"أنقرة تبدأ مرحلة طي الخلاف مع الرياض"..

"اردوغان" في السعودية.. هل يدفع الإخوان ثمن صفقة الحسابات الخاصة

أردوغان يستهل زيارته للسعودية بلقاءين مع الملك سلمان ووولي عهده - أرشيف

سامي الخضر
ناشط ومراسل صحفي ميداني

طوى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية، قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول عام 2018 والتي أحدثت شرخا في العلاقات بين القوتين الإقليميتين، لكنها في ذات الوقت زيارة تأتي ضمن اجندة الرئيس التركي في التقارب الدول الرباعية العربية "الإمارات والسعودية والبحرين ومصر"، والتي لها مواقف واضحة ومعلنة من تنظيم الاخوان المسلمين المتورط في قضايا إرهابية ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في الكثير من الدول العربية.

وبثت قناة الإخبارية السعودية هبوط طائرة أردوغان في مطار مدينة جدة في غرب المملكة، وكان في استقباله في المطار أمير منطقة مكّة المكرّمة خالد الفيصل.

وألتقى اردوغان بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهد محمد بن سلمان، في أول لقاء  منذ العام 2017، وتبدو الزيارة انها فرصة لتسوية الخلافات خاصة تلك أثارتها أنقرة باتهامها لولي العهد السعودي بالتورط في مقتل خاشقجي.

 

أزمة مالية حادة تضرب انقرة

وتأتي زيارة أردوغان للسعودية في وقت تواجه فيه تركيا أزمة مالية حادة دفعتها إلى طي صفحة الخلاقات مع خصومها، مثل مصر وإسرائيل وخصوصا دول الخليج الغنية بالنفط، إذ يشهد الاقتصاد التركي حالة من الركود ناجمة عن موجة انهيارات ضربت العملة الوطنية (الليرة) وارتفاع معدل التضخم الذي تجاوز 60 بالمئة خلال السنة الماضية.

وقبيل مغادرته، قال أردوغان للصحافيين "سنحاول إطلاق حقبة جديدة وتعزيز كافة الروابط السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية"، مضيفا "آمل أن توفّر هذه الزيارة فرصة لتعزيز العلاقات القائمة على الثقة والاحترام المتبادلين"، مضيفا "نعتقد أن تعزيز التعاون في مجالات تشمل الدفاع والتمويل هو في مصلحتنا المشتركة".

وبحسب مسؤول تركي تحدّث لوكالة فرانس برس مفضّلا عدم الكشف عن هويته، فإنّه من المتوقع ألا تصدر تصريحات عن أردوغان خلال هذه الزيارة

وقُتل خاشقجي الصحافي الذي كان يكتب مقالات في صحيفة "واشنطن بوست" في أكتوبر عام 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول، واتهم الرئيس التركي حينها "أعلى المستويات" في الحكومة السعودية بإعطاء الأمر لتنفيذ عملية القتل على أيدي عناصر سعوديين، لكنه استبعد العاهل السعودي من التهمة. ووجّهت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أصابع الاتهام إلى الأمير محمد، لكن الحكومة السعودية نفت بشكل قاطع أي دور له، بينما شكك محللون ودول في صحة تقرير سي اي ايه باعتباره يعتمد على استنتاجات من دون تقديم أدلة على صحتها.

وبدأت أنقرة محاكمة غيابية في يوليو 2020 بحقّ 26 سعوديا يشتبه في تورّطهم بمقتل خاشقجي، إلّا أنّها نقلت الملف في 7 أبريل إلى السعودية، ما يعني إسدال الستار على القضية في تركيا، في خطو استبقت زيارة أردوغان للمملكة وشكلت بادرة تركية ضمن جهود إعادة تطبيع العلاقات بعد سنوات من العداء والتوتر.

وبدت المحاكمة في تركيا الحاجز الأخير أمام زيارة أردوغان الذي كان أعلن في بداية العام نيته الذهاب للمملكة بينما كانت العلاقات التجارية تتحسّن بين القوتين الاقتصاديتين.

وحكم بالإعدام على خمسة أشخاص في السعودية على خلفية مقتل خاشقجي، لكن في سبتمبر 2020، أصدرت محكمة في الرياض أحكاما نهائية في القضية قضت بسجن ثمانية مدانين لفترات تتراوح بين 20 وسبع سنوات.

