قهوة بـ30 دولاراً وعرس بـ100 ألف..

كيف يعيش أثرياء غزة؟

ارشيفية

غزة

لم تعد التناقضات التي يعيشها السكان في قطاع غزة تقتصر على تفاصيل الفرح والحزن. ثمة أمورٌ أخرى طفت فيها فروق فاقعة خلال الفترة الماضية، كان أهمها توسع دائرة الأثرياء الذين شكّل بعضهم رأس التجارة والحكم في القطاع.

 

تشير التقارير الصادرة عن "مركز الإحصاء الفلسطيني" إلى أن نسبة البطالة قد وصلت في غزة خلال العام الماضي لحوالي 52% وفاقت معدلات الفقر الـ80%، لكن الأرقام هذه لا تعكس الصورة كاملة. ثمة في غزة من استثمر نفوذه في تحقيق ثروات ضخمة، وصار يمثل مع الوقت طبقة بورجوازية ساهمت في خلق فجوة مجتمعية واسعة أثرت كثيراً على طبيعة حياة الناس.

 

أنفاق التهريب... باب الثراء

تقول أم أحمد (54 عاماً) التي تسكن وعائلتها فيلا سكنية تتوسط قطعة أرض مساحتها 5 دونمات في محافظة رفح: "أحتاج يومياً للحصول على حاجات خاصة وأغذية تُباع في محال تجارية تقع في قلب مدينة غزة"، مبيّنة أنها تدفع للسائق الذي ينقل تلك الحاجات نحو 20 دولاراً أجراً له، في حين يتجاوز ثمنها الـ50 دولاراً في معظم الأوقات.

 

لأم أحمد ثلاثة شباب وفتاتان تراوح أعمارهم بين الـ18 والـ32 عاماً، أربعة منهم يمتلكون مركبات خاصة يُجددونها كلما دخلت غزة أنواع جديدة ومتطورة من السيارات، كما أنهم يسافرون لعدد من الدول العربية والأوروبية بين الوقت والآخر لأجل الترفيه.

حتى هذه اللحظة، ترفض السيدة فكرة ارتباط ابنتيها لأن الشبان المتقدمين لهما ينحدرون من طبقات اجتماعية "فقيرة ولا قدرة لديهم على تأمين متطلباتهما المعيشية"، على حد قولها.

 

"قبل عام 2005، كانت حالتنا الاقتصادية جيدة وزوجي كان تاجراً للمواد التموينية، لكننا لم نكن من الطبقة البرجوازية. وضعنا اختلف مذ بدأ العمل في الأنفاق التجارية بين قطاع غزة ومصر"، كما تشرح أم أحمد.

 

وتشير إلى أن زوجها كان من أوائل التجار في تهريب البضائع من خلال الأنفاق، فسيطر منذ البداية على تجارة أصناف متعددة من الأجهزة الإلكترونية والميكانيكية في السوق المحلية، حتى بلغ دخله اليومي 30 ألف دولار.

 

العمل الذي غابت عنه في البداية الرقابة الرسمية من قبل الحكومة التابعة لـ"حركة حماس"، وفقاً لكلام أم أحمد، شكّل للعائلة خلال مدة قليلة ثروة هائلة تكفيها لعيش حياة باذخة عشرات السنين.

 

وتستطرد في الحديث عن أسلوب حياة عائلتها: "بشكل دوري، وتحديداً كل ثلاث سنوات، نبّدل أثاث بيتنا بمبلغ 50 ألف دولار، كما نعتمد في رعاية محيطه على أربعة عاملين تبلغ رواتبهم الشهرية مجتمعة 1400 دولار".

عائلة غزية أخرى شكلت ثروة هائلة من تجارة الأنفاق. تتحدث ملاك (24 عاماً)، وهي إحدى بنات العائلة قائلةً: "طبيعة حياتنا تبدلت كثيراً مع توافر المال بكثرة، حتى الشكل الذي كنت ألتزم الخروج فيه كفتاة محافظة تغيّر، وصرت كثيراً ما أربط تحركاتي بأسلوب معين، تظهر من خلاله برجوازيتي".

