حفظ الاستقرار والسلام..

تقرير: رؤية استشرافية لدور القوات المسلحة الإماراتية بالمنطقة

القوات المسلحة الإماراتية

منى الحمودي

منذ قيام دولة الإمارات وتوحيد قواتها المسلحة في 6 مايو1976، والذي يعد يوماً خالداً في ذاكرة الوطن، امتلك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،«طيب الله ثراه»، رؤية استشرافية لدور القوات المسلحة الإماراتية التي تجاوزت المهام العسكرية والدفاعية لتؤدي مهام إنمائية وإنسانية، وكان المغفور له يرى أن القوات المسلحة هي «مصنع الرجال» والقادرة على إعداد أبناء الوطن وتأهيلهم، جسدياً وذهنياً وتربوياً وثقافياً، لما تمتلكه من مؤسسات وخطط تدريبية وعلمية وأكاديميات متطورة.


وحرصت القوات المسلحة الإماراتية منذ تأسيسها على تسخير الإمكانات والموارد كافة لتعزيز دورها باعتبارها ركيزة القوة الشاملة للدولة، التي تقوم بحماية المنجزات وتصون المكتسبات، وأثبتت القوات المسلحة الإماراتية أنها مصنع الرجال ومدرسة الانتماء وساحة التضحية والفداء بكل غالٍ ونفيس من أجل الوطن؛ ولهذا تعد دعامة أساسية من دعائم الوحدة والتنمية في الدولة.


ويأتي توحيد القوات المسلحة اللّبنة التي أكملت البناء الاتحادي، وعزّزت قواعده، والشاهد على بعد نظر القادة المؤسّسين، وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، الذي حرص، منذ بداية تجربة الاتحاد، على تحقيق هذا الهدف بما ينطوي عليه من تعميق لفكرة الوحدة، وتكريس لمعاني الوطنيّة والانتماء إلى الأرض والولاء للوطن والقيادة في عقول المواطنين وقلوبهم.


ويؤكد التاريخ الدور الكبير لقواتنا المسلحة في العمليات الإنسانية والإنمائية وحفظ السلام الدولية، وذلك من خلال العديد من المحطات التي أدت فيها القوات المسلحة الإماراتية دوراً حيوياً ومهماً ساهم في نصرة الأشقاء والأصدقاء، حيث برزت هذه المشاركات الفاعلة، وحققت أهدافها المنشودة والتي ترمي لتحقيق الأمن والاستقرار وتقديم العون والمساعدات والإغاثة الإنسانية في مناطق الصراعات.

أولى المشاركات
وكانت أولى مشاركات قواتنا المسلحة في مهام حفظ الأمن والاستقرار الخارجية عام 1976 في لبنان ضمن قوات الردع العربية لدرء مخاطر تفجر حرب أهلية كما أسهمت قواتنا ضمن قوات درع الجزيرة في تحرير دولة الكويت عام 1991 وعملت كذلك ضمن قوات الأمم المتحدة في عملية «إعادة الأمل» بالصومال عام 1992 عقب الحرب الأهلية، وفي أول مبادرة لها في أوروبا عام 1999 أقامت قواتنا المسلحة معسكرا لإيواء آلاف اللاجئين الكوسوفيين الذين شردتهم الحروب في مخيم «كوكس» بألبانيا كما شاركت في عمليات حفظ السلام في كوسوفو. وعادت قواتنا ثانية إلى لبنان عام 2001 لتخوض غمار تحد جديد تمثل في تطهير الأرض في الجنوب اللبناني من الألغام وتخفيف معاناة السكان. 


وفي عام 2005 كانت قواتنا المسلحة سباقة للمشاركة في عمليات الإغاثة الكبرى خلال الزلزال الذي ضرب شمالي جمهورية باكستان الإسلامية، وفي عام 2008 لعبت القوات المسلحة دوراً حيوياً في عمليات إغاثة في اليمن جراء السيول والفيضانات. 

حفظ الاستقرار والسلام
وشاركت القوات المسلحة الإماراتية ضمن قوات حفظ السلام الدولية تحت راية الأمم المتحدة في عمليات عدة كما شاركت مع قوات دول حليفة لتحقيق مهمة حفظ الأمن والاستقرار في مناطق عدة، باعتبارها مسؤولية ينبغي العمل على تحقيقها من مبدأ المساعدة في إغاثة المحتاجين ورفع الظلم عن الشعوب وحماية المدنيين من الحروب.


