د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
ماذا يخبئ النظام الإيراني وراء انفجار ميناء رجائي في بندر عباس
في 26 أبريل 2025، شهد ميناء الشهيد رجائي في بندر عباس انفجارًا هائلًا أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 70 شخصًا وإصابة أكثر من 1,200 آخرين، مما أثار تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء الحادث وما يخفيه النظام الإيراني.
خلفية الحادث
وقع الانفجار في منطقة الرصيف بالميناء، حيث اندلع حريق في عدة حاويات يُعتقد أنها كانت تحتوي على مواد خطرة أو كيميائية. تشير التقارير إلى أن الانفجار نتج عن تخزين غير آمن لمواد كيميائية، مما أدى إلى دمار واسع النطاق.
الرواية الرسمية والتكتم
أعلنت السلطات الإيرانية أن الانفجار نجم عن "إهمال" في تطبيق قواعد السلامة، ونفت وجود أي دليل على تدخلات خارجية أو أنشطة عسكرية في المنطقة المتضررة. ومع ذلك، أشار وزير الداخلية إسكندر مؤمني إلى وجود تقصير في الالتزام بقواعد السلامة والدفاع المدني.
مؤشرات على نشاط عسكري
رغم النفي الرسمي، كشفت تقارير إعلامية عن وجود شحنات من بيركلورات الصوديوم، وهي مادة تستخدم في تصنيع الوقود الصلب للصواريخ، تم نقلها من الصين إلى إيران.وأفاد مصدر في الحرس الثوري الإيراني بأن الانفجار نجم عن هذه المادة.
توقيت مريب
تزامن الانفجار مع الجولة الثالثة من المحادثات النووية بين النظام الإيراني والولايات المتحدة في عمان، مما أثار تكهنات حول احتمال أن يكون الحادث محاولة لتقويض هذه المفاوضات. كما أن الحادث أعاد إلى الأذهان انفجار مرفأ بيروت عام 2020، مما زاد من المخاوف بشأن السلامة في الموانئ الإيرانية.
ما وراء الكواليس
تشير التقارير إلى أن قوات حرس نظام الملالي قد تكون متورطة في تخزين هذه المواد الخطرة في الميناء، مما يثير تساؤلات حول مدى سيطرة الحكومة على أنشطة هذه القوات الإرهابية. كما أن التكتم الرسمي على تفاصيل الحادث يعكس سياسة النظام الإيراني في إخفاء المعلومات الحساسة عن الجمهور.
هل هناك علاقة بين سيناريو المفاوضات الجارية وتفجير الميناء؟
نعم، هناك مؤشرات قوية على وجود علاقة غير مباشرة بين تفجير ميناء رجائي في بندر عباس وسيناريو المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية. والنقاط التالية تدعم هذا الربط:
التوقيت السياسي الحسّاس
وقع الانفجار تزامنًا مع جولة تفاوضية سرية بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، مما يثير تساؤلات حول التوقيت ومدى ارتباطه بمحتوى المفاوضات. ففي لحظات التفاوض، تستخدم الأنظمة الاستبدادية مثل النظام الإيراني أحداثًا "مفتعلة" أو "غامضة" لإعادة توجيه بوصلة التفاوض أو خلق أوراق ضغط.
المواد المتفجرة وعلاقتها بالبرنامج الصاروخي
هناك تسريبات وتقارير أفادت بأن الانفجار نجم عن اشتعال مواد كيميائية شديدة الحساسية (مثل بيركلورات الصوديوم)، والتي تُستخدم في تصنيع الوقود الصلب للصواريخ. لطالما كان إدراج البرنامج الصاروخي ضمن المفاوضات خطًا أحمرًا للنظام الإيراني، وقد يكون التفجير إشارة إلى أن طهران لا تزال تحتفظ بخط إنتاج نشط بعيدًا عن أنظار المفتشين.
رسالة ضمنية أم تصعيد مقصود؟
من غير المستبعد أن يكون الحادث إشارة مبطّنة من قوات حرس نظام الملالي إلى الأطراف الغربية مفادها: "نحن نمتلك أدوات قوة، ولسنا ضعفاء على طاولة التفاوض". أو قد يكون نتيجة خلاف داخلي بين جناحين داخل النظام: أحدهما يريد المضي في التفاوض، والآخر (غالبًا قوات حرس نظام الملالي) يسعى لإفشاله.
التكتم الإعلامي الرسمي.. تكتيك مألوف
اتّسم رد الفعل الرسمي الإيراني بالغموض والتضارب، وهو أسلوب معتاد حين يكون الحدث مرتبطًا بأنشطة سرية أو يريد النظام توظيفه سياسيًا دون كشف التفاصيل.
فرضيات التخريب الخارجي والداخلي
دور إسرائيلي محتمل: رغم نفي مصادر إسرائيلية تورطها، يرى محللون أن إسرائيل قد تستهدف إيران عبر عمليات غير مباشرة لتعطيل اقتصاداتها، خاصة أن الميناء يستخدم لتصدير سلع حيوية. لكن آخرين يستبعدون ذلك في هذا التوقيت لتجنب إثارة حفيظة واشنطن.
أجندات داخلية: طرح باحثون إيرانيون فرضية أن جهات داخلية (مثل جماعات تستفيد من استمرار العقوبات) قد تكون وراء الحادث لتعطيل أي اتفاق نووي يهدد مصالحها.
