تعزيز نفوذ روسيا الجيوسياسي..

تقرير: ماهي آخر مستجدات اللقاح "سبوتنيك في" في مكافحة الوباء؟

كورونا

واشنطن

رغم أن البعض من المحللين يرون أن المواجهة المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين تركت روسيا على الهامش في عدة مجالات حيوية، فإن الكرملين يبدو مصرا على إعطاء انطباع بأن موسكو قوة يمكنها خوض كل المواجهات الممكنة مع الغرب من بوابة إنتاج لقاح فعال ضد فايروس كورونا، والذي سيجعلها تعزز نفوذها الجيوسياسي.

موسكو- نقلت روسيا جبهة معاركها إلى مكافحة الوباء ضمن حرب لقاحات بين القوى الكبرى بهدف ترسيخ وجودها على المسرح العالمي إلى جانب مبيعات الأسلحة وصادرات الطاقة، فقد أعطت جائحة كوفيد – 19 موسكو أداة أخرى لبسط النفوذ في الخارج على ما يبدو.

وعملت روسيا منذ شهور، مثل العديد من البلدان الأخرى في العالم، على عدة مشاريع لقاحات مضادة لوباء كوفيد – 19 وتم تطوير لقاح بالتعاون مع وزارة الدفاع، التي أشادت بتجارب سريرية على عسكريين قالت إنهم أظهروا بوضوح استجابة مناعية ظاهرة ضد فايروس كورونا المستجدّ من دون تسجيل أيّ عوارض جانبية أو غير معهودة.

وقوبل إعلان الرئيس فلاديمير بوتين في أغسطس الماضي بأن روسيا سجّلت أول لقاح ضد كورونا في العالم هو “سبوتنيك في”، بعلامات استفهام، فالعلماء في الداخل والخارج عبروا عن القلق إزاء عدم إتمام تجارب اللقاح على أعداد كبيرة من الناس، ومن عدم نشر معطيات مهمة بشأن اللقاح علنا.

ومع أن مطوري اللقاح أعلنوا أنه يتمتع بفعالية تفوق نسبة 95 في المئة، وفق بيانات أولية من المرحلة الثالثة للتجارب، لكن المعطيات الكاملة لم تنشر بعد لأن التجارب لا تزال مستمرة، غير أن محللين يقولون إن الخطوة في حد ذاتها لها اعتبارات جيوسياسية إضافة إلى الصحة العامة، ويهدف إلى التأكيد مجددا على الرسالة الضمنية لحكم بوتين المستمر منذ عقدين، وهي أن روسيا عادت.

وترى المحللة تاتيانا ستانوفايا مؤسسة مركز آر.بوليتيك للاستشارات السياسية في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية أنها وسيلة لبوتين كي يثبت أن روسيا قادرة على تطوير تكنولوجيا متطورة وأن تكون في مقدمة نخبة العالم السياسية، حيث يريد أن يثبت أن بلاده تقف في الخطوط الأمامية لهذه الجائحة بل أكثر نجاحا من دول متطورة.

وتعد الولايات المتحدة أول بلد يقوم بإنتاج لقاح ضد الوباء، وقد رأى الخبراء في الوكالة الأميركية للأغذية والعقاقير (أف.د.أي) في تقرير نشر الثلاثاء أن لقاح فايزر/ بايونتيك ضد كورونا، والذي تعد بريطانيا أول بلد غربي تستخدمه على نطاق واسع، لا يشكل أي خطر على السلامة يحول دون حصوله على ترخيص قد يصدر قبل نهاية الأسبوع الحالي.

وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، الذي سعى طيلة عقود لمنافسة الغرب في العلوم والتكنولوجيا دون جدوى بسبب تركيزه على التصنع العسكري، وجدت وريثته الجديدة روسيا نفسها من دون صناعة أدوية متطورة، ولكن الكرملين يحاول مذاك تخفيف اعتماد البلاد على مختبرات غربية من خلال برنامج استيراد بديل.

ووفق السفير الفرنسي السابق في موسكو جان دو غلينياستي، لقاح سبوتنيك هو “من اللقاحات الأوائل التي تم تطويرها في روسيا بعد الحقبة السوفييتية”، واصفا ذلك بأنه “محطة فخر قومي” بالنسبة لهم.

