(3) سنوات من اتفاقية الرياض و(7) أشهر من نتائج المشورات اليمنية..

الاتفاقيات السياسية -2019-2022م.. إنجازات التحالف العربي بين الواقع المأمول والقادم المجهول

لا شك في أن سبب الأزمة الطويلة بين طرفي الشرعية يعود جزئياً إلى تعنت الاخوان المسلمين اليمنية، معرقلي تنفيذ السلام والمستفيدين من الصراع، سواء كانوا أمراء حرب أم منتجي أسلحة، أن يعيدوا النظر في مواقفهم نظراً للدمار الذي يلحقونه باليمن

مراسيم توقيع اتفاقية الرياض بين حكومة اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة السعودية الرياض يوم الخامس من نوفمبر تشرين الثاني 2019م - أرشيف

فريق التحرير
فريق تحرير صحيفة اليوم الثامن
عدن

   ملخص الورقة البحثية: تدرس هذا الورقة (اتفاقية الرياض الموقعة في 5/10/ 2019م، ونتائج مشاورات الرياض الموقعة في 3/ 2022م بين طرفي الصراع في المحافظات اليمنية المحررة (الشرعية) والمجلس الانتقالي الجنوبي، محاولة معرفة واستجلاء مساراتهما وقراءة ما نفذ منهما وما رافقهما أزمات وتحديات، مفندة أبرز ما تحقق منهما ومؤشرات المخاطر في حالة عدم استكمال تنفيذ بنودهما ومتابعة سير نجاحهما.  

وتتكون الورقة البحثية من مقدمة أبرزت ماهية الاتفاقيتين وأهميتهما ودلالتهما ودورهما الإيجابي في سبيل الخروج من حالة الصراع الذي دخل عامه الثامن في اليمن وبين الطرفيين الموقعين على الاتفاقيتين عامه الرافع وبعد مرور (3) سنوات من اتفاقية الرياض و (6) أشهر من نتائج مشوراتها.. وما زالت إنجازات التحالف العربي بين الواقع المأمول والقادم المجهول، فقد رافقتها عدد من التحديات والأزمات التي رافقت تنفيذ بنود تلك بالوثيقتين، رغم أن الأطراف الموقعة والمشرفة على توقيعها قد وقفت عند إرهاصات الفشل التي بدت تتشكل مؤشراتها لاسيما بعد مرور جزء كبير من الفترة المزمنة في بنودها.

وقد توصلت الورقة البحثية لعدد من النتائج:

1-    تحققت عدد من البنود لاسيما في المجال السياسي، نحو تشكيل الحكومة وتغيير بعض المحافظين.

2-    عدم تنفيذ الشق العسكري والمتمثل في استخراج القوات العسكرية من حضرموت وشبوة والمهرة لمواجهة القوات الحوثية.

3-     بروز الجماعات الارهابية المتطرفة،

4-    الانهيار في المجالين الاقتصادي والخدمي.

وقد اختتمت الورقة البحثية بجملة من التوصيات منها: الضغط على الطرفين الموقعيين السرعة في تنفيذ بنود الاتفاق والالتزام بتعهداتهم للتحالف العربي في توحيد الجبهات لمواجهة المليشيات الحوثية والإرهابية، والسرعة في اتخاذ قرار تاريخي بهدف انقاد اليمن من التدخلات الأجنبية. 

المقدمة:

أدى التوقيع على اتفاقية ومشاورات الرياض وخطة تنفيذهما في تشرين الثاني إلى ارتياح كبير لدى الأطراف المتصارعة وشعر الجميع بتلك التسوية السياسية بالارتياح لأنها جنبتهم الصراع المسلح، وتسهم في الانطلاق على مسار الاستقرار والتنمية، مع وعود من المانحين الإقليميين والدوليين بتقديم المعونة للتنمية. وللأسف كان مسار تحقيق الاستقرار مليئاً بالعراقيل، كما أن ضعف تنفيذ اتفاقية الرياض ونتائج مشاورات الرياض المسنودة من مجلس التعاون الخليجي حوّل الاتفاق السياسي النموذجي إلى أزمة طال أمدها.

يحاول فريق التحرير الصحفي في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات تقديم قراءة تحليلية  للأسباب التي أدت إلى فشل الجهود الرامية لحل الأزمة السياسية وإنهاء الحرب، وكيف يمكن للجهود المستقبلية أن تتجنب إخفاقات مماثلة نابعة من سوء تقدير أو سوء إدارة مفاوضات السلام أو تدخّل اللاعبين الإقليميين والدوليين بأجنداتهم وتنافسهم.