المقارنة مع انفجار مرفأ بيروت
يشبه الانفجار في التفاصيل (مواد كيميائية، حريق متحول إلى انفجار) كارثة بيروت 2020، ما أثار تساؤلات حول تكرار سيناريو "الإهمال المُدار" أو التخريب. في الحالتين وُجهت اتهامات متبادلة بين الأطراف الداخلية والخارجية.
ردود الفعل الإيرانية والتحقيقات
أمر المرشد الأعلى خامنئي بتحقيق شامل، لكن طهران تجنبت اتهام إسرائيل مباشرة، ربما لحماية المفاوضات. حذرت الحكومة الإيرانية من "التخمينات" ودعت للانتظار حتى انتهاء التحقيقات، مما قد يشير إلى محاولة احتواء الأزمة سياسيًا.
الاستنتاج: التفجير أداة ضمن سياق تفاوضي معقّد
قد لا يكون التفجير "جزءًا مباشرًا" من سيناريو التفاوض، لكنه على الأرجح يمثّل أحد انعكاسات الصراع الداخلي حول مخرجاته، أو ورقة ضغط إضافية يستخدمها النظام لتعزيز موقفه في المحادثات الجارية. كل هذا يُبرز التداخل بين أدوات الأمن، السياسة، والدبلوماسية في سلوك النظام الإيراني.
هل كان التفجير من صنع دول خارجية أم أنه من صنع نظام الملالي ...
يظل انفجار ميناء رجائي في بندر عباس في 26 أبريل 2025، حدثًا غامضًا تتنازعه الروايات بين الإهمال الداخلي والتخريب الخارجي، مع وجود مؤشرات تدعم كلا السيناريوهين استناداً إلى أحدث التقارير على الوجه التالي:
أولاً: أدلة تشير إلى تورط خارجي محتمل
التوقيت المشبوه:
وقع الانفجار بالتزامن مع المفاوضات النووية الإيرانية-الأمريكية في عُمان، مما أثار شكوكًا حول استخدامه كأداة ضغط أو تخريب. حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قبل الحادث من "استفزازات خارجية" لتعطيل المفاوضات.
تعدد بؤر الانفجار
بعض البرلمانيين الإيرانيين (مثل محمد سراج) أكدوا أن الانفجارات في نقاط متعددة بالميناء تشير إلى تفجير ممنهج وليس حادثًا عرضيًا.
ثانيًا: أدلة تدعم رواية النظام الإيراني (إهمال داخلي)
الإقرار الرسمي بالإهمال
أعلن وزير الداخلية الإيراني أن السبب هو "تقصير في الإجراءات الأمنية" وسوء تخزين مواد كيميائية خطرة، وتم اعتقال مسؤولين محليين. وذكرت تقارير رسمية أن الانفجار نجم عن حاويات تحتوي على مواد كيميائية غير مخزنة بشكل صحيح.
نفي وجود شحنات عسكرية:
نفت وزارة الدفاع الإيرانية وجود أي مواد عسكرية في الميناء وقت الانفجار، مما يُضعف فرضية الاستهداف الخارجي.
ثالثاً: الأبعاد السياسية والاقتصادية
استغلال الأزمة داخليًا:
قد يستخدم النظام الحادث لتصعيد الخطاب المعادي للغرب وتوحيد الصف الداخلي، وتشتيت الانتباه عن الأزمات الاقتصادية، خاصة بعد تسبب الانفجار في ارتفاع مفاجئ بأسعار العملات.
تداعيات المفاوضات النووية:
إذا ثبت التخريب الخارجي، قد تعلن إيران تعليق المفاوضات أو تصعيد نشاطها النووي كرد فعل.
من المستفيد؟
لو ثبت تورط إسرائيل، سيكون الهدف إضعاف البنية التحتية الإيرانية الحيوية. وقد يكون تورط النظام الإيراني نفسه وهذا يعني محاولته خلق ذريعة لتشديد القبضة الأمنية أو كسب تعاطف دولي.
الأرجح: الغموض يخدم جميع الأطراف، لكن الأدلة الحالية تميل لـسيناريو مختلط؛ حيث يُستغل الإهمال الداخلي من قبل جهات خارجية أو داخلية لتحقيق أهداف سياسية.
الخلاصة
انفجار ميناء الشهيد رجائي يكشف عن ثغرات خطيرة في إدارة المواد الخطرة في إيران، ويثير تساؤلات حول مدى شفافية النظام الإيراني في التعامل مع مثل هذه الحوادث. كما أن التوقيت والتقارير عن وجود مواد تستخدم في تصنيع الصواريخ يشيران إلى احتمال وجود نشاط عسكري سري، مما يستدعي تحقيقًا دوليًا شفافًا لكشف الحقيقة وضمان سلامة المدنيين؛ في حين أن الأدلة الملموسة حول من يقف وراء انفجار ميناء رجائي لا تزال غامضة، وهنا فإن السياق العام يشير إلى أن النظام الإيراني قد يحاول توظيف الحادث لخدمة أجندته الداخلية والخارجية، وسواء كان العمل خارجياً أو داخلياً فإن الانفجار يؤكد هشاشة الأمن في المنطقة، ويدفع نحو مزيد من التصعيد الذي قد تكون تداعياته غير محسوبة.، لكن لا يُستبعد أيضاً أن يكون الانفجار جزءاً من لعبة سياسية داخلية لتعزيز النفوذ أو كسب تعاطف دولي، وفي كل الأحوال يراقب العالم بقلبٍ حذر لأن أي خطأ في قراءة المشهد قد يُشعل فتيل مواجهاتٍ أكبر.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي