مايكل روبين يكتب:

الفراغ الإنساني في جنوب اليمن.. فرصة للشركاء أم مكسب للحوثيين؟

بينما أعرب قدامى موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وكذلك أولئك الذين استفادوا من سخاء هذه المجموعة المسرفة، عن أسفهم لسقوطها، لم يذرف سوى القليلين داخل وزارة الخارجية الدموع؛ فقد كانوا يدركون أن موظفي الوكالة غالبًا ما يتسمون بالغرور والهدر، ونادرًا ما يسعون للتنسيق مع أهداف البعثة، إذ كانوا يعتقدون أن أولوياتهم الخاصة يجب أن تحظى بالأولوية. نادرًا ما وُجد مشروع تابع للوكالة لم يتطلب أولًا دراسة استشارية بملايين الدولارات، وغالبًا ما تكون غير ضرورية، لكنها تمنح لعميل مفضل أو لشركة أسسها خريجو الوكالة أنفسهم.

حتى عندما وجّه وزير الخارجية ماركو روبيو الضربة القاضية للوكالة، أعاد تأكيد التزام الولايات المتحدة بتقديم المساعدات الإنسانية. وقال روبيو أمام مجلس الشيوخ: "حتى مع الإصلاحات التي وضعناها وما نقترحه من تغييرات في مساعداتنا الخارجية، فإننا ما زلنا سنقدم مساعدات خارجية أكبر، ودعمًا إنسانيًا أكثر مما تقدمه الدول العشر التالية مجتمعة، وأكثر مما تقدمه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بأكملها، وبفارق كبير عن الصين."

في حين يبالغ خريجو USAID في تقدير تأثيرهم ومكانتهم مقارنة بالمنظمات غير الحكومية، لم يكن هناك الكثير مما قامت به الوكالة لا تستطيع مؤسسات خيرية أخرى القيام به أو لم تقم به بالفعل. ما فعله روبيو، في الأساس، هو إعادة المساعدات الخارجية إلى الأساسيات: البطانيات، والقنابل، والرشاوى. وفي سياق الجدل حول المساعدات الخارجية، لم يعترض أحد في واشنطن على الإغاثة الطارئة بعد الأعاصير أو الزلازل أو الكوارث الطبيعية المماثلة. ما كان يعترض عليه المتشددون ماليًا هو دعم إخفاقات الحكومات في بناء بنيتها التحتية بنفسها. ففي بلدان مثل نيجيريا والصومال، أو مناطق مثل غزة وإقليم كردستان العراق، كانت الحكومات المحلية ترى في المساعدات الخارجية ضوءًا أخضر لاختلاس عائداتها الجمركية والضريبية دون أن تفقد قدرتها (الظاهرية).

اليوم، اليمن — وتحديدًا هزيمة الحوثيين المدعومين من إيران — يقف في طليعة أولويات الأمن القومي الأميركي. فإذا انتصر الحوثيون في اليمن، فلن يعيقوا حرية الملاحة عبر مضيق باب المندب فحسب، بل إنهم، في حال سيطرتهم على جنوب اليمن، سيمنحون إيران ووكلاءها أو حلفاءها السيطرة على ١٥٠٠ ميل من الساحل الممتد من باكستان إلى اليمن، بما في ذلك مضيق هرمز الاستراتيجي.

يُعَد المجلس الانتقالي الجنوبي في طليعة المقاومة المستمرة ضد الحوثيين. وعلى عكس الحكومة المعترف بها دوليًا، وهي كيان موجود في الغالب على الورق ويجلس وزراؤه في السعودية أو مصر، فإن الكيان السياسي الرئيسي في جنوب اليمن يسيطر ويحكم الأراضي فعليًا. دول ومجموعات أخرى تُظهر التزامًا ضعيفًا بوقف الحوثيين. فقد أبرم الرئيس دونالد ترامب صفقة منفصلة مع الحوثيين مقابل وقف استهداف السفن الأميركية. أما السعودية، فهي تفضل أيضًا استرضاء الحوثيين حفاظًا على الهدوء على طول حدودها مع اليمن الممتدة لأكثر من ٨٠٠ ميل. وتلعب سلطنة عمان لعبة مزدوجة؛ إذ ترى مسقط أن وجود جنوب يمني قوي هو أكثر تعارضًا مع مصالحها من وجود يمن فوضوي أو حتى انتصار الحوثيين. أما حزب الإصلاح — الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين والذي يشارك في المجلس الرئاسي المعترف به دوليًا — فيلعب اللعبة نفسها. فهو يفضل تمكين الحوثيين وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بدلًا من القبول بحكم محلي في جنوب اليمن.

ويستقبل اليمن ذيول الرياح الموسمية التي تجتاح الهند وبنغلادش بانتظام. وفي ٢٤ أغسطس ٢٠٢٥، أغرقت الأمطار الغزيرة مدينة عدن وأجزاء من محافظة لحج، حيث غمرت أحياء كاملة في الحسوة وبئر أحمد شمال عدن، مدمرة مئات المنازل؛ ولا يزال عدد القتلى غير معروف.

إذا كان روبيو جادًا بشأن إرسال المساعدات إلى حيث تكون مطلوبة، فعليه هو ووزير الدفاع بيت هيغسِث أن يرسلا على الفور مساعدات إلى عدن ولحج، عبر إسقاطها جوًا والتنسيق مع المجلس الانتقالي الجنوبي المحلي لإرسال خبراء وعمال إنقاذ إلى عدن.

 

لن يخفف ذلك فقط من حاجة إنسانية عاجلة، بل سيُظهر أيضًا لليمنيين أن تنحية الحوثيين جانبًا تجلب الأمان والاستقرار والتواصل الفعّال مع العالم الخارجي. كما سيكشف نفاق الموالين الصامتين الآن الذين يرفعون عقيرتهم محذرين من كارثة إنسانية إذا ما قطعت أي عملية عسكرية إمدادات الحوثيين عبر ميناء الحديدة أو بطرق أخرى. وأخيرًا، فإن ذلك سيعزز المنطقة الوحيدة الآمنة والعاملة في اليمن.

لا ينبغي لواشنطن أن تأخذ سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي والأمن الذي يوفره كأمرٍ مُسلَّم به. فـ حزب الإصلاح وغيره من السياسيين الشماليين يسعون إلى فشله ويقيدون قدرته على العمل، ليحصنوا أنفسهم من أي مقارنة مع مجموعة ناجحة. الكوارث الطبيعية اختبارات للشرعية. ففشل شاه إيران في الاستجابة بفعالية لزلزال طبس عام ١٩٧٨ قوّض شرعيته وسرّع جهود آية الله روح الله الخميني للإطاحة بنظامه.

إن استمرار استجابة واشنطن الضعيفة سيُظهر ليس فقط خواء وعود روبيو بأن الولايات المتحدة ستظل متجاوبة مع الحاجة الإنسانية، بل سيُظهر أيضًا افتقارًا إلى البصيرة الاستراتيجية الأميركية. فإذا لم تدعم الولايات المتحدة شركاءها المحليين في اليمن، فقد تجد أنها لم تعد تملك أي مرتكزات ذات معنى تستطيع أن تعلّق عليها سياساتها المناهضة للحوثيين.

 

  • - المقالة نقلا عن Middle East Forum Observer - ترجمة مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات