طائرات الرحمة تنقل المرضى اليمنيين إلى القاهرة..
جرحى يمنيون: الشرعية تخلت عن علاجنا ودعم الإمارات خفف المعاناة

جسر الأمل ينقذ العشرات من اليمنيين

تحولت القاهرة إلى الملاذ لجرحى الحرب في اليمن بعد إعلان قيادة التحالف العربي انطلاق جسر الإخلاء الجوي المرعوف بـ «طائرات الرحمة» نقل عدد من الحالات العلاجية المستعصية إلى مصر والأردن لاستكمال العلاج، واللحاق بجرحى آخرين وصلوا لتلقي العلاج بمستشفيات في القاهرة، تكفلت بنفقات علاجهم دولة الإمارات العربية المتحدة.
يتطلّع عدد كبير من الجرحى والمرضى اليمنيين بأمل إلى رحلات “طائرات الرحمة”، التي ترحمهم من الاعتماد على اللجان الطبية التي تفتقر للخبرة والتخصص، وكانت سببا في تأخر علاج الكثير منهم، أو فقدانهم أجزاء من أجسادهم. وإلى جانب عمّان، تعتبر القاهرة من بين أبرز الوجهات التي يتوجه إليها اليمنيون للعلاج.
وكانت المستشفيات المصرية استقبلت عددا هاما من المرضى والجحى اليمنيين، في السنوات الماضية، ضمن مبادرات إنسانية إماراتية لمساعدة اليمنيين.
ويقابل اليمنيون الدور الإماراتي في بلادهم بإشادات كبيرة، فالأفواج التي تسيرها لعلاج المرضى والجرحى في الخارج تتلقي أفضل خدمة بالمستشفيات الشهيرة، وقوافل المساعدات العينية لا تنقطع، ويعترفون بصعوبة الوصول للجميع في ظل طبيعة اليمنيين الخاصة التي تجعلهم يرفضون لقب نازحين، فالمتضررون من الحرب يتنقلون باستمرار عند أقاربهم، ما يجعل وصول المساعدات لهم جميعا مستحيلا.
والتقت صحيفة العرب اللندنية بعدد من الجرحى والمرضى اليمنيين من بينهم فضل محمد، من تعز ويقيم مؤقتا في منطقة فيصل بالجيزة المتاخمة للقاهرة، والذي روى تفاصيل إصابته في انفجار لغم حوثي وفقدان ذراعه اليمنى بسبب الإهمال الطبي وتركه ينزف لساعات، بسبب عدم وجود جرّاح متخصص في توصيل الأوردة والأعصاب.
ويشكو غالبية المصابين من قصف الحوثيين العشوائي للأحياء السكنية والألغام التي يزرعونها على الطرقات، وتستهدف وسائل المواصلات والسيارات الخاصة التي تحمل أعدادا كبيرة، وآخرها مقتل 16 مدنيا وإصابة سبعة من أسرة واحدة، بينهم أطفال ونساء في انفجار لغمين مخصّصين للمدرعات.
كان أمام فضل، الذي يحاول بشتى الطرق ستر ذراعه المبتورة، خياران كلاهما صعب بعد وصول مستوى الهيموغلوبين بالدم إلى 6.5 بالمئة، فإما النزف حتى الموت أو البتر، فاختار الخيار الثاني، وينتظر في القاهرة منذ عدة أشهر من أجل تركيب طرف صناعي.
واقع يضج بالمعاناة
لا يختلف حال الشاب الأربعيني عن العشرات من المصابين الذين قدموا إلى القاهرة بعدما أجروا عمليات جراحية على أيدي لجان محلية كان خيار أطبائها الأول البتر، وأحيانا يُخضعون قرار العلاج واستمراره لمعايير تتعلق بالهوية الدينية أو الانتماء السياسي.
