معن بشور يكتب:

عروبة الملاعب

كلنا يذكر قصيدة الشاعر الملهم احمد فؤاد نجم التي غنّاها الفنان المبدع الشيخ امام:

"رجعوا التلامذة

يا عمّ حمزة

للجدّ تاني،

لا كورة نفعت ولا أونطة

ولا المناقشة وجدل بيزنطة".

يومها كان هناك شعور لدى الكثير ممن يعمل في الشأن العام أن مخطط ابعاد الأجيال الجديدة عن الهموم الوطنية والقومية والاجتماعية يرتكز على تشجيع الرياضة وتوزيع الجماهير بين مشجّع لهذا النادي او ذاك، حتى قيل أن الفرق الرياضية باتت أحزاب العصر.

لكن ما يجري هذه الأيام سواء في الملاعب او في وقفات العديد من الرياضيين البارزين في اكثر من بلد عربي، الرافضين للعب مع لاعبين إسرائيليين في بطولات عالمية، يؤكد أن ذلك المخطط المشبوه قد فشل وأن شبابنا يعبّرون عن مشاعرهم القومية والوطنية عبر الرياضة، كما عبّر في كافة مجالات الحياة.

ولا يكاد يمّر علينا أسبوع دون أن نقرأ عن لاعب أو لاعبة عربي يرفض الاشتراك في بطولة عالمية لوجود صهاينة فيها، ونسمع عن دول إسلامية كماليزيا ترفض ادخال فريق الى بلادها للمشاركة في بطولة عالمية "للسكواش" فيلغي الاتحاد العالمي لهذه اللعبة البطولة في ماليزيا، تماماً كما منع الاتحاد العالمي لبطولة الألعاب القتالية اللاعب الجزائري فتحي نورين من المشاركة في البطولة العالمية لسنوات لرفضه مقابلة لاعب صهيوني.

ولقد لاحظنا كيف تتحوْل الملاعب نفسها الى ميادين تعبّر من خلالها الجماهير عن عمق انتمائها للأمة العربية وعلى تمسكها بقضية فلسطين، فنرى مشاهد يعتزّ بها المرء في ملاعب الجزائر والمغرب حيث تتحوّل المدرجات الى مهرجانات صاخبة تغني لفلسطين، ورأينا فريق الجزائر بعد فوزه في مباراة في مونديال العرب يحمل اعلام فلسطين فرحاً بالفوز، فيما قائده يعلن انه "لا يخاف إلاّ من اللعب مع فريق فلسطين، لأنه اذا فاز عليه فجماهير الجزائر ستعاقب فريقها لدى العودة الى بلاده لأن الجزائريين يرفضون ان تخسر فلسطين حتى في الملاعب"..

ولقد جاء مونديال العرب في قطر هذه الأيام ليؤكد من خلال الروح الأخوية التي برزت بين الفرق العربية من دول متخاصمة حكوماتها، كما من الجماهير المؤيدة لهذا الفريق أو ذاك. بل الروح التي تبرز من خلال التعاطي مع فرق تنتمي الى دول جريحة، فالهتاف والتصفيق لفريق فلسطين في افتتاح الدورة كان لافتاً، والحماسة لفريق اليمن كانت معبّرة، والامر ذاته مع الفريق السوري الذي اظهر مؤشرات لافتة رغم الظروف الصعبة التي تعيشها بلاده.

امّا من يسأل عن "أين العرب والعروبة" ، فليس لنا سوى احالته الى الملاعب ليدرك ان عروبة الامة وتمسّكها بفلسطين ورفضها التطبيع هو الحقيقة الأقوى رغم كل ما تعانيه هذه الهوية والقضية من محاولات تفتيت وتمزيق وشيطنة وإثارة نعرات وعصبيات ضيقة بوجهها.