصاروخي، ومركز استكشاف الروبوتات الفضائية".

على الرغم من أنّ معظم دول الخليج أصبح لديها اهتمامات بعلم الفضاء إلا أن الإمارات تبرز أكثر من جاراتها في هذا المجال، لا سيما بعد تمكنها في شباط (فبراير) 2021 من تسجيل انجاز تاريخي كونها خامس دولة في العالم تصل إلى مدار كوكب المريخ عبر مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل".

فلماذا هذا الإهتمام الإماراتي أكثر من أي دولة عربية أخرى؟ عن ذلك يجيب نائب المدير العام للأكاديمية أن "لدى معظم دول الخليج العربي وكالات فضائية محلية، ولكن دولة الإمارات العربية المتحدة تميزت عنها وباقي دول العالم في رؤيتها الفضائية الرصينة والواسعة، حيث نجحت وأصبحت من الدول الست التي استطاعت أن ترسل مركبة فضائية إلى كوكب المريخ عام 2021. وقبل تسجيل هذا الإنجاز، نجحت الإمارات في إرسال أول رائد فضائي إماراتي إلى المحطة الدولية في عام 2019 ضمن برنامج الإمارات لرواد الفضاء، إضافة إلى برامج فضائية أخرى مثل مهمة استكشاف القمر عن طريق العربة القمرية الآلية "راشد" والتي ستنطلق مهمتها في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2022، و مشروع الإمارات لاستكشاف كوكب الزهرة وحزام الكويكبات في عام 2028.

وبفضل النجاحات المسجلة والخطط المستقبلية، أصبحت دولة الإمارات دولة ذات ريادة في مجال استكشاف الفضاء تميزت بها عن كل دول العالم".

وتعمل الدولة على تخصيص ميزانيات ضخمة في قطاع الفضاء والفلك وتوظف من أجل ذلك كوادر شبابية لخدمة وتطوير هذا المجال. ووفق فرنيني فإن "تعليم النشء وبناء معرفتهم في علوم الفضاء هي الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها من قبل أي بلد يسعى إلى إنشاء وتأهيل قدرات شبابية جديدة قادرة على الاسهام في تحقيق إنجازات المستقبل في هذا المجال، وذلك عن طريق الالتحاق ببرامج علمية وتعليمية متخصصة. ولهذا السبب، بدأ العديد من الدول النامية في تشغيل مرافق مخصصة لعلوم الفضاء من أجل برامج البحث والتعليم".

 

مراكز أبحاث الفضاء

يضيف فرنيني "أن دولة الإمارات العربية المتحدة شهدت إنشاء العديد من مراكز أبحاث علوم الفضاء ومن بينها يمكننا أن نذكر أكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك (SAASST) في جامعة الشارقة، والمركز الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء (NSSTC) في جامعة الإمارات العربية المتحدة، ومركز علوم الفضاء (CSS) في جامعة نيويورك - أبوظبي، ومركز جامعة خليفة لابتكار تكنولوجيا الفضاء (KUSTIC) . وتعمل كل هذه المراكز الآن على تعزيز علوم وتكنولوجيا الفضاء على كل الأصعدة من خلال تدريس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فأصبح تدريس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) مصدر اهتمام أساسي لواضعي السياسات في مجال التعليم والمناهج الجامعية في سبيل تحسين وتطوير العلوم والتكنولوجيا لما له من تأثير كبير في القوى العاملة، والأمن القومي للبلدان، وسياسة الهجرة في كل أنحاء العالم".

وفي سؤال عن سعي بعض الدول لاكتشاف أسرار الكون، هل هو تمهيد او اقتناع بأن هناك أملاً فعلا للحياة على كواكب أخرى أو الأمر مجرد حشرية علمية؟ يجيب فرنيني "أن البحث عن الحياة في العوالم الأخرى هو مجرد مهمة واحدة من المهام العديدة لاستكشاف الفضاء، حيث بالنسبة إلى البعض، استكشاف الفضاء هو تجاوز كوكب الأرض وفهم العوالم الأخرى وتجاهل وجود حياة فيها أم لا، ولكن تبدو الاحتمالات أفضل قليلاً الآن بعد أن أكدنا وجود أكثر من 4000 كوكب خارج المجموعة الشمسية في مجرّتنا درب التبانة، وأن حوالى خمسها في نطاق حجم الأرض. ونحن نعلم أيضاً أن اللبنات الأساسية للحياة موجودة في كل أنحاء النظام الشمسي والكون، وهذا يشمل الماء، ولكن لا نعرف كيف تبدأ الحياة سواء كانت شائعة أو نادرة وكم من الوقت تستمر حتى تصل إلى مستوى الحياة الذكية".

يتساءل غير المهتمين أو أولئك الذين ليست لديهم فكرة عن علم الكون عن جدوى تلك الميزانيات الضخمة وتوظيفها في علم الفضاء بدلاً من تخصيصها لسكان الكوكب الأزرق؟

يقول فرنيني: "يجب توضيح أن أبحاث الفضاء ليست مكلفة كما يعتقد العامة من الناس حيث أن ميزانيات بحوث الفضاء في كل أنحاء العالم هو جزء متوازن من إجمالي موازنات الدول التي تدير وتنظم برامج استكشاف الفضاء. وأظهرت دراسات أن الناس يعتقدون أن وكالة الناسا تستهلك ما يصل إلى ربع الموازنة الفدرالية الأميركية، ولكن في الواقع، لا تمثل ميزانية الناسا سوى حوالى 0.5 في المئة من إجمالي الموازنة الفدرالية والرقم أصغر بالنسبة إلى الدول الأخرى التي لديها برامج فضائية مثل دولة الإمارات.

ويجب التأكيد، وفق فرنيني، أن الإنفاق على الفضاء يؤتي ثماره عاجلاً أو آجلاً، وما يجب معرفته هو أن الأموال التي تنفق على الفضاء تؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي، حيث يدعم الإنفاق على الفضاء الوظائف ذات المهارات العالية، ويغذي التقدم التكنولوجي بتطبيقات عملية، ويخلق فرصاً تجارية تغذي الاقتصاد، وهذا بدوره ينمي مجموعة الأموال العامة التي يمكن إنفاقها في حل المشاكل الأكثر إلحاحاً في العالم.