لا شك في أن سبب الأزمة الطويلة بين طرفي الشرعية يعود جزئياً إلى تعنت الاخوان المسلمين اليمنية، معرقلي تنفيذ السلام والمستفيدين من الصراع، سواء كانوا أمراء حرب أم منتجي أسلحة، أن يعيدوا النظر في مواقفهم نظراً للدمار الذي يلحقونه باليمن، ومن أجل التخفيف من خطر انتشار الصراع إلى بلدان أخرى في المنطقة. ولا يمكن تحقيق هذا دون حمل اللاعبين غير اليمنيين على إنهاء صراعهم بالوكالة في اليمن. ولذلك، يجب على مجلس الأمن بذل جهود متضافرة تماماً لرعاية القوى الإقليمية والدولية للاتفاق على عملية سلام تشكل حجر الأساس لمفاوضات شاملة بين اليمنيين. ويجب أن تعيد جمع اليمنيين إلى طاولة المفاوضات، دون أي استثناءات أو شروط مسبقة، وتحميلهم مسؤولية التفاوض على اتفاق سلام عادل ومنصف للجميع مع توفير الضمانات والحوافز اللازمة من القوى الدولية والإقليمية. وفي الوقت نفسه، يجب أن يفهم معرقلو عملية السلام من اليمنيين عواقب أفعالهم.

مشكلة البحث

ستحاول المؤسسة من خلال هذه الورقة البحثية تقديم إضاءة موجزة على اتفاقية الرياض ونتائج المشاورات المنبثقة عنها والتي وقعت بين الحكومة اليمنية (الشرعية) والمجلس الانتقالي الجنوبي في 5/10/ 2019؛ ولكونها، مسعى لإنهاء الصراع بين الطرفيين بهدف توحيد الجهود تحت راية التحالف العربي لمواجهة الجماعات الحوثية، وقد جاء هذا الاتفاق بعد الصراع الذي دار بينهما في بداية أغسطس2019.

وتمحور السؤال الرئيس للبحث حول ما مدى نجاح تنفيذ بنود اتفاقية الرياض ومشاورات الرياض الموقعة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي؟

ويتفرع عن ذلك السؤال عدد من الأسئلة الفرعية، هي:

-        اتفاقية الرياض ومشاورات الرياض الماهية والاهمية والدلالات؟

-        ما هي الإنجازات التي تحقق من تلك الاتفاقيين؟

-        ماهي المخاطر والتحديات التي قد تترتب مع عدم تنفيذ بنود الوثيقتين

-        ماهي المعالجات المقترحة للإنجاح تلك الاتفاقيين

حيث تشير الورقة في مطلبها الأول: ماهية اتفاقية الرياض والمشاورات الناتجة عنها، ومعرفة أهميتها وأبعادها ودلالتها، وفي المطلب الثاني، يناول أبرز النجاحات التي تحققت، وكذلك الإخفاقات والتحديات التي رافقت عملية التنفيذ، وفي المطلب الثالث، تناولت الورقة بإيجاز السيناريو المتوقع من فشل اتفاقية الرياض ونتائج مشاوراتها، وسوف تختتم الورقة بعدد من التوصيات.

المطلب الأول: اتفاقية ومشاورات الرياض، الماهية والأهمية    

أولا: اتفاقية الرياض:

هي اتفاقية وقعت بين الحكومة اليمنية (الشرعية) والمجلس الانتقالي الجنوبي في 5/10/ 2019؛ وبرعاية دول المملكة العربية السعودية، وتهدف إلى إنهاء الصراع بين الطرفيين اللذين يمثلان الشرعية في اليمن، لغرض توحيد الجهود تحت راية التحالف العربي لمواجهة الجماعات الحوثية، وقد جاء هذا الاتفاق بعد الصراع الذي دار بينهما في بداية أغسطس2019م ([1]).

وقد اشتمل الاتفاق على بنود رئيسة، إضافة إلى ملحق للترتيبات السياسية والاقتصادية، وملحق للترتيبات العسكرية وآخر للترتيبات الأمنية، وبموجب هذا الاتفاق التزمت حكومة الشرعية والمجلس الانتقالي بعدد من المبادئ الرئيسة لتنفيذها خلال الفترة المقبلة، ويأتي في مقدمتها:

-        تفعيل دور كافة سلطات ومؤسسات الدولة حسب الترتيبات السياسية والاقتصادية.

-        إعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع حسب الترتيبات العسكرية.

