رولا القط تكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران تُذيب ميليشياتها في الدولة: إعادة تموضع أم خداع محسوب؟

 إيران، التي اعتادت التضحية بحلفائها حين تشتد الضغوط، لا تفعل اليوم شيئًا مختلفًا. تخلّت عن غزة عمليًا بعد أن خدمت مشروعها الإعلامي والعقائدي، ثم ضحّت بلبنان عبر صمت مريب تجاه الانهيار، وها هي تتهيأ للتخلي عن وكلائها في اليمن. غير أن كل هذه الانسحابات ليست مدفوعة بتكلفة التحالفات بقدر ما هي نتاج حسابات دقيقة لإعادة تموضع نفوذها تحت ضغط التهديدات الدولية والإقليمية.

في العراق، جاءت المسرحية بحلّةٍ أكثر احترافًا: قادة ميليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني يعلنون قرب “حل تشكيلاتهم” و”دمج عناصرهم في الجيش العراقي”. للوهلة الأولى، يبدو المشهد وكأنه خطوة إصلاحية طال انتظارها. لكن من يعرف قواعد اللعبة الإيرانية يدرك أن الأمر لا يتعدى خدعة تكتيكية.

ما يجري اليوم هو اتفاق ضمني بين طرفين: الحرس الثوري الإيراني، الذي يدير تلك الفصائل في العمق، وحكومة بغداد، التي تُجبر على لعب دور “الراعي الرسمي” لتفكيك الميليشيات، في مشهد أقرب إلى تصفية شكلية دون أيّ مساس بالبنية الفعلية لتلك الجماعات أو ولائها العقائدي. الحكومة العراقية لم تُبدِ أي مقاومة، بل بدت وكأنها تُنفّذ سيناريو مرسوم بدقة من طهران: إخفاء الميليشيات داخل أجهزة الدولة، لا تفكيكها.

المفارقة أن هذه الفصائل، والتي صرّح قادتها مرارًا بأنهم “جنود في جيش الولي الفقيه”، وأنهم سيقاتلون مع إيران حتى ضد وطنهم الأم إن تطلّب الأمر، يسلّمون فجأة سلاحهم للدولة التي طالما اعتبروها “هشة”، ويذوبون في مؤسساتها التي كانوا يعملون على تقويضها. السؤال ليس لماذا، بل متى وأين سيظهر وجههم الآخر من جديد؟

في الخلفية، تعيش إيران لحظة قلق غير مسبوقة. الرسائل التي وصلت لقيادتها من واشنطن – في عهد ترامب سابقًا ولا تزال تتردد أصداؤها في مراكز القرار الأميركي – لم تكن عابرة. سياسة “الردع” الأميركية الجديدة، التي باتت تعتمد الخيارين معًا: الحرب والسلام، باتت تؤرّق طهران. كل الجبهات من حولها باتت قابلة للاشتعال: من البحر الأحمر، إلى حدود غزة، فاليمن، والعراق. وإيران تعلم أن لحظة الانفجار قد تخرج الأمور من يدها نهائيًا.

ولذلك، لجأت إلى تكتيك “تبريد الواجهة” دون أن تخسر الامتداد الحقيقي. الهدف ليس نزع الميليشيات، بل إعادة تشكيلها بلبوس رسمي، بمرتبات حكومية، وبشرعية وطنية زائفة. ومن هنا، فإن الحديث عن “عراق خالٍ من الميليشيات” هو سخرية معلنة من الوعي الدولي، واستخفاف علني بالعالم بأسره.

لكن السؤال الأهم الآن: كيف سترد الولايات المتحدة؟ هل ستُخدع بهذه الخطوة وتتعامل معها كـ”نجاح سياسي عراقي”؟ أم ستقرأ ما بين السطور، وتدرك أن إيران لم تنسحب، بل فقط غيّرت لباس جنودها؟

إذا كانت واشنطن تسعى حقًا لكسر نفوذ إيران في العراق، فإن الرد لا يكون ببيانات الدعم، بل بمراجعة دقيقة لكل ضابط جديد ينضم إلى الجيش، وكل “عنصر سابق” يعود بثوب جديد. فإيران لا تنسحب. هي فقط تتقن فنّ التخفي