يمثل خطَّاب عبده، الذي أصيب خلال قتاله مع قوات الشرعية ضد الحوثيين في تعز بطلق مباشر في الفخذ، مثالا حيّا على ذلك، بعد تعرضه لبتر كامل على يد أطباء غير أكفاء، وظل تسعة أشهر في مدينته يعاني من تداعيات الإهمال في متابعة جروحه وتوفير العلاج اللازم.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن، هاجر غالبية الأطباء إلى الخارج، حتى باتت القاهرة وحدها تضم قرابة الألف طبيب، غالبيتهم من المسجلين في جامعتي القاهرة وعين شمس كطلاب ماجستير ودكتوراه، ويتطوعون لتوفير رعاية صحية لأبناء وطنهم عبر الهاتف أو الإنترنت تتعلق بطبيعة العمليات أو الأدوية والأماكن الجيدة والرخيصة التي توفرها.
وأكد يمنيون أنه في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لا يخضع للعلاج إلا مقاتلو وأنصار الحوثيين. والمستشفيات تمنح الأولوية للمقاتلين المصابين على حساب المدنيين الذين يصابون في حوادث انفجار الألغام أو المرضى الذين يصلون إلى حالات حرجة.ويقطع المريض رحلة مكوكية للسفر إلى القاهرة من أماكن تشهد نزاعات مسلحة من منطقة متاخمة لصنعاء حتى مطار عدن، تستمر 22 ساعة متواصلة، يخضع فيها لنحو 40 نقطة تفتيش متغيرة الانتماءات، ويكررها مجددا بمجرد عودته، فلا مجال للإقامة المستمرة في مصر أو الأردن، في ظل إقامة باقي الأسرة في الوطن الأم.
عدد اللاجئين اليمنيين في مصر يصل إلى نحو 280 ألف شخص، منهم 150 ألفا حصلوا على استشارة في مجال الصحة الأولية
يتوجه غالبية المرضى والمصابين اليمنيين إلى مصر عبر مطاري سيئون في حضرموت أو مطار عدن، اللذان يفتقران لأبسط الخدمات اللازمة، فالأخير لا يملك سوى طائرة يمنية واحدة فقط تتحرك من وإلى القاهرة، وأخرى تتبع الخطوط الجوية الجيبوتية وتقوم برحلتين أسبوعيا إلى أديس أبابا.
يرمق الشاب، الذي لم يتجاوز الثلاثين، الأعضاء التي تم زراعتها له في القاهرة قبل أسابيع، محاولا التأقلم معها وعليه الانتظار فترة أخرى للتأكد من نجاح العملية الجديدة، فالبتر الذي تم فوق الركبة، تطلب وضع مفصل صناعي يقوم بعمل الوضع الطبيعي ما يجعل التحرك صعبا.
وقال خطَّاب، إن “أزمات اليمن تطارده حتى بعد مجيئه إلى القاهرة، فالإهمال الصحي يمنع استجابته السريعة لجلسات العلاج الطبيعي، ووزارة المالية اليمنية توقفت عن أية تحويلات مالية له ولغيره من مصابي الحرب منذ قدومه إلى القاهرة قبل ثلاثة أشهر، ويتنقل باستمرار في الوحدات السكنية التي يؤجرها أبناء وطنه لتخفيض تكاليف المعيشة”.
وأسس عدد من الأطباء اليمنيين في مصر لجنة طبية لخدمة المرضى اليمنيين عبر عيادات مختلفة ليمنيين ومصريين على حد سواء، وتقوم بالتنسيق مع بعض المستشفيات ومراكز الأشعة والتحاليل التي تقدم تخفيضات كبيرة للعالقين تصل إلى 30 في المئة للعمليات الجراحية و50 في المئة من تكلفة عمليات زراعة الأعضاء.
و يمثل حي الدقي المكان المفضل لأبناء الجالية اليمنية للإقامة في فترة العلاج، لأسباب اقتصادية وتاريخية تعود إلى بداية توافد البعثات اليمنية خلال حكم الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر خلال الستينات، فالمنطقة قريبة من جامعة القاهرة، وتحتضن في الوقت ذاته السفارة اليمنية، ما يقلل عبء التنقل لتجديد الأوراق الرسمية أو تلقي المنح التعليمية.
