عمال وافدون يجبرون على العودة إلى بلدانهم دون الحصول على أجورهم..
خدعة "الإصلاحات" القطرية لأوضاع العمال تتكشف للمنظمات الدولية

حتى الذكريات السيئة تستحق أن تدوّن
المظهر الفاخر للمنشآت الرياضية الضخمة التي نهضت بسرعة على الأراضي القطرية، تخفي وراءها معاناة مئات الآلاف من العمّال الوافدين الذين شاركوا في بنائها، ويستعدّون اليوم للمغادرة إلى بلدانهم مع اقتراب موعد نهائيات كأس العالم 2022، وبعد سنوات من العمل الشاق والمضني في ظل نُظم وقوانين عمل سمحت، رغم التعديلات التجميليّة التي أدخلت عليها، باستغلالهم وانتهاك أدنى حقوقهم ومن ضمنها الحصول على أجورهم.
تتكشف للمنظمات والهيئات الدولية المهتمّة بحقوق الإنسان ملامح خدعة مارستها قطر لتجاوز ضغوط كبيرة سُلّطت عليها ومطالبات ملحّة توجّهت إليها بإدخال إصلاحات على نُظم العمل لديها بهدف تحسين أوضاع العمال الوافدين الذين قفزت أعدادهم خلال العشرية الجارية بشكل كبير مع فتح الورشات الضخمة لإقامة منشآت نهائيات كأس العالم في كرة القدم المقرّر إقامتها في قطر سنة 2022.
وتعرّضت قطر لانتقادات حادّة بسبب ما تصفه جماعات حقوقية بأنها أوضاع متردية يعيش فيها العمال. وردّت الدوحة بتنفيذ برنامج “إصلاحات شاملة” وضعت فيه حدا أدنى للأجور وشكّلت بمقتضاه لجانا لفض المنازعات لسماع شكاوى العمال.
وبعد أن شارفت تلك الأشغال الضخمة التي استُخدمت فيها مئات الآلاف من الأيدي العاملة المستقدمة من عدّة بلدان على الاكتمال، وبدأت الحاجة للعمالة الوافدة تتقلّص بفعل اكتمال عدد من المشاريع، تبيّنت المنظّمات والهيئات الحقوقية أن “إصلاحات” قطر الموعودة لسوق الشغل لم تكن سوى تعديلات سطحية وصورية من دون أثر فعلي وملموس على أوضاع العمال، سواء ما يتعلّق منها بظروف الإقامة والعمل، أو ما يتعلّق بالأجور والضمانات الاجتماعية.
وقال مسؤول من منظمة العفو الدولية إنّ الإصلاحات التي أعلنت قطر إدخالها على أوضاع نحو مليوني عامل أجنبي يعملون لديها، لا ترقى إلى الوعود التي قطعتها الدوحة على نفسها.
وتقول دوائر حقوقية إن قطر عمدت إلى لعبة ربح الوقت عبر إقرار إصلاحات بدت مقبولة شكليا، لكنّها لم تطبّق منها شيئا يذكر على أرض الواقع بينما كانت أشغال إقامة منشآت كأس العالم تتقدم بوتيرة سريعة.
وقال ستيفن كوكبرن نائب مدير قسم القضايا الدولية في منظمة العفو الدولية لوكالة رويترز “حدث تحسّن طفيف لكن بوجه عام، اكتشفنا أنه لم يحدث تقدم حقيقي وأن العمال يدفعون ثمن ذلك”.
وفي تقرير نشر الأسبوع الماضي، وثّقت المنظمة حالات نحو ألفي عامل لم يستعيدوا أجورا لم يتقاضوها رغم وجود لجنة لفض المنازعات وتشكيل صندوق لدفع أجورهم. وأجبر كثيرون على العودة إلى بلدانهم دون الحصول على تلك الأجور.
وقال كوكبرن “نعتقد أن جهات مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” وغيرها، بالإضافة إلى الاتحادات الوطنية لكرة القدم يمكن أن تلعب دورا في تسليط الضوء على هذه القضايا بالحديث عنها ومحاولة تشجيع السلطات القطرية والضغط عليها للقيام بما وعدت به”.
وقالت قطر في بيان ردا على تقرير منظمة العفو الدولية إنها تعمل لضمان أن تكون هذه الإصلاحات فعّالة وأن تصل إلى أكبر عدد ممكن من العمّال، وإنها ستتعامل بشكل واف مع أي قضايا أو تأخير في تطبيق النظام الجديد.
وعلى مدار السنوات الماضية تعدّدت التقارير الدولية بشأن انتهاكات خطيرة ومتنوعة يتعرّض لها العمّال الوافدون في قطر، ووصل سوء أوضاع هؤلاء العمّال حدّ تسجيل وفيات في صفوفهم جرّاء ظروف العمل القاسية وضعف إجراءات الأمان والسلامة في مواقع العمل. وكشف تحقيق سابق لمؤسسة “دي.أل.أي بايبر” أن قرابة الألف عامل من نيبال والهند وبنغلاديش توفوا أثناء عيشهم وعملهم في قطر.
وجعلت تلك العوامل قطر تحت مجهر الملاحظة الدولية وعرضة لتدقيق مكثف من قبل جمعيات حقوق الإنسان. وفي وقت سابق حذّرت منظمة العفو الدولية من أنّه على الرغم من “الإصلاحات الناشئة”، فإن الوقت ينفد أمام قطر للتخلص من الاستغلال الخطير والمنتشر على نطاق واسع بحق آلاف العمال المهاجرين وغالبيتهم من جنوب آسيا.
وكانت تقارير في هذا الإطار قد تحدثت عن أجور مستحقة لا تدفع واحتجاز جوازات سفر من قبل المشغّلين، وعمل بعض العمال نحو 148 يوما بشكل متواصل ودون إجازات.
كما كشفت التقارير أيضا أن الكثير من العمال أصيبوا في حوادث أثناء العمل، وبعضهم كانوا غير قادرين على مغادرة البلاد، لأن جوازات سفرهم ليست بحوزتهم، ولأنهم لا يتمتعون بتأمين صحي. كما أوضحت التقارير أن أعدادا ضخمة من العمال الوافدين يكدحون في الحر القائظ صيفا بأجور زهيدة.
وفي أبريل الماضي شهدت قطر احتجاجات نادرة من قبل عمّال غاضبين من تراكم مستحقاتهم المالية بسبب عدم حصولهم على مرتّباتهم لفترة وصلت إلى ستّة أشهر، تصدّت لها السلطات القطرية بعنف فتحوّلت إلى أعمال شغب نجمت عنها خسائر مادية، وفق ما أظهرته صور تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي في ظلّ التعتيم الإعلامي الكامل من مختلف وسائل الإعلام القطرية على تلك الأحداث.
وتراهن قطر بشكل واضح على قطاع الرياضة من خلال تنظيم تظاهرات كبرى وتمويل نواد في أوروبا لتتّخذ منها واجهة للتغطية على الصورة الحقيقية للبلد الذي جرّت عليه قيادته السياسية تهمة تمويل التشدّد والإرهاب واحتضان جماعاته، لكنّ تتالي الفضائح من قبيل انتهاكات حقوق العمّال، وتقديم رشى للحصول على امتياز تنظيم التظاهرات الرياضية جعلت قطر تواجه صعوبات في تحقيق أهدافها، بل تجني في كثير من الأحيان دعاية سلبية مضادّة.