-        إعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية حسب الترتيبات الأمنية.

وتخضع عملية تنفيذ هذه البنود لإشراف لجنة سعودية مكونة لهذا الغرض، وبموجب اتفاق الرياض فأن السعودية تقديم نفسها كضامن لتكوين حكومة يمنية أكثر فاعلية وتشاركية، فاتفاق الرياض جاء كثمرة الجهود المكثفة التي بذلتها السعودية والإمارات بهدف توحيد صفوف مكونات الشرعية والانتقالي للقضاء على مليشيات الحوثي واستئناف عمليات التنمية.

ثانيا: المشاورات اليمنية اليمنية.

والمشاورات اليمنية - اليمنية في الرياض، هي مبادرة خليجية وقعت في تاريخ 29 مارس – 7 أبريل 2022م بين طرفي الصراع الشرعية والانتقالي، وتلك المبادرة قادتها دول مجلس التعاون الخليجي بين الطرفين الموقعين على وثيقة الرياض وهي استكمالا لبنود اتفاقية الرياض التي تهدف الى إنهاء الصراع بين الطرفيين اللذين يمثلان الشرعية في اليمن، لغرض توحيد الجهود تحت راية التحالف العربي لمواجهة الجماعات الحوثية، وقد جاء هذا الاتفاق بعد الصراع الذي دار بينهما.

أولاً: تعزيز مؤسسات الدولة ووحدة الصف

ثانياً: أولوية الحل السياسي

ثالثاً: استكمال تنفيذ اتفاق الرياض

رابعاً: الحفاظ على الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب

خامساً: التعافي والاستقرار الاقتصادي وحوكمة الموارد المالية للدولة وإدارة الموارد الطبيعية للبلاد:

سادساً: تطوير آليات الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد

سابعاً: معالجة الآثار الاجتماعية للحرب

ثامناً: الشراكة الاستراتيجية بين اليمن ومجلس التعاون

تاسعاً: الحفاظ على الأمن القومي العربي

عاشراً: الشراكة مع المجتمع الدولي

حادي عشر: استمرار المشاورات اليمنية-اليمنية

 

 

 

 

-       اتفاقية ومشاورات الرياض، الأهمية والدلالات

لقد حُظي اتفاق ونتائج المشاورات الرياض بترحيب دولي كبير، فقد أعلنت الولايات المتحدة دعمها لاتفاق ومخرجات مشاورات الرياض، كما أشاد به المبعوث الأممي، وكذلك الجامعة العربية، وكذلك الحكومات العربية في كل من الكويت ومصر والبحرين وغيرها من الدول.

وقد انبراء عدد من الباحثين والقارئين لتقديم القراءات والتحليلات حول اتفاق الرياض بنسختها (1) و(2) ومشاورات الرياض وما خرجت به قرارات وآليات تنفيذية في سبيل الانتقال بالسلطة في المحافظات المحررة، وقد تجلت وجهات نظر مختلفة وتحليلات متضاربة، وتناقضات بين تفاؤل النجاح ويأس الفشل، لكن كان معظمها يصب في مصلحة الطرفين المتصارعين من جهة والتحالف العربي من جهة أخرى لكونه يقود حربا تهم الأمن القومي للسعودية كمستهدف رئيس من التوجهات الثورية الإيرانية الحوثية، بالإضافة للخطر الذي تشكله تلك الحركة الحوثية على السلم والامن الدوليين.

ومن خلال تتبع بنود التطورات السياسية والعسكرية التي رافقت عملية الانتقال للسلطة في المحافظات المحررة تجلت الأهمية والضرورة القصوى التي تشكلها تلك الاتفاقيتين في إيقاف الحرب داخل الحرب بين طرفي حلفاء التحالف الحكومة والانتقالي على الرغم من حالة الإحباط والتشاؤم التي غمرت العديد من السياسيين والمحللين حول اتفاق الرياض ووصفه بالسلبية، لكن المنطق يقول أن هناك من الجوانب الايجابية لهذا الاتفاق، فحسب ما ذكرته إليزابيث كيندال زميلة أبحاث أولى في الدراسات العربية والإسلامية في جامعة )أكسفوورد) بأن هناك بعض الانعكاسات الحقيقية لهذا الاتفاق، فمن أهمها ([2]):

·       تجنب الحرب داخل حرب في المستقبل القريب.

·       يمكّن التحالف الداخلي من البقاء سويًا.

·       تُمكِّن الجميع في التحالف من التركيز على محاربة جماعة الحوثي، واحتواء إيران - وليس الانقياد على بعضهم البعض.