وطبع التوتر علاقات تركيا التي تحتضن قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، مع السعودية والإمارات اللتين تصنّفان الجماعة على أنّها تنظيم إرهابي في السنوات الأخيرة.

ويرى المحلل السعودي علي الشهابي أن زيارة أردوغان للملكة هو بمثابة انتصار للمسؤولين السعوديين الحريصين على فتح صفحة جديدة.

وقال إنّ "أردوغان كان معزولا ودفع ثمنا اقتصاديا باهظا عبر خسائر اقتصادية فادحة نجمت عن المقاطعة الاقتصادية ومقاطعة السفر ولهذا يزور للسعودية".

وأضاف أن البلدين سيستفيدان من ذلك لأن أردوغان "بحاجة لتدفق التجارة والسياحة من السعودية، والمملكة تفضّل أن يكون بجانبها في ما يتعلق بمجموعة متنوعة من القضايا الإقليمية وقد تكون منفتحة على شراء الأسلحة من تركيا أيضا".

 

تقارب ما بعد أزمة جائحة كورونا

 

وتعود آخر زيارة لأردوغان إلى المملكة إلى عام 2017 عندما حاول التوسط في الصراع الدبلوماسي بين عدة دول خليجية وقطر، حليفة أنقرة. وتصالحت دول الخليج العام الماضي، بينما شهدت المنطقة تقاربا دبلوماسيا في الأشهر الأخيرة مع ضعف الاقتصادات في فترة ما بعد تفشي وباء كوفيد-19 بشكل خاص.

وفي فبراير الماضي، قام الرئيس التركي بأول زيارة رسمية له إلى الإمارات منذ نحو عقد، بعد أشهر قليلة من زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة، حيث أظهر البلدان رغبتهما في تعزيز العلاقات الاقتصادية.

وتأمل تركيا في جذب استثمارات خليجية جديدة وإبرام اتفاقات مالية لدعم عملتها. وقد تمّ خلال زيارة الشيخ محمد تأسيس صندوق استثماري بقيمة عشرة مليارات دولار.

 من المتوقع أن تعطي زيارة أردوغان للمملكة دفعة قوية لجهود المصالحة بين البلدين وتسريع خطوات التقارب وتعزيز التعاون في العديد من المجالات.

وتضرر الاقتصاد التركي بشدة جراء القطيعة بين تركيا والسعودية خاصة ودول الخليج عموما، بينما يأمل الرئيس التركي أن يرمم الشروخ في العلاقات بين الجانبين وهو الذي تسبب بنهجه العدائي والصدامي خلال السنوات الماضية في تدمير العلاقات التجارية مع الخليجيين.

وكان وزير المالية التركي نورالدين نباتي قد أجرى الأربعاء مباحثات مع نظيره السعودي محمد الجدعان في اجتماع عن بعد هو الأول بين الوزيرين ويأتي في خضم جهود تركية لتحسين العلاقات مع المملكة بعد سنوات من القطيعة والتوتر.

وتجمع كل المؤشرات على أن العنوان الرئيسي لزيارة أردوغان للسعودية اقتصادي بحت ما يفسر تواصل وزري مالية تركيا والسعودية عشية زيارة الرئيس التركي للمملكة.

وقال نباتي إنه ناقش مع الجدعان سبل تحسين التعاون الاقتصادي بين تركيا والسعودية، مضيفا في تغريدة على تويتر إنهما تبادلا أيضا وجهات النظر في ما يتعلق بالتجارة ومجالات الاستثمار.

وتحاول أنقرة تحسين العلاقات مع الرياض بعد التخلي عن دعوى قضائية تتعلق بمقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر من العام 2018، وإحالتها إلى السعودية في مسعى لفتح صفحة جديدة في العلاقات التي اهتزت على وقع خلافات حول أكثر من ملفها كان من ضمنها التدخلات التركية في الشؤون العربية ودعم أنقرة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر ودول خليجية.

في خضم أزمات إقليمية ودولية تتصاعد  

وفي قراءته للزيارة ودلالة توقيتها، قال الدكتور طه عودة أوغلو الباحث التركي في العلاقات الدولية والاستراتيجية إن: زيارة الرئيس أردوغان تأتي في سياق الجهود التركية؛ لفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع القوى الإقليمية المؤثرة والمجاورة لها وبالأخص مع دول الخليج العربي".