 

بشكلٍ شبه يومي تزور ملاك مصفف الشعر، وتدفع 700 دولار شهرياً لأجل الحفاظ على بشرتها وتناسق جسدها، وتخبر أن والدها عيّن لها منذ سنوات سائقاً خاصاً يرافقها في معظم تحركاتها، ويبلغ مرتبه الشهري 400 دولار، كما أن اثنين من إخوتها يدرسان حالياً في جامعات أوروبية على نفقتهما الخاصة.

 

وتلفت ملاك إلى أنها تشتري معظم مستلزماتها الشخصية من الماركات العالمية والعلامات التجارية المعروفة عن طريق الإنترنت.

 

وكانت الأنفاق التجارية بين غزة ومصر قد ازدادت خلال عامي 2006 و2007، على إثر تشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع، وفي البداية نُقلت عبرها مواد تموينية وأجهزة إلكترونية ثم تطورت لتصبح المصدر الأول لتوريد جميع المستلزمات الحياتية للسكان.

 

ثم فتحت الأنفاق الباب واسعاً أمام تجارة المخدرات والسلاح، وهذا ما ساهم في إيجاد عدد كبير من أصحاب رؤوس الأموال الجدد خلال السنوات الماضية. حتى أن تقديرات لصحيفة "الحدث الاقتصادية" المحلية أشارت، عام 2016، إلى أن عدد أصحاب الملايين في غزة يبلغ حوالي 9000.

 

تفاصيل حياة مغايرة

إياد ياسين (اسم مستعار) كان قد درس الدبلوماسية والعلاقات الدولية في إحدى الجامعات الإيطالية، ويقول إن معظم أبناء عائلته معروفون في غزة كونهم من أصحاب الأملاك والأموال منذ سنوات طويلة، لافتاً إلى أن طبيعة حياته اليومية تنقسم بين العمل في شركة خاصة لوالده صباحاً، وحضور الحفلات الغنائية والسهر في المطاعم والفنادق مساء برفقة زوجته وأصدقائهما.

 

ويذكر إياد أنه يحرص بين الوقت والآخر على "تعديل مزاجه" عن طريق السفر عبر معبر رفح الذي يدفع في كل مرة نحو 2000 دولار لعبوره.

 

وبلغت تكاليف مراسم زواج إياد قبل أربع سنوات حوالى 100 ألف دولار، إذ أقام وليمة لحوالي 1000 شخص، وجمع عدداً كبيراً من المطربين المحليين للغناء في حفل الزفاف، عدا أنه جهّز بيته بأثاث من أحدث الموديلات وجلب بعض التحف والأنتيكات من الخارج إليه.

 

يعلّق إياد بالقول: "جزء من الثروة ورثها والدي وإخوته عن جدي الذي كان تاجراً كبيراً في الداخل الفلسطيني المحتل خلال القرن الماضي، كما أنه نمّى ماله من افتتاح عدد من المشاريع داخل فلسطين وخارجها".

لا يهتم إياد كثيراً لنظرة المجتمع، على الرغم من علمه المسبق أنها تلاحقه كونه من عائلة يعلم الجميع أنها تمتلك أموالاً طائلة، وتعيش حياةً خاصة قد تختلف كثيراً عن حياة باقي الناس في القطاع، وفقاً لحديثه، وينبّه إلى أن حدود علاقاته الشخصية ضيقة جداً وجميع أصدقائه هم من أبناء طبقته.

 

خلال العام الحالي، أقام الشاب حفل عيد ميلاد لزوجته التي بلغت من العمر 23 عاماً داخل أحد الفنادق الفخمة على شاطئ بحر غزّة، حضره حوالي 60 شخصاً من أبناء العائلة والمقربين، وتجاوزت تكلفته الـ3 آلاف دولار، وفق قوله.

