محمد فيصل الدوسري يكتب:

مستجدات الأزمة الليبية

استضافت القاهرة لقاءات لقوى ليبية مهمة، أعادت ليبيا إلى زخْم المشهد الدولي، حين جمعت رؤساء مجلس النواب، عقيلة صالح، والمجلس الرئاسي، محمد المنفي، والمجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، وقائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر.

يأتي هذا في توقيت تعاني ليبيا فيه بسبب الفراغ السياسي وانقسام السلطة بين حكومتي "الدبيبة" و"باشاغا"، والخلافات بين القوى الليبية على آليات الانتخابات المستقبلية ونظام الحكم، في وساطة مصرية صادقة تهدف إلى تقريب المسافات عبر الحوار، وتحريك المياه الراكدة.

ولفت انتباهي غياب قوى رئيسية في الأزمة الليبية عن "مباحثات القاهرة"، ومدى تأثير ذلك في نتائج التفاهمات، وتحديدا فتحي باشاغا، الذي يقود الحكومة المعينة من مجلس النواب، وعبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها وتحظى باعتراف قوى دولية، بينما شكّلت مقاطعة عدد كبير من الدول العربية لاجتماع وزراء الخارجية العرب في طرابلس إحراجا كبيرا لها على الصعيد العربي.

واستفادت حكومة الدبيبة من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وحاجة السوق الأوروبية إلى بديل عن الغاز الروسي، عبر توقيع اتفاقيات طويلة الأمد في مجال الطاقة مع إيطاليا وتركيا، وصلت قيمتها إلى 8 مليارات دولار لمدة 25 سنة.

معادلات الملف الليبي متحولة الطابع، وتعتمد على البراجماتية بشكل كبير، وهناك مُناخ يتفق على اقتراب مراحل التسوية السياسية بشأن ليبيا، مع استمرار "التجييش" الغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، واستمرار التداعيات على أسواق الطاقة في أوروبا، لتصبح ليبيا أحد البدائل المهمة.

ولهذا تتنافس القوى الليبية على تليين المواقف بينها، لتكون جزءا من تفاصيل التسوية السياسية، وستظل العلاقات يسودها التغيير بحسب ديناميكية الأحداث، ونتائج المبادرات والمباحثات المختلفة، التي كلما وصلت إلى نتيجة، تعود إلى المربع الأول، وكأن الأزمة لا تبرح مكانها.

القلق يسود الأطراف الأممية والدولية والإقليمية حول مدى إيمان القوى الليبية بضرورة حل الأزمة، فالوضعية السياسية القائمة مستمرة، مهما طرحت مبادرات ووساطات، ولو تقدمت المفاوضات تتراجع مع الوقت، ويبقى الحال كما هو دون تقديم تنازلات لمصلحة الشعب الليبي، ما أدى إلى وجود حكومتين ومجلسين تشريعيين متوازيين في بلد واحد.

تعقيدات الأزمة الليبية لا ترتبط بالمشهد الداخلي وحسب، بل مرتبطة أيضا بتحركات القوى الدولية، فمن جانب راقبنا زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، وليام بيرنز، إلى طرابلس، وما تلاها من تصريحات تعكس "ضبابية" رؤية إدارة بايدن، ما قد يزيد حالة الانقسام بين القوى الليبية، ويبدو أن واشنطن نقلت صراعها المفتوح مع موسكو إلى عدة ساحات، وإحداها المشهد الليبي، ومن جانب آخر التوجه الأوروبي، الذي يقدم مصالحه الاقتصادية، في محاولة للاستفادة من إمدادات الطاقة الليبية.

لهذا لا يمكن التعويل على بعض القوى الدولية في فك تعقيدات المشهد الليبي، لأنها منشغلة باستقطاب القوى الداخلية، دون النظر إلى ماهية الخلاف الأصلي وتاريخه بين مختلف المكونات، وما أفرزته السنوات الماضية من صراعات حول نظام الحكم، وتوزيع المناصب والصلاحيات، وصولا إلى آليات الانتخابات.

لا يكفي التفاؤل وحده لحلحلة الأزمات في ليبيا، بل الواقعية مطلوبة عبر الاستفادة من التجارب، فالجميع يدرك أن مشاريع المصالحة السابقة في ليبيا آلت إلى الفشل، وأدت إلى انقسام القوى الليبية، ولو أني لا أحبذ العودة للوراء لحل التوترات من جذورها، إلا أن التقدم للأمام لن ينجح دون فهم طبيعة الخلافات وأصلها.

حل الأزمة الليبية مرتبط بعدة عوامل لنجاح المصالحة الوطنية، ولعل أبرزها هو طيّ صفحة الماضي عبر الحوار بين الأطراف كافة، ودون استثناء، والتخلي عن خطاب المنتصر والمستفيد، والتوقف عن ثقافة الإقصاء، مع وضع المصلحة العامة لليبيا وشعبها كإطار أساسي للحوار، ولا بد من إنهاء سلطة المليشيات، وأخيرًا وضع خارطة طريق مبتكرة بدعم عربي تنقل ليبيا من الانقسام إلى الاستقرار.