 كما أن اتفاق الرياض بحسب تقييم  الخبيرة فاطمة الأسرار خبيرة الشؤون السياسية بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن يصلح لتخفيف التوترات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي([3])، وهذا أمر أكده  أحد التقارير  الذي أشار إلى أن هذا الاتفاق جاء لحل النزاع  الذي نشأ في جنوب اليمن وتقوية الوحدة الداخلية الأمر الذي من شأنه قد يساهم في تقوية الجبهة المشتركة ضد  جماعة الحوثي، وربما يساهم ذلك  في تقوية موقع تفاوض الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي والتحالف العسكري الدولي بقيادة العربية السعودية أمام جماعة الحوثي وإيران. ([4])

كما أكدت نتائج المشاورات اليمنية اليمنية في الرياض، على الاتفاق على إدراج قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السلام الشاملة. 

- الإنجازات التي تحقق من تنفيذ بنود الاتفاقيتين

1) تشكل حكومة المناصفة بيت الطرفين لإدارة المناطق المحررة

    أدى اتفاق ومشاورات الرياض إلى اقتسام السلطة بين الطرفين وذلك من خلال تعزيز قدراتهم الإدارية في سبيل تسيير أمور الدولة وقد شكل ذلك التوافق السياسي فرصة اشراك بقية المكونات الجنوبية في الاتفاق، وكذا في الحصول على مقاعد في الحكومة القادمة، والاتفاق ينص على تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، والاتفاق يسمح لحكومة هادي بالعودة الى عدن.     

 2) تعيين محافظين ومدراء أمن لبعض المحافظات المحررة

سارت الإصلاحات السياسية العميقة التي يدعو إليها الاتفاق ببطء ورافقها الغموض في التفاصيل المتعلقة بكيفية إجراء هذه الإصلاحات، وقد نص الاتفاق تعيين محافظَين لمحافظتي أبين والضالع، ومحافظِين ومديري أمن لبقية المحافظات الجنوبية، ففي هذا البند فقد تم تعيين محافظة ومدير امن لمحافظة عدن، وكذلك تعيين محافظا ومديرا للأمن في محافظة حضرموت، فيما تبغت المحافظات الأخرى. 

3) تشكيل مجلس الرئاسة للمرحلة الانتقالية

 

·     البنود التي لم تنفذ

تقف الإنجازات التي حققتها اتفاقية ومشاورات الرياض اليوم على مفترق طرق بين الاستمرار في تنفيذها أو أفشالها، ويصبح حينها المناطق المحررة مرتعاً للفُرقة والتمرد والتقلقل الإقليمي والذي قد يخرج تماماً عن نطاق السيطرة. لذا فقد حان الوقت لكي يتقبل التحالف واللاعبون الإقليميون حقيقة أن الخطوة الأولى نحو حل الصراع في اليمن تتلخص في التخلي عن أجنداتهم السرية والحروب بالوكالة التي لن تخدم مصالحهم في الأمد البعيد ولن تحقق الاستقرار الإقليمي. وبدلاً من ذلك، يجب على هذه الأطراف الفاعلة أن توحد قواها وتعمل معاً من أجل إنهاء الحرب والحفاظ على الانتصارات التي تحققت.  

1)    الملف العسكري والأمني

بعد اسقاط الحركة الحوثية لصنعاء في 2015شكل ضربة موجعة للشرعية، فعلى أثرها فقدة الشرعية عافيتها، لذا فهي غير قادرة على صناعة واقع سياسي، لإنها تعاني من قصور وتفكك داخلي، وهذا الأمر تنبهت إليه إليزابيث كيند الزميلة أبحاث أولى في الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أكسفورد الذي عبرت عن ذلك بإشارتها أنه منذ تلك الحرب – الحرب مع الحوثيين- ظهرت بعض الشقوق في الجانب الحكومي ([5]).

  ومنذ ذلك الحين استمر وضع الشرعية بالتدهور فتحولت سلطتها إلى  سلطة أسمية أكثر من سلطة فعلية؛ فلا لها سلطة على أرض الواقع،  لحيث وأن جماعة الحوثي يسيطرون على معظم المحافظات اليمنية الشمالية وبيدهم  سلطة القرار، كما أن محافظة مأرب تعتبر حالة شاذة للاتجاه السياسي، بل إنها تمثل حالة للحكم الذاتي المستقل إدارياً ومالياً يقوم بإدارتها حزب التجمع اليمني للإصلاح والذي يتحرك بوتأر نحو محافظتي شبوة وحضرموت في الجنوب، أما  المحافظات الجنوبية  فهي تقع في نفوذ المجلس الانتقالي الذي أخذ على عاتقه ملف قضية الجنوب، لذا فأن الشرعية سلطة وهمية فاقدة القرار على أرض الواقع فلا تستطيع انجاز اتفاق الرياض في الواقع.

