قصف جوي إسرائيلي في الجنوب والبقاع..
هل تنهار الهدنة؟ غارات إسرائيلية تعيد لبنان إلى حافة الحرب الشاملة
اخترقت مقاتلات إسرائيلية الأجواء اللبنانية لتنفيذ سلسلة غارات مركّزة، حملت رسائل عسكرية واضحة مفادها أن تل أبيب مستعدة لإعادة فتح جبهة الشمال إذا لم تُقدِم بيروت على خطوات ملموسة تجاه نزع سلاح "حزب الله".
غارات غير مسبوقة على جنوب وشرق لبنان بعد تهديدات إسرائيلية بإشعال الجبهة اللبنانية
عادت الأجواء اللبنانية، السبت، لتشهد واحداً من أعنف أيام التصعيد منذ أشهر، بعدما شنّ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة واسعة من الغارات طالت الجنوب والبقاع، في خرق مباشر لوقف إطلاق النار المبرم مع "حزب الله". وتزامنت الضربات مع رسائل عسكرية وسياسية من تل أبيب مفادها أن العودة إلى الحرب الشاملة ليست سيناريو مستبعداً، ما لم تُقدِم بيروت على خطوات ملموسة لنزع سلاح الحزب، وهو الشرط الذي تتمسك به الحكومة الإسرائيلية منذ بداية المواجهات عام 2023.
ويأتي هذا التصعيد في ظل صمت أميركي يُقرأ في بيروت على أنه ضوء أصفر يسمح لإسرائيل بالضغط على الحكومة اللبنانية لدفعها نحو تنفيذ بند «حصر السلاح» الذي تطالب به واشنطن منذ سنوات، خصوصاً بعد فشل الجيش اللبناني في فرض أي إجراءات على "حزب الله" منذ توقيع اتفاق وقف النار.
ورغم أن الحكومة اللبنانية تؤكد أنها "ماضية في خطة حصر السلاح بيد الدولة"، إلا أنها في الوقت ذاته تندّد بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وتحذّر من أن استمرار التصعيد قد ينسف مجمل التفاهمات التي أعادت الهدوء النسبي بعد حرب 2024.
وذكرت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن مسيّرة إسرائيلية استهدفت سيارة على طريق وادي نحلة بين بلدتي شقرا ومجدل سلم في قضاء مرجعيون، من دون الإعلان عن نتائجها.
وفي وقت سابق، نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات على أطراف سهل كفررمان في قضاء النبطية، استهدفت المناطق الواقعة بين المحمودية والعيشية والجرمق، قبل أن يطلق صاروخين جو–أرض باتجاه المنطقة ذاتها.
وامتد القصف إلى البقاع الأوسط، حيث شنّت مقاتلات إسرائيلية غارتين على أطراف بلدة شمسطار غرب بعلبك، بالتزامن مع ضربات أخرى على منطقة الجبل الرفيع قرب عربصاليم في النبطية. كما سجلت الوكالة "تحليقاً مكثفاً للطيران المسيّر" فوق بلدات الجنوب، ما يشير إلى حالة استنفار عملياتي قد تتطور في أي لحظة.
وفي حادث منفصل صباح السبت، قتلت غارة إسرائيلية بطائرة مسيّرة الشاب كامل رضا قرنبش على طريق عين السماحية في بلدة زوطر الشرقية بقضاء النبطية، حسبما نقلت الوكالة اللبنانية التي لم تقدّم مزيداً من التفاصيل.
في المقابل، أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش نفّذ "موجة من الغارات" على سهل البقاع والنبطية، قائلة إن دوي الانفجارات سُمع في الجليل الشرقي وشمال رام الله. غير أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية امتنعت عن إصدار بيان رسمي حول العمليات، مكتفية بالقول إن "الوضع على الجبهة الشمالية لم يتغير" وإن التعليمات المدنية لا تزال كما هي.
وعلى المستوى السياسي، أثارت تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون جدلاً واسعاً هذا الأسبوع، بعدما قال إن "حزب الله بشقه العسكري انتهى، ولا خيار أمامنا سوى التفاوض"، في إشارة إلى أن قدرات الحزب تراجعت بشكل ملحوظ بعد حرب 2024. إلا أن دوائر سياسية في بيروت اعتبرت أن التصريح يهدف بالأساس إلى امتصاص الضغوط الأميركية والإسرائيلية وليس تعبيراً عن موازين القوى الفعلية على الأرض.
وتشير تقارير إلى "غضب أميركي" من أداء الجيش اللبناني، الذي ترى واشنطن أنه لم يتخذ خطوات عملية لنزع سلاح الحزب، رغم التعهدات التي تضمنها اتفاق وقف إطلاق النار.
وكان اتفاق وقف إطلاق النار قد أنهى الحرب التي اندلعت في أكتوبر 2023 وتحوّلت إلى حرب شاملة في سبتمبر 2024، مخلفةً أكثر من 4 آلاف قتيل و17 ألف جريح. ونص الاتفاق على انسحاب إسرائيل من خمس تلال احتلتها خلال المعارك خلال مدة 60 يوماً، إلا أن تل أبيب لم تنفذ الانسحاب، وتواصل الاحتفاظ بمواقع لبنانية أخرى منذ عقود.
التصعيد الأخير يعيد التساؤلات حول مستقبل الهدوء الهش على الجبهة اللبنانية، في ظل غياب أي ضمانات أميركية واضحة، وتصاعد التحذيرات الإسرائيلية، وتصلّب موقف "حزب الله" الذي يرفض تسليم سلاحه أو تعديل قواعد الاشتباك.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الأيام المقبلة قد تشهد إما عودة إلى تفاهمات جديدة عبر قنوات خلفية، أو انزلاقاً تدريجياً نحو مواجهة أشمل، خاصة أن الطرفين يدركان أن أي حرب مقبلة ستكون أكثر كلفة وأعمق تأثيراً على بنية الأمن الإقليمي كله، وليس لبنان وحده.


