بدر قاسم محمد تكتب:

دور الاتحاد الاوروبي في اليمن بين الأرجحة والمحاكاة

بمنطق الثقل السياسي والاقتصادي، آلت تركة الاتحاد الأوروبي عقب خروج المملكة المتحدة منه إلى كل من فرنسا وألمانيا الاتحادية، يُعزز هذا تصريح بريطانيا مؤخراً بعدم رغبتها في السير في إجراءات الخروج الاقتصادي الآمن والسلس.


عموماً، الخروج جعل حراك بريطانيا السياسي والدبلوماسي خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، أكثر خفة وتنصّلاً من قيود الاتحاد الأوروبي وقوانينه الناظمة لتحركات أعضاءه. يرى البعض أنّ هكذا خطوة حوّلت بريطانيا إلى ذئب منفرد عن القطيع الأوروبي في وضع الحظيرة المسوّرة بجدار برلين العالي وتعملق الاقتصاد الألماني على حساب تحجيم وتقزيم بريطانيا، إضافة إلى الضرر الذي سببته قوانين اختلاط الأجناس الأوروبية بقومية بريطانيا العظمى.


الحراك السياسي الأمثل لألمانيا في المنطقة هو الذي تجريه تحت مظلة الاتحاد الاوروبي بصفتها القيادية المسيطرة اقتصادياً. بينما يتراوح دور اللاعب الفرنسي بين هذا وذاك، تارة يستظل بالاتحاد وأخرى ينفرد بذاته كي يضطلع هو الآخر بممارسة دوره التاريخي في المنطقة، كما يفعل حالياً في لبنان وفعل في سوريا ومازال يفعل في المغرب العربي.


ربما عموم الحالة العربية يلخصّها خصوص الحالة اليمنية. تربط كل من فرنسا وألمانيا باليمن مصالح اقتصادية كبرى أسندها مشروع الوحدة اليمنية بين اليمنين الشمالي والجنوبي. بينما لا يسندها أي مسار تاريخي يُذكر أو يحاول أن يضع الجنوب في سياج سياسي محكم، صنعه المسمّى الجهوي "اليمن"، الجهة الجغرافية للوجهة الديموغرافية إلى جنوب شبه الجزيرة، التي ضدها "الشام" لشمال شبه الجزيرة.


من المفترض أن يمثّل تهديد بقاء دولة الوحدة اليمنية - "الجمهورية اليمنية 22 مايو 1990" -، تهديداً لبقاء مصالح البلدين القيادين للاتحاد الأوروبي، المصالح التي تتركز حالياً في الجنوب. وعلى هذا الأساس تتأرجح مواقفهما السياسية من أزمة اليمن الحالية بين الأطراف الثلاثة الفاعلة، حكومة الرئيس هادي بصفتها الممثل الشرعي للبلاد والرابضة الآن على مناطق الثروة والنفط، الجماعة الحوثية بصفتها المسيطرة على العاصمة صنعاء التي ما زالت تُعتبر الممر الشرعي لشبكة المصالح والإجراءات الروتينية، المجلس الانتقالي الجنوبي بصفته الممثل الشرعي للجنوب والقادر على تقرير بقاء المصالح الاقتصادية من عدمها.

بداية انطلاق عملية عاصفة الحزم العسكرية في مارس 2015 شهدنا حينها فزعاً فرنسياً ملحوظاً ورحلات مكوكية وتصريحات دبلوماسية كانت تتفق كثيراً مع وجهة نظر الرئيس السابق صالح أثناء تحالفه السياسي والعسكري مع الجماعة الانقلابية الحوثية. آنذاك كانت الدبلوماسية الألمانية حبيسة الكبت ومحاولة استيضاح الرؤية والمآلات، لكن يبدو جلياً تفضيلها الاقتراب من الرأي الفرنسي وعدم اعجابها بأداء الطرف الحكومي.


فجّر المؤتمر الذي عقدته ألمانيا في العاصمة برلين مطلع العام المنصرم بخصوص الأزمة في اليمن، ولم تكن الحكومة مدعوّة للمشاركة فيه، أزمةً بين ألمانيا والحكومة اليمنية عبّرت الأخيرة عن حنقها واستنكارها ببيان شديد اللهجة.


جاءت أزمة الحرب التي اندلعت بين الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية في شبوة أغسطس 2019، لتُفصح عن موقف ألماني يتصف بأنّه إلى حدٍ ما مناوئ للحكومة، في هذه الأثناء وقبلها كانت الدبلوماسية الفرنسية السبّاقة في عقد اللقاءات المتكررة مع رئاسة الانتقالي الجنوبي.


يوم أمس الأربعاء أعاد المجلس الأوروبي للسياسة الخارجية  - وهو مؤسسة فكرية دولية حائزة على جوائز تهدف إلى إجراء أبحاث مستقلة ومتطوّرة حول السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية وتوفير مساحة اجتماعات آمنة لصناّع القرار - في تقرير له طرح رؤى وأفكار تتفق كلياً مع الأرجحة السياسية لقيادة الاتحاد الأوروبي التي تهدف للحفاظ  بأكبر قدر ممكن على بقاء المصالح الأوروبية من منظور ألماني فرنسي بحت، مازال يجزر في جانب الحكومة الشرعية ويمدّ لجانب الجماعة الحوثية ويسوّي مساحة وسطية تلتقي عندها جميع الأطراف المنهكة تماما. يُلمّح لاعتراف ضمني بالحوثيين وتشتيت فعلي للأطراف التي تدعمها السعودية والتحالف العربي.

الخطير أنّ هذه الرؤية جاءت في لحظة يكون الطرف الحكومي الذي تقوده جماعة الإخوان (حزب الإصلاح) ميّالاً أكثر للقبول بها والطمأنينة لها، الحالة التي تُحاكي إلى حدٍ كبير سلوك الإخوان السياسي والعسكري لصالح الحوثيين. أظنّها تكشف أيضاً حقيقة هذا السلوك والجهات التي تقف وراءه على أرض الواقع وتتعدى الحديث عن دولة قطر وتركيا من منظور عقائدي وفكري إلى منظور المصالح والاقتصاد الذي يفسّر وجود بؤر الفساد المالي والإداري بين الجماعتين الانقلابية الحوثية والحكومية الإخوانية.

ألمح المجلس الأوروبي أيضاً، إلى انحسار الدور الأوروبي في اليمن لحساب الرباعية الدولية (أمريكا وبريطانيا والسعودية والامارات) ونصح باستعادته واعتبار الرؤية التي تعتزم كل من ألمانيا والسويد تقديمها للأمم المتحدة مدخلاً له.