والشء الذي زاد الطين بلة أن أهمّ سيئات السياسيين المنسوبون للحكومة  الذين  خلقوا  جوا مكهربا من خلال المحاولة لخلق تكلتلات وتصعيد إعلامي وكان ذلك في  مرحلة دخل فيه اتفاق الرياض حيز التنفيذ، فكانت تلك الصورة المبلورة عزاءً وارتخاءً يمنعانا من تحقيق أيّ عملٍ جدّيٍّ في سبيل  السير قدما نحو تحقيق اتفاق الرياض.

    هذه الصورة المخيبة للآمال ما هي إلا أداة تعزز اتساع نطاق مناهضة الاتفاق على الأرض مثلما حدث في محافظة المهرة، حيث بدأ يتشكل تحالف عريض في هذا الاتجاه في وقت يتواجد فيه وزيرا النقل والداخلية في حكومة هادي، صالح الجبواني وأحمد الميسري هناك ، وهو ما أثار امتعاض الرياض، كما شنّ الميسري هجوماً حادّاً على السعودية التي اتهمها بانتهاك ما تبقّى من سيادة يمنية في محافظة المهرة واصفاً تواجدها في المحافظة بـ:" الاحتلال" داعياً إياها إلى تصحيح الوضع في بدايته قبل وصوله إلى حالة مماثلة لما حصل في عدن([6])، ولكن الذي يثير التساؤل حول هذه التحركات المخلة باتفاق الرياض إنها تتم بمعرفة الجميع دون أن يحرك أحد ساكنا.

ومن هذا المنطلق فأن متفحص السياسات والتسويات التي تؤسس عليها السلطة في اليمن يجدها تعبر عن أزمة عميقة في شرعية الدولة لا يمكن قراءتها إلا بوصفها عجزًا فاضحاً عن تأسيس مجال سياسي تكون فيه الدولة والسلطة من الحق العام ويكون لمبدأ الشرعية قبول طوعي وعام.

   فأولئك السياسيون كانوا مرارا وتكرارا  ينتجون واقعا  سياسيا  ظل يعيد إنتاج نفسه بصيغ مختلفة، وفكر سياسي ظل يعيد إنتاج نفسه أيضاً ضمن دائرة السلطة السياسية  والفكر السياسي والجغرافيا السياسية، والذي دائماً يتمخض بفكر عقيم في زمن اشتد فيه الضجيج السياسي الحكومي، وعلت الضوضاء من كل منبر من منابره،  فلا تكاد تسمع فيه دعوة للكمال، فأصبح المجتمع  رهين الاضطراب، ومهدد بوعيد الثورات والاحتجاجات، والتعارك بين العصبيات، والتطاحن بين الجماعات، وفي بهرة هذا العراك وذاك الصراع اللجب يسمع نداء  إلى الحوار والأقاليم وما شبه ذلك  وما تلبث أن تتخذ طريقها إلى سلة المهملات عجبا؛ لإن المجتمع قد وصل إلى مرحلة لا تجدي فيها الحلول الموقتة.

رفض خروج القوات العسكرية من حضرموت والمهرة

إن بوادر الفشل لاتفاق الرياض بين  الحكومة الشرعية والانتقالي تلوح بالأفق، ويأتي في مقدمة الأسباب المؤدية إلى الفشل تلك التمردات التي يقدمها الاخوان ؛ داخل حكومة الشرعية نفسها، حيث أن الشرعية تتكون من عدة مكونات متضاربة المصالح تنطلق من رؤى وافكار مختلفة الاتجاهات، وهذا الأمر سيؤدي إلى حدوث انشاق وتصدع داخل نسق حكومة الشرعية مما يؤدي إلى صراع ايديولوجي خفي داخل الحكومة، ومن ثم فأن  الصراع الداخلي الذي يدور داخل بنية الحكومة يفقدها الاستقرار الداخلي، وهذا الأمر يجعلها ضعيفة غير قادرة على التحرك في أرض الواقع  لتنفيذ بنود اتفاق الرياض.

