د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حديث الذكريات (33) مناجاه أناشدك الله يا عدن !!
أناشدك الله يا عدن يا من استوطنت قلبي وخلايا ذاكرتي ومسام جسدي وأحببتك بجبالك، بشواطئك، بمبانيك، وأسواقك وسكانك الطيبين منذ أن غادرتك وأنت ترحلين معي في شراييني... أناشدك الله يا عدن أن لا تنسي كل أحبابك وعشاقك الطيبين المسالمين!! .. منذ أن غادرتك وأنا أجوب البلدان، عبرت
الفضاء آت والبحار والأنهار والمدن فلم ارض بغيرك بديلا!!
جلست على ضفاف دجله ، وحفرت اسمي واسمك على ضفافه .. وكتبت اسمك على كتبي ودفاتري ، وبكيت عليك ، ركبت قاربا في النيل وحفرت اسمك عليه.. تذكرتك وانا على ضفاف النهر الأصفر في الصين ..وتساقطت دموعي حزنا عليك !!
وجلست يوما مع أصدقائي السوريين في أحد مطاعم عين الفيجه وتذكرت أهلي وخلاني في الجنوب وحبست دموعي لكي لا يراني أحد منهم وغسلت وجهي بالماء البارد الذي يجري في نهر بردى وحمل دموعي ولم يحملني إليك.. انتظرت طويلا في مطارات العالم وفي كل مكان أرحل إليه.. وأنا أحلم بالوصول إليك ولم أصل حتى اليوم !! تعذبت لكي اجتاز الحواجز والجمارك.. في بلدان عديدة ولم يرحبوا بي مثلما كنت ترحبين بأبنائك.. ينظرون إلي بعيون الشك والريبة .. يسألون عن هويتي؟؟، وأنت لم تسأليني لأنك تعرفين ملامحي ، بل كنت تطوقينني بذراعيك .. وتهشين وتبتسمين لي كلما زرتك أثناء دراستي في الخارج وأنا لا زلت يافعا في شرخ الشباب لا يعرف الكره ولا الحقد ولا الشعارات ..تسكن قلبه البراءة والسكينة والوداعة . عدن يا أجمل من ربات الجمال فينوس وعشتار ، إن الحر لا ينسى ذكرياته وأحلامه وجذوره وهويته مهما قسا عليه الزمن ..لقد شاء القدر أن أفارقك، وفي خضم ألمي ولوعتي ويتمي وغربتي حتى أخذ الله بيدي فعشت واستقريت في أكرم وأقدس وأطهر بلاد الله ...بلاد الحرمين الشريفين لقد احتضنتني وآوتني. فبدلت خوفي أمنا وكربي أمانا.. وفقري سترا ويسرا، وجدت فيها وفي أهلها ما
افتقد ته فيك يا بلادي الأمن والأمان والعمل والخير والإيمان ونور الإسلام.. لقد عشت فيها منذ كنت صبيا عشت عزيزا مكرما ..ولم أزرك يا عدن منذ سنوات طوال وحال بيني وبينك النظام القمعي الشمولي وكنت أتمنى أن ألثم ثراك قبل أن أموت!! ورحلت إلى بلاد الشام للعلم والدراسة والزيارة فنهلت من علومها ..وتعلمت من أدباءها وعلمائها وكان لي شرف مصاهرة أهل الشام وأحببت زهرة من بناتها فكانت لي سندا وعونا في دروب الحياة العسيرة تذكرني بياسمين الشام التي تزين الحدائق وشرفات المنازل ، وكروم العنب المعلقة على العرائش في الغوطة الشرقية التي لا يضاهيها في الجمال إلا القناديل الملونة والمعلقة في شرفات البيوت في حي المهاجرين وسفح جبل قاسيون .. وسهل الزبداني وهضاب بلودان التي تعانق القمر والنجوم.. وكلما جلست على ضفاف نهر بردى أتذكرك يا عدن وموطني الجنوب وينهمر الدمع من عيوني ويحرق أجفاني!!
واساني أهل الشام الكرام في محنتي ومأساتي عندما أصبحت بلا وطن فتحوا لي بيوتهم وقلوبهم أحبوني وأحببتهم .. فنانون.. علماء.. شعراء.. كٌتاب طلاب رسامون.. مبدعون وطالت جلساتنا ونقاشاتنا في جامعة دمشق ومكتبة الأسد وفي قهاوي الروضة والحجاز والنوفرة ووادي بردى.. ولم أشعر يوما أنني غريب في بلاد الشام!!
إن رحلتي خارج أسوار الوطن مثل عشرات الألوف من أبناء وطني لا زالت مستمرة حتى اليوم !! ورغم قسوة الفراق ما زلت أردد قول الشاعر العربي:
وطني لو شغلْت بالخلد عنه.. نازعتني إليه في الخلد نفسي.
الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلّا في تربة المحبة وتسقى بالصدق والتسامح . الوطن هو المكان الذي نحبه، فهو المكان الذي قد تغادره أقدامنا لكن قلوبنا تظل معلقة فيه.
د. علوي عمر بن فريد