مصطفى النعيمي يكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران بين مطرقة "آلية الزناد" وسندان العزلة: مأزق نووي ودبلوماسية القلق

مع اقتراب انتهاء صلاحية الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة - JCPOA) في أكتوبر 2025، يجد النظام الإيراني نفسه في قلب عاصفة دبلوماسية غير مسبوقة. المخاوف تتصاعد في طهران من تفعيل "آلية الزناد" التي قد تعيد فرض العقوبات الدولية تلقائياً، ما يهدد بخنق الاقتصاد الإيراني ويضع النظام أمام أخطر اختبار وجودي منذ سنوات. في هذا السياق، تحولت الدبلوماسية الإيرانية إلى سباق مع الزمن، حيث كثفت طهران اتصالاتها مع العواصم الأوروبية، محاولةً تجنب الأسوأ عبر تقديم عروض للحوار والتعاون، بينما تلوّح أوروبا بعصا العقوبات دون تردد.

خلفية الأزمة: الاتفاق النووي على شفا الانهيار

الاتفاق النووي لعام 2015 كان يهدف إلى كبح برنامج إيران النووي مقابل رفع تدريجي للعقوبات. لكن منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 وإعادة فرض عقوبات أحادية الجانب، دخل الاتفاق في حالة موت سريري. اليوم، مع اقتراب موعد انتهاء بعض بنود القرار 2231 لمجلس الأمن، باتت الدول الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) - المعروفة باسم "E3" - تملك مفتاح تفعيل "آلية الزناد" التي تسمح بإعادة فرض كل العقوبات الأممية التي رُفعت قبل عشر سنوات.

وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، أوضح في جلسة لمجلس الأمن في 28 أبريل 2025 أن بلاده "لن تتردد لحظة واحدة في إعادة فرض العقوبات إذا لم يتم ضمان المصالح الأمنية الأوروبية". وأضاف أن هذه العقوبات "ستغلق بشكل دائم وصول إيران إلى التكنولوجيا والاستثمار والسوق الأوروبية، مع آثار مدمرة على الاقتصاد الإيراني". وأكد: "هذا ليس ما نريده، ولهذا أناشد إيران اتخاذ القرارات الضرورية اليوم لتجنب الأسوأ".

دبلوماسية القلق: طهران تتوسل الحوار وتلوّح بالتهديد

في ظل هذا الضغط، لجأت طهران إلى دبلوماسية نشطة ولكنها تعكس حالة قلق وتخبط. في 24 أبريل، وبعد جولات مكوكية إلى بكين وموسكو، أعلن وزير الخارجية عباس عراقجي استعداده لزيارة باريس وبرلين ولندن، مقترحاً لقاء طارئاً مع "E3" في روما قبل بدء جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة مع واشنطن. كتب عراقجي على منصة X: "بدلاً من المواجهة، عرضت التعاون في كل القضايا ذات الاهتمام المشترك. للأسف، اختار الأوروبيون الطريق الصعب". وأضاف: "أنا مستعد للقيام بالخطوة الأولى عبر زيارات للعواصم الأوروبية".

رغم هذه العروض، لم تتلقَ طهران أي رد رسمي من الأوروبيين حتى اللحظة، ما يعكس حذراً أوروبياً من الانجرار إلى مناورة إيرانية جديدة قد تجهض الضغوط الدولية وتمنح النظام مزيداً من الوقت. في المقابل، لم تتوقف طهران عن التهديد، إذ صرّح متحدث لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني أن "تفعيل آلية الزناد سيقابل برد قوي، منها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)".

مأزق النظام: بين العزلة الدولية والانهيار الداخلي

هذا التناقض بين التوسل بالحوار والتهديد بالتصعيد يكشف عمق الأزمة داخل النظام الإيراني. من جهة، يدرك النظام أن العودة إلى العقوبات الأممية تعني عزلة اقتصادية وسياسية خانقة، قد تعجّل بانهيار اقتصادي واجتماعي يصعب احتواؤه. من جهة أخرى، يدرك أن تقديم تنازلات حقيقية في الملف النووي قد يفقده دعم قاعدته المتشددة ويكشف هشاشته أمام الداخل الغاضب.

المحللون يرون أن النظام الإيراني لم يعد يملك أوراق قوة حقيقية، بل يناور بين تهديد أوروبا بالانسحاب من NPT، وبين محاولات كسب الوقت عبر عروض الحوار. لكن أوروبا، التي تملك اليوم مفتاح "آلية الزناد"، تبدو أكثر تصميماً على عدم التساهل، خاصة بعد أن أظهرت طهران مراراً عدم التزامها بالاتفاقات السابقة، واستمرت في تطوير برنامجها النووي.

المعارضة: تفعيل "آلية الزناد" هو الحل الوحيد

المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، بقيادة مريم رجوي، كان قد حذر منذ توقيع الاتفاق النووي من أن "تجاوز ستة قرارات لمجلس الأمن عبر اتفاق غير موقع لن يمنع النظام من الوصول إلى القنبلة النووية". وتؤكد المعارضة أن السبيل الوحيد لمنع النظام من امتلاك السلاح النووي هو تفعيل "آلية الزناد" وإعادة العمل بجميع العقوبات السابقة، معتبرة أن أي تأجيل أو تساهل يمنح النظام فرصة لمزيد من الخداع والمراوغة.

لحظة الحقيقة تقترب

مع اقتراب موعد انتهاء الاتفاق النووي، يقف النظام الإيراني أمام مفترق طرق مصيري: إما قبول الشروط الدولية وتقديم تنازلات حقيقية، أو مواجهة عزلة خانقة قد تسرّع من أزماته الداخلية. أوروبا، التي تملك اليوم زمام المبادرة، تبدو مستعدة لاستخدام كل أدوات الضغط، بينما تراقب واشنطن عن كثب استعداداً لجولة جديدة من المواجهة أو التفاوض.

في النهاية، تبقى الحقيقة أن النظام الإيراني، بمحاولاته اليائسة للمناورة، لم يعد قادراً على إخفاء ضعفه، وأن لحظة الحقيقة باتت أقرب من أي وقت مضى، سواء أكان ذلك عبر طاولة المفاوضات أو عبر عودة العقوبات الشاملة التي قد تعيد رسم المشهد السياسي والاقتصادي في إيران والمنطقة بأسرها.