ويجب على معرقلي تنفيذ بنود اتفاقية ولذلك، يجب على دول التحالف العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والجامعة العربية ومجلس الأمن بذل جهود متضافرة تماماً لرعاية القوى الإقليمية والدولية للاتفاق على عملية سلام لليمن الشمالي والجنوب والجلوس طاولة المفاوضات الندية واعطاء شعب الجنوب حريته في تقرير مصيره وفقا للمواثيق الدولية.

لذلك يرفض الاخوان تنفيذ بنود اتفاقية الرياض المتعقلة بسحب قوات يمنية من حضرموت وشبوة والمهرة والدفع بها صوب الجبهات، لكم تلك القوات رفضت المبادرة السعودية التي وقعت عليها، الأمر الذي وضع كل جهود الرياض لتوحيد معسكر الشرعية على كف عفريت

 - الإرهاب والاستعدادات الحربية:

بعد استكمال الشهر الأول من الاتفاق والذي كان من المفترض أن تنجز عدد من بنود الاتفاق لكن حدث العكس، حيث لاحت في الأفق  خروقات كبيرة للهدنة في محافظتي أبين وشبوة فقد بدأ كل من الشرعية والانتقالي على السواء يعدّان العدّة للبقاء في مواقعهما وهو ما يُعدّ مؤشراً إضافياً إلى هشاشة الاتفاق الذي يحث الطرفين على سحب قواتهما في غصون تسعين يوماً وتحديداً ميليشيات الإصلاح التي لا تزال تعزّز تواجدها في شبوة فيما تستعدّ قوات هادي في أبين لجولة جديدة من الصراع وفق ما تنبئ به تحركاتها في عدد من المديريات وأيضاً عودة التصفيات في محافظة عدن([7])، فهناك من يرى أن الشرعية  تواصل الدفع بخلاياها الارهابية في عدن وبعض المحافظات لزعزعة الامن والاستقرار، فقد حاولت خلايا عدة خلق الفوضى ونشر الارهاب واشعال اشتباكات مسلحة في دار سعد والشيخ عثمان بعدن، بين الأجهزة الأمنية وميليشيات مسلحة مدعومة من الإخوان وبنفس الطريقة حاولت تلك الخلايا افتعال الفوضى في ابين وموديه ولودر([8]).

 ويبدو أن الإصلاح أراد استثمار أتفاق الرياض لصالحه، حيث قام بتعزيز مواقعه في شبوة، كما جهز قوة مدربة ومعززة بجميع أنواع الأسلحة واتجه بها صوب عدن بحجة انتساب هذه القوة إلى لواء الحماية الرئاسية، ولكن هذه الحيلة لم تكن من الصعوبة أن يتعرف عليها الانتقالي، وهو الأمر الذي دفعه التحرك على وجه السرعة لمواجهة مليشيات الإصلاح الإرهابية.

ثالثا: المخاطر والتحديات  

لقد مثلت اتفاق الرياض والمشاورات اليمينة اليمنية فرصة أخيرة لانقاد الوضع بعد تدهور كبير شمل كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية، ورغم توقيع الطرفيين على الاتفاق وبضمانات إقليمية ومباركة دولية فقد برزت عدد من المؤشرات التي تبين أن مسار تنفيذ بنود الاتفاق انحرفت عن مسارها بعد إعاقة تنفيذها، مما بنذر بوضع مأساوي في اليمن بعد فشل الاتفاق.

أولا: الجانب السياسي: 

يعد المحور السياسي هو المنطلق الاول لبنود اتفاقية الرياض لكون محل اجماع كل الأطراف فقد تم تشكيل هيئات الدولة في سلطاتها الرئاسية والتنفيذية وفي حالة انخراط العقد السياسي بين الطرفين الموقعين قد تدخل الوضع السياسي في احتقان كبير لا يسد الا بكوارث سياسية لا تحتمل.

وهنا قد تدخل المحافظات المحررة في دائـــرة الحـــرب المنســـية فـــي ظـــل التوتـــرات الإقليميـــة التي ستعكس توتراتها سلبا على المشهد اليمني، وهو أمر سيؤدي إلى تفاقـــم الأوضـــاع الإنســـانية والاقتصاديـــة وســـتخلق تحالفـــات داخليـــة جديـــدة في اليمـــن، وثغـــرة لتدخـــل إقليمـــي ودولـــي، فالجميـــع لـــه أجنداتـــه المســـتقبلية في زمـــن الفوضـــى، فحالـــة فشل الاتفاق ليســـت في صالـــح الانتقالي أو الشـــرعية اليمنيـــة ولا في صالـــح التحالـــف العربـــي.