وشارك أبطال القوات المسلحة الإماراتية في العديد من مهام حفظ السلام، رفعوا من خلالها راية دولة الإمارات عاليةً بكل فخر واعتزاز لما قدموه من مثال حي للأخلاق والإنسانية، وزرعوا بذور الخير في كل أرض وطئت أقدامهم فيها، من المجاعات والفقر في الصومال إلى الأوضاع الإنسانية المعقدة والتفرقة العرقية في كوسوفو وإلى الوقوف بجنب الشقيقة الكويت والمساهمة في تحريرها، ومن ثم تحقيق الأمن والاستقرار في لبنان الشقيق وأخيراً إلى الدور البارز في قرى أفغانستان.


وتؤكد مشاركات القوات المسلحة الإماراتية في العمليات الإنسانية ترجمة فعلية لدورها القائم على صون الحق واحترام الشرعية والسيادة الدولية والالتزام بالمبادئ الأخلاقية والدينية، حيث قدمت القوات الإماراتية نموذجاً للعمل الإنساني حول العالم من خلال أعمال الإغاثة المختلفة والمساعدات الطبية والإنسانية والتي تعتبر محور عملها للتخفيف عن المدنيين في مناطق الصراعات والحروب والنكبات. 

التضحية والفداء
غرس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، «طيب الله ثراه»، قيم التضحية والفداء لدى أبطال القوات المسلحة، الذين لا يهابون الموت، ويقدمون أرواحهم فداء للوطن، لكي تظل رايته مرفوعة خفاقة في ميادين الحق والواجب، أما مقولته الخالدة «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، فليست بعيدة عن معاني التضحية والفداء التي بثها المغفور له الشيخ زايد في قلوب أبنائه بالقوات المسلحة، بل هي امتداد لهذه المعاني الخالدة على الصعيد القومي العربي، بأن الدفاع عن الأوطان يتطلب التضحية بكل غالٍ ونفيس، حتى لو كانت أرواح الجنود في ساحات الحق والواجب. لقد قدم العديد من أبطال قواتنا المسلحة أرواحهم الطاهرة دفاعاً عن وطننا الحبيب، ففي عام 1971 صعدت روح الشهيد سالم بن سهيل بن خميس إلى بارئها، ليسجل اسمه في التاريخ كأول شهيد إماراتي. 


وفي اليمن الشقيق ومنذ مشاركة الإمارات في عملية عاصفة الحزم دفاعاً عن الحق والشرعية، كان استشهاد العشرات من أبطال قواتنا المسلحة، تأكيداً على أن تضحيات أبناء الإمارات لا تتوقف، سواء للدفاع عن وطننا الغالي أو لنجدة الأشقاء والوقوف بجانبهم في أوقات المحن والأزمات. وقدم المواطنون الإماراتيون، في كل إمارات الدولة، ملحمة حقيقية في الانتماء الوطني العميق، والولاء المطلق للقيادة والاستعداد للتضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل الدفاع عن دولة الإمارات العربية المتحدة، وجعل علمها خفاقاً في الآفاق.

من أقوال الشيخ زايد
كانت رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مستشرفة المستقبل حين ارتأى ضرورة توحيد القوات المسلحة؛ ولذلك جاءت مقولته الشهيرة في السابع من مايو عام 1976: «إن بناء القوات المسلحة في أي بلد، إنما هو عمل عزيز على أبنائه، ومن هذا المنطلق دعتنا الحاجة الماسة، للعمل على دمج قواتنا المسلحة في دولة الإمارات العربية المتحدة». 
وبعد إنجاز المهمة وتحققها على أرض الواقع، قال القائد المؤسس في السادس من مايو 1988: «لقد كان قرار توحيد القوات المسلحة.. تحت علم واحد، وقيادة واحدة، قراراً تاريخياً تحقق به نشر الأمن والطمأنينة في نفوس المواطنين، تحقيقاً لاستقرار دائم لا تنمو بدونه شجرة التنمية والتقدم والرفاهية، وصولاً لمجتمع الكفاية والعدل».

ومن أقوال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» لأبنائه في صفوف القوات المسلحة: «إن دولتكم، دولة الإمارات العربية المتحدة، يا أبنائي سخرت ما أفاء الله عليها من خير، في خدمة الإنسان على أرضها.. لقد تحملتم أنتم مسؤولية شاقة، فأنتم درعها الواقية، وحصنها الأمين، فعليكم تقع مسؤولية حماية هذا الخير.. والمسؤولية هنا هدف أساسي لابد أن يكون واضحاً أمامكم، مسطوراً في قلوبكم».