أغلو أكد أن "الزيارة تمثل إشارة واضحة على القناعة التركية بأن السعودية تعد من أبرز دول الخليج التي تسعى أنقرة لتطبيع العلاقات معها؛ لمكانتها الفريدة في العالم الإسلامي، إضافة إلى أن خسارتها لا تعني فقط خسارة "الرياض" بل كذلك خسارة دول إقليمية أخرى

وأردف: "حاول الجانبان خلال السنوات الماضية الابقاء على مساحة للتواصل بينهما رغم التوتر في العلاقات، عبر اعتماد دبلوماسية المصالح، ومحاولة تحقيق توازن في ظل الوضع الإقليمي الراهن والذي تبحث جهات مثل إيران على أي فتيل أزمة يمكن أن تزيد في إشعاله.

ولتركيا حسابات عديدة في التقارب مع المملكة، قال أوغلو: أنقرة لديها حساباتها الخاصة من وراء سعيها لإعادة التطبيع مع السعودية لعلمها أن العلاقات الجيدة مع الدول الخليجية لا يمكن أن تبقى ثابتة ومستقرة بدون موافقة ومصادقة المملكة التي تعتبر قوة كبيرة وديناميكية لا يستهان بها في المنطقة، بالتالي فإن التحالف معها له معنى وهدف استراتيجي في ظل المتغيرات في المنطقة والعالم.

ولمح المحلل السياسي التركي، أن قضية الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي أحدثت شرخا واسعا وعميقا بل قطيعة دبلوماسية لم يسبق لها مثيل بين البلدين.

وأردف: التحول التركي في قضية خاشقجي بجانب استمرار تحرك أنقرة في تبني مسار جديد لترميم العلاقات مع السعودية يمكن أن يعجل من معالجة الأزمة الراهنة، ويعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي في الأسابيع المقبلة لا سيما مع انفتاح تركيا على مبدأ تجاوز الخلافات والبناء على نقاط الاتفاق وفتح صفحة جديدة مع كل دول المنطقة.

وضمن جهود عدة قامت بها تركيا خلال الفترة الماضية، لإعادة العلاقات مع المملكة إلى سابق عهدها، قامت أنقرة بطي صفحة خاشقجي نهائيا، حيث قضت محكمة تركية في 7 أبريل/نيسان الجاري، بوقف محاكمة السعوديين المشتبه بهم في قضية مقتله، وإحالتها إلى السعودية.

ولزيارة أردوغان أهمية كبيرة، حيث يؤكد المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، أن "الزيارة سوف تسهم في تقريب وجهات النظر، وتعجل بحل القضايا الخلافية".

وأشار إلى أن هناك نية عازمة من أنقرة على تطمين الرياض حول العديد من القضايا التي لا تزال عالقة بين البلدين، والتي تريد السعودية من الجانب التركي تأكيدات الالتزام بها من بينها؛ احترام القرار السيادي بين البلدين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

من جهته، قال الدكتور علي العنزي المحلل السياسي، وأستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود، إن الزيارة ستسهم في طي صفحة الخلاف بين البلدين بعد فترة طويلة من التوتر. 

ويرى المحلل السعودي علي الشهابي أن وصول إردوغان هو بمثابة انتصار للمسؤولين السعوديين الحريصين على فتح صفحة جديدة.

وقال إنّ "إردوغان كان معزولا ودفع ثمنا اقتصاديا باهظا عبر خسائر اقتصادية فادحة نجمت عن المقاطعة الاقتصادية ومقاطعة السفر، ولهذا يزور للسعودية".

واضاف أن البلدين سيستفيدان من ذلك لأن إردوغان "بحاجة لتدفق التجارة والسياحة من السعودية، والسعودية تفضّل أن يكون بجانبها في ما يتعلق بمجموعة متنوعة من القضايا الإقليمية، وقد تكون منفتحة على شراء الأسلحة من تركيا أيضا".

تعود زيارة إردوغان الأخيرة إلى المملكة إلى عام 2017 عندما حاول التوسط في الصراع الدبلوماسي بين عدة دول خليجية وقطر، حليفة أنقرة. وتصالحت دول الخليج العام الماضي، بينما شهدت المنطقة تقاربات دبلوماسية في الأشهر الأخيرة مع ضعف الاقتصادات في فترة ما بعد تفشي وباء كوفيد-19 بشكل خاص.