ويترتب عن تلك التوترات السياسية عدد من الازمات تتمثل في الاتي:

·       السقوط في الفشل وتصنف الدول الفاشلة حيث يحصل الفراغ الدستوري في كل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية والرئاسية وهذا الفراغ في السلطة لا تستطع السلطات ان تقوم بمهامها السياسية والإدارية.

·       انهيار قدرات الحكومة الاستخراجية والتنظيمية والتوزيعية والرمزية والاستجابية مما يجعلها دولة فاشلة وفق المعايير المذكورة لكونها تفقد سيطرتها على معظم أراضيها سواء اكانت المحررة او التي تقع تحت سيطرة الحوثي.

ثانيا: الجانب الاقتصادي: 

 يعد الملف الاقتصادي هو اهم المحاور التي تضمنتها وثيقة الاتفاق لكونها المنطلق لتحقيق الاستقرار المعيشي للمواطن لاسيما في الجنوب حيث ستفقد الدولة إدارة الموارد للدولة بما يضمن جمع وايداع ايرادات النفطية والضريبية والجمركية في بنك الحكومة المتفق عليه بين الأطراف إن عدم تنفيذ استكمال بنود الاتفاق ظهور عدد من الازمات الاقتصادية الخطيرة:

·       تفاقم الازمة الاقتصادية التي تتجاوز حالة العجز فيها 34% نت الإنتاج المحلي في حين تراجعت الإيرادات المحلية بنسبة 60% .

·       شيوع وانتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري في كافة المؤسسات الدولة السياسية والإدارية والوظيفية ولن يتوقف الحد هنا بل سيتجاوز المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية فتصبح بؤرة للفساد المالي وهذا الامر سيجعل الوضع أكثر تعقيدا

·       انهيار ما تبقى نت الأصول المادية أراضي وعقارات وهروب كثير من العقول والكفاءات والأموال الى الخارج وتدني حالة الإنتاج المحلي الى نسب عالية نتيجة تدهور البيئة الاقتصادية العامة للبلد، مما سيؤدي إلى انهيار المنظومة الاقتصادية وينذر بكارثة اقتصادية، وهذا الوضع سيفاقم مشكلة الفقر والبطالة الذي سيصبح أكثر عمقا بسبب هذا التدهور.

·       في حالة فشل تنفيذ الاتفاق فان الأمر سيصبح أكثر سواء واشد تعقيدا في ظل غياب الشفافية والمساءلة والمراقبة القانونية والمجتمعية، مما سيؤدي إلى تفشي ظاهرة الفساد في كافة مؤسسات الدولة بشكل أكبر مما هو عليه، وزيادة وتيرة الاعتداء والنهب على ما تبقى من الأصول المادية من أراضي وعقارات الدولة.

ثالثا: الجانب العسكري  

كما يعني فشل الاتفاق حدوث اضطرابات داخل الشرعية، وتبدأ الاضطرابات على شكل تشقق داخلي، مما يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة، حيث ستقوم الأطراف المتشددة في الشرعية بدعم جماعة الحوثي من أجل تعزيز موقفها بهدف اجتياح الجنوب.

هو ما يعني عودة الصراع بين الانتقالي والحكومة الشرعية أمر لا يمثل حلاً للتحالف، وخصوصاً أن الأحداث العسكرية أثبتت أن التوسع – حالياً- ليس في صالحه، لذا ففي حالة حدوث صراع عسكري فعلى فأن الأمور سوف تخرج عن السيطرة مما سيترتب عنها ازمة.

وقد يؤدي فشل الاتفاق إلى تغيير السعودية لسياستها في اليمن، فالحرب انهكتها اقتصاديا وهددتها أمنيا، حيث ستنظر السعودية إلى الشرعية والمجلس الانتقالي كأوراق حارقة، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى أن تعقد مشاورات مع الحوثيين، فالسعودية وصلت إلى مرحلة العجز السياسي والعسكري في اليمن، وهذا العجز يدفعها إلى البحث عن أي مبادرات من أجل حل سياسي في اليمن.

·       رابعا: التدهور الأمني:

يُعدُّ الجانب الأمني من أهم الملفات التي يسعى التحالف العربي والمجلس الانتقالي بناؤه بناء مؤسسيا وفكريا لمواجهة الأفكار المتطرفة، لكن في حالة فشل تنفيذ اتفاقية الرياض فقد يؤدي إلى انهيار المؤسسات الأمنية المدربة من قبل التحالف العربي في المحافظات المحررة المكلفة بحماية المؤسسات ومكافحة الإرهاب والعنف والجريمة المنظمة في عدن، مما يسبب هذا الانهيار عدد من المخاطر الكارثية المحلية والإقليمية أبرزها ما يلي:

·       عودة انتشار الجماعات الإرهابية، حيث سيساعدها الانفلات الأمني من ممارسة نشاطها بأريحية، كما سيسمح لها الوضع بتصدير أعمالها الإرهابية إلى دول الجوار.