 

"فاتورته عشائه تساوي دخلي الشهري"

يحكي نهاد أيوب، وهو شاب غزي عمل نادلاً في عدد من المطاعم والفنادق التي يرتادها أبناء الطبقة البرجوازية في قطاع غزة، عن بعض مظاهر البذخ التي لاحظها خلال عمله. يذكر على سبيل المثال أن أحد الأثرياء يزور مطعماً في كل صباح ليشرب قهوته ويدفع مقابل ذلك نحو 30 دولاراً.

 

ويقول نهاد : "عدد كبير من أبناء الأثرياء يزورون المطاعم كمجموعات صغيرة، ويحجزون طاولات في أوقات العشاء أو الغداء، وقد تبلغ قيمة الفاتورة 300 دولار وهي تساوي المبلغ الذي أتقاضاه شهرياً مقابل عملي".

 

علم نهاد في وقتٍ سابق من إحدى فتيات العائلات الثرية التي تهتم بتربية الحيوانات الأليفة أنها تنفق شهرياً نحو 1000 دولار ثمناً لطعام حيواناتها ورعايتها صحياً، وذلك بإشراف طبيب بيطري يزورها بشكلٍ دوري.

 

وفي إحدى المرات، حسب نهاد، ورد اتصال هاتفي لأحد الزبائن بينما كان جالساً مع رفاقه، أُبلغ فيه إنجاز صفقة تجارية، فأخرج من جيبه 700 دولار وقدمها للعاملين في المطعم كـ"حلوان".

 

شخصٌ آخر يُدعى أيمن نائل يعمل سائق "دليفري" على دراجة نارية. يسرد موقفاً من المواقف التي عايشها خلال عمله مع عدد من أبناء الطبقة البرجوازية: "بينما كنت جالساً بانتظار اتصالات الزبائن، جاءني اتصال للذهاب إلى محل بيع هواتف نقالة لأجل نقل هاتف من نوع "آيفون" وصل حديثاً، وكان ثمنه آنذاك 1200 دولار".

 

ويؤكد أيمن أن الشخص ذاته طلب منه بعد شهر الذهاب للمتجر كي يجلب له هاتفاً طرازه أحدث، وعرف حينذاك منه أنه يبدل هاتفه دوماً.

 

قيادات ضمن قوائم الأثرياء

لا تقتصر فئة الأثرياء في قطاع غزة على أبناء العائلات الكبرى من أصحاب الأراضي والعقارات، ولا على أبناء التجار الذين استفادوا من حالة الحصار الإسرائيلي وبنوا ثرواتهم من التجارة في أنفاق التهريب، ولكنّها تتسع لتضم فئات أخرى، منها موظفو المؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة، وبعض القيادات السياسية والعسكرية التي استغلت وجودها في الحكم لمصالح شخصية فكسبت أموالاً طائلة.

 

يتحدث أحد العاملين لدى قيادي غزي، شغل سابقاً منصباً حكومياً في حكومة "حماس"، عن مظاهر البذخ في حياة القيادي ذاكراً أن لديه مولداً كهربائياً يكلفه يومياً أكثر من 300 دولار.

ويستخدم القيادي، بحسب كلام الشاب، 5 سيارات من طراز حديث للمناسبات المختلفة، عدا أنه عيّن موظفين لمتابعة شؤون أطفاله وتفاصيل حياتهم اليومية، ولديه عدد من المنازل، وعمل خلال السنوات الماضية على توسيع نفوذه من خلال امتلاك أراضٍ واسعة في مختلف مناطق القطاع.

 

ويُشرف القيادي على عدد من الجمعيات الخيرية والمشاريع السياحية والزراعية، حسب ما ذكر الشاب نفسه، مشيراً إلى أن هذا القيادي يتباهى كثيراً بالولائم التي يدعو إليها بشكلٍ شبه أسبوعي، وينفق عليها مبالغ مالية قد تسد رمق عشرات العائلات الفقيرة أياماً طويلة.

 

والجدير ذكره أن تقرير "الحدث" حول أثرياء فلسطين ورد في نهايته بعض أسماء أصحاب الملايين، منهم عدد من القيادات مثل إسماعيل هنية، وخالد مشعل، وأيمن طه، والوزير السابق علاء الأعرج، وطارق عباس ابن الرئيس الفلسطيني.