هاني مسهور يكتب:

اليمنية.. الظاهرة الغابرة

فعلتها «سكاي نيوز عربية» وكسرت النافذة المغلقة على امتداد عقود من الزمن. ودخل الضوء للغرفة الموصدة أبوابها ونوافذها، بل والمحرم الاقتراب منها حتى جاء أحد ما وترك أشعة الشمس تدخل وتكشف حقيقة «اليمننة» كمصطلح سياسي طارئ في التاريخ. فلم تكن هناك دولة تحمل اسم اليمن حتى 1918 عندما أعلن يحيى حميد الدين قيام المملكة المتوكلية اليمنية وكانت المرة الأولى في التاريخ يظهر فيها اسم اليمن سياسياً.

حقائق التاريخ لا تنسجم مع منسوجات متوغلة عميقاً في التراث العربي المتراكمة عليه أكوام من الأتربة، والتي تخالف الحقائق وتدعي أشياء كتبها الهمداني في العصر العباسي، ككثير من تلك الكتب المنسوجة في أعقاب الحقبة الأموية والصراع الامبراطوري الذي ترك مجموعات هائلة من كتب التراث المحفوظة دون مراجعة وتدقيق في محتوياتها، ومنها ما جاء به همداني صنعاء في القرن الثالث الهجري.
«اليمانيون الجدد» قد يكون اصطلاحاً لحركة تنويرية يمانية وفقاً لحقيقة اللحظة الواعية ما بعد يوليو 2015 وتحرير العاصمة الجنوبية عَدن والتمسك الجنوبي بالهوية العربية المكونة لنسيج الاتحاد العربي من شبه جنوب جزيرة العرب، وهي ما يعبر عنه الدكتور سعيد الجريري بأن اليمنيين وقفوا للمرة الأولى أمام المرآة ليروا أنفسهم عراة بلا مملكة ولا جمهورية ولا إمامة، والأكثر من ذلك بلا هوية واضحة المعالم والشكل، فيحاولون التستر من حالة الفضيحة بالبحث عن هوية ضاعت في سياقات صراعات القبائل الزيْدية ومحاولاتها المستدامة القضاء على معقل الشافعية في تريم الحضرمية.
لا يمكن تجاهل أن ثمة حراكاً واسعاً في الفكر اليمني كنتيجة طبيعة لما آل إليه الحال. وهذا الحراك، وإنْ بدا في شكل منه يحمل جلداً للذات اليمانية، غير أنه في شكل آخر، خلق تياراً عنصرياً ينادي بالقومية اليمنية، التي يحاول أصحاب ذلك التيار استدعاء «الأقيال» من بدايات التاريخ لتسويغ فكرة اجتثاث الهواشم من اليمن الأعلى في استحداث صراع عرقي، لم يكن موجوداً ضمن الصراعات والنزاعات اليمانية التاريخية.
الحكمة اليمانية تَبقى هي الحاكمة لهذه المناقشات الفكرية الحادة والمسمومة كذلك، لا يجب ترك حوارات مفتوحة بغير ضوابط وبغير معايير تتقاذفها الأفواه وليس العقول في توقيت الانهزام اليماني الكبير والإقرار الكامل بفشل كل المساعي الممكنة لانتقال اليمن من القرون القديمة للقرن التاسع عشر على الأقل، هذا الإقرار بالفشل مهم للغاية، ولكن لا يجب توظيفه لخلق نسق صراع جديد واستحداث أزمة أخرى تضاف لأزمات مستعصية في البلاد اليمانية. عدن يمكنها أن تلعب دوراً هنا بشرط أن تستكمل حصولها على حقها في الأمن، ثم تحتضن مؤتمراً تأسيسياً لليمانيين الجدد كما يحلو للأستاذ لطفي نعمان، يحددون فيه هويتهم، فهذه هي الخطوة الأولى لتأسيس أول دولة وطنية يمنية في التاريخ، مع أهمية مساهمة المنظومة الدولية في المساعدة على التكون والتشكل السياسي والاقتصادي.
عرف الرئيس الراحل علي عبدالله صالح وهو تحت تأثير اهتزاز النظام السياسي أن يزرع في ذهنية اليمنيين (الصوملة) تخويفاً وترهيباً لهم برغم أنهم يعيشون سياق تجربتهم الذاتية العابرة للعصور والتاريخ.
فاليمننة ليست ظاهرة مستحدثة، بل هي الحقيقة العابرة للتاريخ باستدامة الصراعات والنزاعات في المركز المقدس للهضبة الزيدية، التي عرفت كيف تترك للثرثرة اليمانية فراغاً واسعاً يستهلك فيه اليمانيون القدماء والجدد إهدار الوقت والطاقات والفرص. وتبقى اليمن كما هي حضوراً في التراث القديم، بلا أثر في الحاضر ولا عنوان في المستقبل، ثرثرة القات لن تخلق دولة. فالأحلام لا تتحول إلى واقع بغير إدراك لمقتضيات الواقع الأليم.
---------------------------------------
المصدر| صحيفة الاتحاد