·       في حالة فشل تنفيذ اتفاقية الرياض تصبح المناطق الجنوبية بيئة خصبة لتلك التنظيمات لتأسيس المقر العام لنشاطها في الجزيرة العربية وفق أيديولوجيتها الدينية المزيفة التي تحدد مواطن خلافتها، وهذا مؤشر خطير على الوضع الإقليمي كله.

·       استمرار تدفق المهاجرين من القرن الإفريقي بدعم وإيعاز من جهات مشبوهة بغرض زعزعة الأمن، من خلال تشجيع الهجرة الغير الشرعية، وقد ربما يتم استغلال تلك الكتل البشرية لأغراض عسكرية وارهابية.

·       انتشار السلاح والمتاجرة به وشيوع الجريمة المنظمة، وكذا انتشار المخدرات في المجتمع، وتهريبها والإتجار بها من خلال تصديرها إلى دول الجوار. 

خامسا: تدهور منظومة الخدمات:

  سيلحق الضر بمنظومة الخدمات، ويتمثل الضرر فيعدم توفير الحدود الدنيا من الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم وخدمات الماء والكهرباء والمعاشات وأساسيات العيش الكريم.

ومن المتوقع أن في حال فشل اتفاق الرياض فهو يعني الدخـــول فـــي دائـــرة الحـــرب المنســـية فـــي ظـــل التوتـــرات الإقليميـــة التي ستعكس توتراتها سلبا على المشهد اليمني، وهو أمر سيؤدي إلى  تفاقـــم الأوضـــاع الإنســـانية والاقتصاديـــة وســـتخلق تحالفـــات داخليـــة جديـــدة في اليمـــن، وثغـــرة لتدخـــل إقليمـــي ودولـــي، فالجميـــع لـــه أجنداتـــه المســـتقبلية في زمـــن الفوضـــى، فحالـــة فشل الاتفاق ليســـت في صالـــح  الانتقالي أو الشـــرعية اليمنيـــة ولا في صالـــح التحالـــف العربـــي.

***

التوصيات:

بناء مما سبق توصي الورقة البحثية بالآتي:

1-   دعوة الطرفين لتنفيذ بنود الاتفاق والضغط عليهم بكافة الطرق السلمية والعسكرية.

2-   تنفيذ الشق العسكري لاسيما خروج القوات اليمنية من مدن الجنوب حضرموت الوادي والمهرة لكونها أصبحت تشكل خطرا على الامن القومي للمنطقة

3-   السرعة في تجنيب البلاد صراع عسكري لا يتوقف هذا المرة لكون الطرفين في حالة تعبئة وحشد عسكري غير مسبوق.

4-   اشتعال الحرب في مناطق الصراع يستوجب تأمين الجبهات الداخلية التي قد يتسلسل منها الخصم لكسب مزيدا من الانتصارات.

5-    السرعة في توفير المرتبات للموظفين الأمنيين والعسكريين لكون تلك الفئتين في أمس الحاجة لتأمين الوضع المعيشي لهم.

6-   توجيهات كل القوى العسكرية نحو المواجهة المشتركة مع التنظيمات الإرهابية الحوثية.

[1] - تفاصيل بنود الوثيقة انظر ملحق رقم (1)

[2] - هيلينا سكينر، اتفاق الرياض: هل يمكن لصفقة سلام بوساطة سعودية أن تساعد حقًا في إنهاء حرب اليمن؟

[3] -   نتائج فشل اتفاقية الرياض الكارثية، قراءة تحليلية، د. عبد الحكيم العراشي، صحيفة الامناء  

[4] -  مأرب برس،  اتفاق الرياض (مصدر سابق).

[5] - هيلينا سكينر، اتفاق الرياض(مصدر سابق). 

[6] - رشيد الحداد، تأخير عودة حكومة هادي إلى عدن: مؤشرات فشل «اتفاق الرياض» تتوالى!، المرصاد نت،

[7] - رشيد الحداد، تأخير عودة حكومة هادي إلى عدن (مصدر سابق). 

[8] - رفيق الحمودي، اتفاق الرياض .. فشل وأسباب !، البوابة الإخبارية اليمنية.