الكل يعاني
وحّد الإهمال المعنوي والطبي اليمنيين الذين جاؤوا إلى القاهرة بعد الحرب. وعبر بعضهم عن غضبهم من موقف الحكومة. من هؤلاء صقر التعزي، الذي تحدث مع العرب اللندنية، وهو ممدّد على سرير في نهاية جلسة علاج طبيعي. وعبر عن غضبه بعد تركه لثلاث سنوات دون اهتمام حكومي، واضطراره لإنفاق مدخراته على العلاج بالقاهرة.
يعاني المقاتل السابق من شلل نصفي جراء طلق في الرأس خلال معارك صعدة، ورغم صعوبة تحركه جاء إلى القاهرة معتمدا على الموجودين من اليمنيين. وأوضح التعزي، "أن حلمه كان تحرير اليمن من “ميليشيات إيران، لكن الحكومة الشرعية تنصلت من أبنائها المصابين فلا تدعم علاجهم، وتركت أسرهم بلا رواتب منذ عدة أشهر، ولا أمل لهم حاليا إلا في دولتي الإمارات والسعودية، لإنقاذ المرضى والمصابين بالجسر الجوي الجديد لنقلهم سواء إلى مصر أو الأردن".
قال غسَّان البذيجي، طبيب العيون اليمني، "إن اللجان الطبية هي السبب الرئيسي لمعاناة اليمنيين بسبب تعاملها مع مستشفيات ومراكز علاجية بعينها لوجود مصالح مالية بينها، وتغلب الميول السياسية على النواحي الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وتلك التي تسيطر عليها جماعة الإخوان."
يشكو الكثير من اليمنيين من اللجنة الطبية في مأرب التي كانت سببًا في ضياع حياة العشرات بتشخيص طبي خاطئ أو وقف العلاج بصورة متعمدة أحيانا. وتمثل القصص التي يسردونها ملهاة ومأساة في الوقت ذاته، فبعضهم تعرض لعمليات بتر للقدم والأذرع، بواسطة طبيبات تخصّصهن الأساسي في مجال تجميل الصدر والأرداف.
واجه غَّسان، المقيم في الجيزة القريبة من القاهرة، عشرات الحالات من بني وطنه المصابين بشظايا في الأعين نتيجة المقذوفات المعدنية المخترقة والتي كان التعامل معها يتطلب الحذر وتحاشي فتح الجفون أو الضغط عليها، وبسبب غياب التخصص تعرض كثيرون لمضاعفات خطيرة، منها بروز محتويات العين أو فقدان البصر بشكل تام.
وفقا لبيانات المفوضية الدولية للاجئين، يصل عدد اللاجئين اليمنيين في مصر إلى نحو 280 ألف شخص، حصل منهم 150 ألفا على استشارة في مجال الصحة الأولية، ولا يشمل هذا العدد حالات جرحى الحرب التي لا تشملها المفوضية في الدعم المالي المحدود الذي توفره أو القادمين لتلقي العلاج على نفقاتهم الخاصة البالغ عددهم قرابة المليون.
وأشار أطباء يمنيون إلى أن أباطرة الدواء في اليمن لا يقلّون خطرا عن حاملي السلاح، فنقص الدواء المزمن خلق عصابات للتهريب خاصة بالنسبة للأمراض المزمنة، التي لاتراعي اشتراطات حفظه أو نقله في مبردات، وأصبحت العائلات تنتظر بفارغ الصبر عودة أبنائها من العلاج على أمل نجاحهم في تهريب بعض الأدوية. كما تسبب انقطاع الكهرباء المستمر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وظروف التخزين الخاطئة في مضاعفات خطيرة للمرضى.
وأوضح علي القادري، الذي قدم في رحلة علاج مع والده الذي يعاني من سرطان البروستاتا من أمام مركز متخصص في الأشعة بالدقي، "أن مرضى الأورام يعانون كثيرا في غياب مراكز العلاج الكيميائي، ومصر تمثل الملاذ بسبب انخفاض سعر عملتها ورخص أسعار الإيجار وحصول اليمنيين على غذاء مدعّم من مراكز بيعه مثل المصريين."
وشكّل عدد من رجال الأعمال اليمنيين بالقاهرة “لجنة العالقين” لرعاية المرضى والمصابين ماليا، لكن طول فترة الحرب وارتفاع عدد الضحايا جعلهم يسحبون تمويلهم باستمرار.