دول الجوار الليبي تنأى بنفسها عن شبهة البديل للمبادرات الدولية..

الجزائر "مقاول تنفيذ" قرارات مؤتمر برلين عن الأزمة الليبية

الجزائر تسوق لدورها الجديد

صابر بليدي

تعكس التحركات الدبلوماسية الحثيثة التي تقوم بها الجزائر بشأن الأزمة الليبية رغبتها في أن تتحول إلى وسيط إقليمي بين الدول العربية والغربية الفاعلة في الملف الليبي، مستثمرة الاختلاف بين دول الجوار تجاه طرفي الأزمة.

وعقدت الدول الخمس المجاورة لليبيا الخميس اجتماعا في العاصمة الجزائرية في إطار الجهود الدولية الهادفة لتشجيع حل سياسي للأزمة الليبية التي تهدد الاستقرار الإقليمي.

ونأى الاجتماع بنفسه عن أن يكون آلية أو بديلا للمقاربات المطروحة من أجل حل الأزمة الليبية، وأفضى إلى تعزيز ما جاء في بيان مؤتمر برلين حيث شدد على رفضه لأيّ تدخل أجنبي، وإلى ضرورة حظر الأسلحة ومنع تدفقها إلى التراب الليبي، كما أكد على حتمية الحوار السياسي بين الليبيين لحل أزمتهم.

ومن الواضح أن دول الجوار، التي سبق أن قدمت مبادرات ثنائية وجماعية في الملف الليبي، باتت الآن تتحرك كوسيط مهمته إنجاح تفاهمات مؤتمر برلين، وليس تقديم مقاربة بديلة تراعي مصالحها وتكتسب مشروعية أكبر بقطع الطريق على الصراع الخارجي الهادف إلى تقاسم ثروات ليبيا أكثر من إيجاد حل دائم.

وأكد وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع، على “ضرورة احترام ليبيا كدولة واحدة موحدة، واحترام سيادة السلطات الشرعية على كامل التراب الليبي”.

وكثّفت الجزائر من تحركاتها الدبلوماسية الداخلية والخارجية بشأن الملف الليبي حيث زار الأسبوع الماضي صبري بوقادوم كلا من الإمارات والسعودية وجرى بحث آخر مستجدات الأزمة.

ومطلع الأسبوع الحالي استقبلت الجزائر وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، وهي الزيارة التي تلت زيارة لوزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو. وتعد كل من باريس وروما أبرز الفاعلين الأوروبيين في الملف الليبي وبرز في السنوات الأخيرة تنافس بين العاصمتين للهيمنة على الملف.

وشدد بوقادوم على أن هذا “الاجتماع لا يعد آلية، وإنما هو اجتماع تشاوري للتنسيق وإسماع كلمة دول الجوار في المحافل الدولية، وهو يندرج في إطار التشاور والعمل وتقديم الدعم للاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة في جهود حل الأزمة الليبية”.

ويلمّح تصريح رئيس الدبلوماسية الجزائرية إلى نأي حكومات المنطقة بنفسها عن أن تكون آلية أو بديلا للمقاربات أو الجهود المبذولة على أكثر من صعيد وهيئة لحل الأزمة الليبية، تفاديا لأيّ تداخل في المبادرات المطروحة أو المساهمة في تشتيت الجهود، ما يطرح مدى قدرتها على الإسهام في إيجاد حل حقيقي للأزمة، أو يؤشر لوجود قوى أكثر نفوذا منها في الملف الليبي.

وقال بوقادوم “لا بد أن نقدّم رأينا للجميع كما تم في مؤتمر برلين، حيث تم التأكيد على أهمية الإصغاء لدول الجوار، وضرورة مشاركة الاتحاد الأفريقي في تسوية الأزمة الليبية ودعم الحل السياسي”، وأن “مشاركة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في الاجتماع جاءت لإطلاعنا على نتائج مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية”.

ويبدو أن حضور وزير الخارجية الألماني لاجتماع دول الجوار يحمل دلالات على حرص الألمان على متابعة التصورات والمسارات المطروحة في الملف الليبي، وعدم السماح لأيّ منها بالانحراف عما أفضت إليه قمة برلين، مما يؤكد على أن الاهتمام الأوروبي المنصبّ على ليبيا يتعدى حدود حل الأزمة السياسية والأمنية إلى ضمان المصالح الغربية في طرابلس.

وأكد المشاركون في اجتماع الجزائر على “الأهمية الكبيرة للتعجيل بحل النزاع في ليبيا، ووقف الحرب عبر حل سياسي بعيد عن أيّ تدخل أجنبي، وعلى تلافي الخيارات العسكرية نظرا لتداعياتها الخطيرة على الأمن والاستقرار في البلاد وفي القارة عموما “.

ودعا مجلس الأمن الدولي طرفي النزاع في ليبيا “للتوصل في أقرب وقت ممكن لوقف إطلاق النار ما يتيح إحياء العملية السياسية الرامية لوضع حد للحرب الدائرة في هذا البلد”.

وذكر البيان الذي صدر في ختام اجتماع حول نتائج قمة برلين، بأن “أعضاء مجلس الأمن يحضون الأطراف الليبية على المشاركة بشكل بنّاء في اللجنة العسكرية 5+5 من أجل إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن”.

وكانت قمة برلين قد توصلت إلى تأسيس لجنة عسكرية من خمسة ضباط يمثلون القوات الموالية لحكومة الوفاق وخمسة ضباط آخرين يمثلون الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. وتتلخص مهام هذه اللجنة في تحديد السبل والآليات الميدانية الرامية لتعزيز وقف الأعمال العدائية الساري بين الطرفين منذ الـ12 من يناير الجاري.

وكما بدت الفجوة عميقة بين الطرفين خلال قمة برلين، حيث رفض خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج اللقاء وجها لوجه، فإن وزير خارجية حكومة الوفاق محمد طاهر سيالة رفض تلبية دعوة الجزائر لحضور الاجتماع المذكور، لمجرد علمه بدعوة تلقاها عبدالهادي الحويج، وزير خارجية الحكومة المؤقتة (غير معترف بها دوليا).

وقالت الجزائر إنها لم تدع أيّا من الطرفين في محاولة لتطويق أزمة تمس من رغبتها في لعب دور وكيل إقليمي لحل الأزمة الليبية برعاية ودعم أوروبي.