فرامرز صفا يكتب لـ(اليوم الثامن):

ضعف داخلي يدفع طهران لتعزيز وكلائها الإقليميين

في ظل تزايد الضغوط الداخلية والخارجية على النظام الإيراني، يتضح أن قيادته، بزعامة علي خامنئي، تلجأ إلى استراتيجية متأصلة تعتمد على تعزيز أذرعها الخارجية لمواجهة هشاشة الجبهة الداخلية. هذا النهج، الذي تجلى في زيارات علي لاريجاني، الأمين الجديد للمجلس الأعلى للأمن القومي، إلى العراق ولبنان خلال الأسابيع الماضية، يعكس محاولة يائسة للحفاظ على النفوذ الإقليمي وسط أزمات متفاقمة. لكن هل يمكن لهذه السياسة أن تنقذ نظامًا يواجه تهديدات متداخلة تشمل تفعيل آلية "الزناد" الأوروبية، احتمال اندلاع انتفاضة شعبية، وتراجع نفوذه في المنطقة؟ في هذا التحليل الشامل، نستعرض الأوضاع الداخلية الصعبة، نرصد الاستراتيجية الإقليمية بدقة، ونقترح خيارات استراتيجية لمواجهة هذا التحدي المتفاقم.

الانهيار الداخلي: بين الزناد وتهديد الانتفاضة

الضغوط الاقتصادية والسياسية

يواجه النظام الإيراني تحديات داخلية غير مسبوقة تهدد استمراريته. الأبرز هو تهديد تفعيل آلية "الزناد" (Snapback) من قبل الثلاثي الأوروبي (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)، الذي قد يعيد فرض عقوبات صارمة بحلول نهاية أغسطس 2025 إذا فشلت المفاوضات حول البرنامج النووي. وزير الخارجية الإيراني عبّر عن قلقه العميق، مشيرًا إلى أن ذلك سيؤدي إلى "خسارة كبيرة"، بما في ذلك استعادة العقوبات على الأسلحة وتصنيف النظام كتهديد للسلم الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. هذا الوضع أثار جدلاً داخليًا حادًا، حيث ينقسم النظام بين فريق يدعو إلى التفاوض لتجنب الخنق الاقتصادي وآخر يتبنى التهديد بالصواريخ، معتبرًا أنها قادرة على الوصول إلى أوروبا، كما أشار مسؤولون بارزون في طهران.

الأزمات الاجتماعية والشعبية

لكن التهديد الأكبر يكمن في احتمال اندلاع انتفاضة شعبية، مدفوعة بأزمات متفاقمة. الرئيس مسعود بزشكيان اعترف في تصريحات صادمة يوم 17 أغسطس بأن "لدينا مشكلة في المياه، الكهرباء، الغاز، المال، والتضخم... كل شيء قسري، ولا خيار لدي سوى قطع المياه". التضخم وصل إلى مستويات قياسية، حيث ارتفع سعر الخبز في طهران إلى 50 ألف تومان بنسبة 52% خلال أسابيع، بينما أصبح العثور على رغيف بـ 10-15 ألف تومان مستحيلاً. هذه الأوضاع دفعت المواطنين إلى السخرية المريرة، كما عكست تقارير "اقتصاد 24"، حيث أصبح سعر منديل ورقي (520 تومانًا) يفوق قيمة بعض النقود الورقية.

القمع ومقاومة الشعب

في محاولة لقمع الغضب، أعدم النظام 93 شخصًا في أسبوعين، لكن هذه السياسة زادت التوترات. خلال الأسبوع الماضي، شهدت محافظات مثل سيستان وبلوشستان عمليات من وحدات الانتفاضة، حيث أحرقت مراكز الحرس الثوري والميليشيات، مما أدى إلى مقتل عدد من القوات القمعية على أيدي مجموعات بلوشية. هذه الأحداث تؤشر إلى تصاعد المقاومة المحلية، مما يضع النظام أمام تحدٍ وجودي.

استراتيجية الإقليمية: تعزيز الأذرع الوكيلة

العراق: سعي لتعزيز النفوذ

في مواجهة هذا الضعف، يلجأ خامنئي إلى تعزيز أذرعه الخارجية، كما تجلى في زيارة لاريجاني إلى العراق. الهدف الأساسي هو إعادة بناء القوات الوكيلة مثل الحشد الشعبي، الذي يُعتبر درعًا عسكريًا لحماية النظام. سعى لاريجاني إلى ضمان عدم استخدام المجال الجوي العراقي لشن هجمات، وفتح الحدود لأنشطة استخباراتية واقتصادية، وتأمين مساعدات للتحايل على العقوبات عبر تصدير النفط واستيراد السلع المحظورة. تم توقيع اتفاقية أمنية مع مستشار الأمن القومي العراقي، لكن الحكومة العراقية أشارت إلى حدود صلاحياتها، بينما أبدت الولايات المتحدة قلقها من الاتفاقيات السرية. كما حاول لاريجاني توحيد الميليشيات للسيطرة على الحكومة في الانتخابات المقبلة، مستغلاً مراسم الأربعين لإضفاء شرعية، رغم رفض الشعب الإيراني لهذه السياسات.

لبنان: حماية حزب الله

في لبنان، يركز النظام على منع نزع سلاح حزب الله، الذي يُعتبر أداة حيوية. لاريجاني زار لبنان لتنفيذ خطة تشمل الضغط السياسي والإعلامي، وخلق حالة من عدم الأمان عبر عصابات إجرامية. النظام يخطط لهجمات محتملة على مراكز أجنبية، وفي حال تعاون الحكومة السورية الجديدة، قد يستهدف قادة الجيش السوري بطائرات مسيرة. سقوط بشار الأسد قلص موارد حزب الله، لكنه يحاول تعويض ذلك عبر مكاتب صرافة، رغم تراجع قاعدته الاجتماعية بسبب انهيار التمويل.

اليمن: جبهة منخفضة التكلفة

في اليمن، يدعم النظام الحوثيين كجبهة منخفضة التكلفة، حيث يدير الحرس الثوري مناطقهم ويزودهم بأسلحة، مثل 750 طونًا من الصواريخ الأخيرة. هذا الدعم يهدف إلى استعراض القوة وضغط المفاوضات، لكن دعم الحكومة اليمنية الشرعية يمكن أن يكون الحل للحد من نفوذه.

التغيرات الإقليمية وتحديات النظام

تراجع النفوذ

على الرغم من جهود النظام، تغيرت المعادلات الإقليمية. في لبنان، أبدى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء مواقف حازمة ضد التدخل الإيراني، مما يشير إلى تراجع نفوذ النظام. في العراق، الضغوط الأمريكية ورفض الشعب للميليشيات تضعف مركزه. هذه التطورات تتطلب إجراءات حاسمة، مثل طرد سفير إيران من لبنان ودعم الشعوب المحلية.

الحلول المقترحة

الحل الأساسي يكمن في إسقاط النظام على يد الشعب الإيراني والمقاومة، مع كشف مخططاته إعلاميًا وسياسيًا. نزع سلاح حزب الله وحل الحشد الشعبي ضروريان لقطع أذرع النظام، وهو مطلب شعبي يعزز الاستقرار الإقليمي. الوقت حان لتجاوز التردد ودعم القوى الوطنية لإنهاء هيمنة خامنئي.