ويرى غلينياستي الذي يعمل حاليا كخبير في الشؤون الروسية لدى المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية (ايريس) أن ذلك “يرمز إلى عودة روسيا إلى ملاعب الكبار في ما يتعلق بالصيدلة”، مشيرا إلى أن روسيا ستسعى “لتحقيق الفائدة القصوى في ما يتعلق بالقوة الناعمة”.

والاسم المعطى للقاح يتحدث عن نفسه، فاسم “سبوتنيك في” تم اختياره نسبة لأول قمر اصطناعي في العالم أطلقه الاتحاد السوفييتي عام 1957، ويستعيد إنجازا روسيا كان بمثابة انتكاسة تاريخية لمنافسته في الحرب الباردة، الولايات المتحدة.

ومتجاهلة اتهامات بريطانية عن قراصنة مرتبطين بروسيا استهدفوا أبحاث اللقاح، قالت موسكو إنها منفتحة على تعاون مع دول الغرب واقترحت شراكة مع شركة استرازينيكا ومقرها المملكة المتحدة وجامعة أكسفورد اللتين قامتا بتطوير لقاح.

لكن حتى الآن لم يتطوع سوى حلفاء موسكو للانضمام إلى نشر اللقاح، وهذا يظهر مدى المعركة المحتدمة مع الغرب حول ذلك. فبينما أكدت كل من الهند وفنزويلا وبيلاروس أنها مستعدة للاشتراك في تجارب سريرية لمعرفة حدود نجاح لقاح “سبوتنيك في”، قالت حكومات أخرى صديقة للكرملين إنها طلبت مسبقا أكثر من مليار جرعة من اللقاح.

وفي نهاية الأمر، بحسب ستانوفايا، تبقى علامة استفهام حول ما إذا كان اللقاح فعالا أم لا، إذ يُنظر إلى روسيا باعتبارها تستخدمه وسيلة لتعزيز النفوذ الجيوسياسي. وحذرت الباحثة قائلة “لتحقق مكاسب جيوسياسية تحتاج أولا إلى منتج ناجح”.

وحتى وإن تمكنت روسيا من إثبات جدوى اللقاح تبقى المسائل اللوجستية لنقله في أماكن مختلفة من العالم أمرا صعبا للغاية وتحتاج موسكو لكي تستقطب حلفاء جددا أن تعمل على هذه النقطة، التي تشكل تحديا كبيرا.

وقد سارعت روسيا إلى نشر اللقاح وسط آمال بتجنب تدابير إغلاق جديدة من شأنها أن تلحق مزيدا من الضرر بالاقتصاد، وفيما أعادت دول أوروبية مؤخرا فرض قيود لاحتواء الفايروس، امتنعت موسكو عن ذلك، وعلقت آمالها عوضا عن ذلك على لقاح سريع.

قوبل إعلان الرئيس فلاديمير بوتين في أغسطس الماضي بأن روسيا سجّلت أول لقاح ضد كورونا في العالم هو “سبوتنيك في”، بعلامات استفهام

وفي وقت سابق هذا الشهر، أعلنت موسكو تلقي طلبات مسبقة لنحو 1.2 مليار جرعة من “سبوتنيك في” من أنحاء العالم غير أن السلطات أشارت إلى أن مليوني جرعة فقط سيتم إنتاجها في البلاد بنهاية العام الحالي، رقم أدنى بكثير مما يحتاج له قرابة 145 مليون روسي للحصول على جرعتين ضروريتين من اللقاح.

وأقر بوتين في أواخر أكتوبر الماضي بأن روسيا تواجه مشكلات في الإنتاج وقال إن موسكو “على استعداد للعمل مع شركائنا الأجانب”، وهو ما تحقق بعد فترة وجيزة حينما أكدت روسيا اتفاقية مع مجموعة هيتيرو الصيدلانية الهندية لإنتاج أكثر من 100 مليون جرعة سنويا.

وقالت المديرة المشاركة لمركز إيريس ناتالي إرنو، إن افتقار روسيا للقدرة الإنتاجية طريقة واضحة للتوصل إلى علاقات ذات منفعة متبادلة مع دول أخرى. فإذا شاركت روسيا تركيبة “سبوتنيك في” مع دول أخرى فإن ذلك من شأنه أن يزيد قدرتها الإنتاجية وفي نفس الوقت “سوف يستجيب لرغبة عدد من الدول للتوجه نحو الاستقلالية”.