فاروق يوسف يكتب:
أتباع إيران المضحوك عليهم
لو صدقت إيران كذبتها فذلك من حقها. غير أن حكاية الآخرين مع تلك الكذبة تستحق أن يتأملها المرء من غير أن يسبق تأملاته بأحكام جاهزة. وإن كان أولئك الآخرون لا ينكرون الحقيقة التي تستند عليها تلك الأحكام كونهم مجرد أتباع لا يملكون الإرادة المستقلة في رؤية الوقائع واتخاذ مواقف محايدة منها.
بطريقة ما أرادت إيران أن ترد الاعتبار لما يُشاع عن قوتها من خلال عدم الاستمرار في تكرار المعزوفة القديمة “الرد في الوقت المناسب” وهي المعزوفة التي لم يتعب النظام السوري من ترديدها كلما تعرضت الأراضي السورية لعدوان إسرائيلي. من حق النظام الإيراني أن يسعى إلى أن يثبت أنه غير عاجز عن الرد على العدوان الإسرائيلي كما هو حال النظام السوري. فإيران التي تسعى إلى أن تلعب دورا محوريا في المنطقة بعد أن هيمنت على دول عربية عديدة هي ليست سوريا التي يزعم الإيرانيون أنهم حموا نظامها من السقوط وهو ما جعل منهم طرفا في الحوارات التي أقامتها روسيا بحثا عن حل سياسي للأزمة في سوريا.
منذ أن بدأ التدخل الإيراني المباشر في الحرب السورية وإسرائيل توجه ضربات إلى الأراضي السورية، كان القصد منها تدمير قواعد للحرس الثوري أو قتل عدد من ضباطه الذين يعملون بصفة خبراء أو تفجير مخازن أسلحة إيرانية في محيط مطار دمشق. في كل تلك الحالات لم تقل إيران كلمة بالرغم من أنها لم تخف جنازات ضباطها الذين يُقتلون في سوريا عن الإعلام.
ما فعلته إيران لم يكن سوى حفلة تنكرية. ما وصل من مسيراتها وصواريخها إلى إسرائل لم يُحدث أي أثر يُذكر. أما ما لم يصل فقد كان في الجزء الأكبر منه ينطوي على حكايات فكاهية
أوهم البعض نفسه بأن تلك الضربات لم توجه إلى أهداف إيرانية، بل إلى تجمعات تابعة لحزب الله (اللبناني). وإن كان الأمر سواء غير أن الحقائق على الأرض تفيد بأن إيران التي نجحت في تنظيم ميليشيات عديدة موالية لها لم تمتنع عن التدخل المباشر. ذلك ما كان معلوما لإسرائيل وهي التي لم تتوقف عن استهداف المنشآت النووية في الداخل الإيراني. وإذا كانت إيران لم ترد على الخروقات الإسرائيلية لمنشآتها النووية وتفجير أسلحتها وضرب قواعدها العسكرية في سوريا فإنها وجدت نفسها محرجة أمام استهداف إسرائيل محيط قنصليتها في دمشق وقتل واحد من أكبر جنرالاتها وهو المسؤول عن العمليات القتالية لفيلق القدس في سوريا وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه.
لم تستشر إسرائيل الولايات المتحدة قبل أن تضرب محيط القنصلية الإيرانية في دمشق وتقتل زاهدي. لو أنها فعلت لما حصلت على الموافقة. ذلك لأن للولايات المتحدة تجربتها حين قتلت سليماني وسمحت لإيران بعد ذلك بالرد الذي جاء بعد اتفاق بين الطرفين. وإذا ما كان انتقام إيران قد حدث صوريا على الأراضي العراقية ولم يصب أحد من الجنود في القاعدة الأميركية فإن الانتقام هذه المرة لا بد أن يقع في الأراضي الإسرائيلية وهو ما ينطوي على قدر هائل من الحساسية. ذلك لأن إسرائيل بالرغم من قدراتها النووية فإن مجتمعها هش، ولا يمكنه أن يقاوم الصدمات التي تأتي من الخارج. هو مجتمع خائف يعيش في محيط معاد له.
هل يعني ذلك أن إسرائيل كانت قد تورطت في أمر أكبر من قدرتها حين قتلت زاهدي في محيط القنصلية الإيرانية بدمشق؟ لم تفكر إسرائيل في اختبار القوة الإيرانية، فهي تعرف ما الذي تجرؤ إيران على القيام به في ظل استحالة انزلاقها إلى حرب شاملة، تفقدها السيطرة على الدول التي احتلتها ناهيك عن أن تكون تلك الحرب سببا في سقوط النظام المكروه داخليا. لذلك كانت مطمئنة إلى أن الانتقام الإيراني سيكون في حدود مقبولة غير أن ما حدث كان مفاجئا لإسرائيل نفسها.
ما فعلته إيران لم يكن سوى حفلة تنكرية. ما وصل من مسيراتها وصواريخها إلى إسرائل لم يُحدث أي أثر يُذكر. أما ما لم يصل فقد كان في الجزء الأكبر منه ينطوي على حكايات فكاهية. فبعض الصواريخ والمسيرات لم ينطلق أو أنه سقط على الأراضي العراقية أو أنه أُسقط في المجال الجوي الأردني. وكان متوقعا بعد تلك الحفلة أن تُعلن القيادة العسكرية الإيرانية أنها حققت أهدافها. ولكن لمَ لم يتساءل أحد من التابعين لإيران عن تلك الأهداف وقد امتنعت إيران عن ذكرها؟ فذلك يعود إلى قوة وعمق عمليات غسيل الدماغ التي تعرضوا لها. فهم مؤمنون بإيران حتى ولو كانت تضحك عليهم.