وفي شباط/فبراير الماضي، قام الرئيس التركي بأول زيارة رسمية له إلى الإمارات منذ نحو عقد، بعد أشهر قليلة من زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة، حيث أظهر البلدان رغبتهما في تعزيز العلاقات الاقتصادية.

وتأمل تركيا في جذب استثمارات خليجية جديدة وإبرام اتفاقات مالية لدعم عملتها. وقد تمّ خلال زيارة الشيخ محمد تأسيس صندوق استثماري بقيمة عشرة مليارات دولار.

يقود أردوغان تركيا منذ تسعة عشر عامًا كرئيس للوزراء ثم كرئيس للبلاد، ويأمل في إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في حزيران/يونيو 2023.

 

خلفيات الزيارة وأبعادها

وقال الكاتب والباحث في الشؤون السياسية، فراس رضوان أوغلو، تعليقاً على زيارة إردوغان للسعودية، إنّ الزيارة تشكّل فعلاً "حقبة جديدة في العلاقات الاقتصادية" بين البلدين، موضحاً أنّها "تتخذ طابعاً مهماً لكونها تحدث قبيل الانتخابات التركية، ولاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية في تركيا".

ولفت رضوان أوغلو إلى أنّ تحسّن العلاقات التركية الإماراتية كان سريعاً"، لكنّه "لا يعتقد أنّ الأمر سيكون بالسرعة نفسها مع السعودية".

وأضاف: "في زمن الحلف اليوناني المصري الإسرائيلي، لم يكن الميزان لمصلحة تركيا. أمّا اليوم، فإنّ تحسن العلاقات التركية الخليجية سينعكس إيجاباً مع مصر".

وكشف الباحث والكاتب السياسي أنّ تركيا، بعد عقود من دعمها بعض الأحزاب في المنطقة، "هي الآن مستعدة لتقديم بعض التنازلات والتراجع"، موضحاً أنّها "قد تقوم بوقف دعم الإخوان المسلمين، وهذا أحد أوجه التراجع لها في المنطقة".

يُذكَر أن زيارة إردوغان تأتي بعد أن أجرت تركيا، مطلع نيسان/أبريل الجاري، المرحلة الأخيرة من المحاكمة الغيابية لـ26 مشتبهاً فيهم في قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، قبل إحالة القضية على الرياض، في قرار قوبل بتنديدات من منظمات حقوقية.

وأفاد نائب مدير قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، مايكل بيج، بأنّ إحالة القضية "سيعزّز الاعتقاد السائد لدى السلطات السعودية، كما يبدو، بأنّ في إمكانها ارتكاب عملية قتل والإفلات من العقاب".

إردوغان يضحّي بالإخوان المسلمين

 

وقال الكاتب الصحافي الدكتور عماد بوظو  "غن الرئيس إردوغان غير في استراتيجية وسياسته الخارجية، ليؤكّد على أن البراغماتية هي المنهج الذي يعتمده في حياته السياسية، والتي تعني أن الموقف يكون صحيحا عندما يكون مفيدا وأن النفع والضرر هو الذي يحدد الأخذ بفكرة ما أو رفضها، وما يترتب على ذلك من تراجع أهمية الاعتبارات المبدئية والأخلاقية عند تبنّي السياسات".

وتساءل الكاتب "على من تعود بالنفع السياسات الجديدة، فإذا قال أنصار إردوغان أنها تعود بالنفع على الدولة التركية يصبح من الصعب عليهم تبرير سياسات إردوغان طوال السنوات الماضية لأن هذا يعني أنها كانت تضر بالمصالح العليا للدولة التركية، كما أنه ليس من المألوف أن يتبنّى حزب إيديولوجي إسلامي كحزب العدالة والتنمية البراغماتية كمنهج، لأن الإيديولوجيا التي قام عليها الحزب تفرض قيودا على المغالاة في السياسة النفعية على حساب المبادئ، ولم يتبقى سوى أن هدف السياسة الجديدة تحقيق مصلحة إردوغان نفسه كشخص".

وأضاف الكاتب "بدأت خطابات التودد من إردوغان تجاه مصر ورئاستها ترافقت مع مباحثات بين الجانبين انتهت بإصدار تعليمات لمحطات المعارضة المصرية في تركيا بأن توقف هجومها على النظام السياسي في مصر، بما يعني عمليا التمهيد لإغلاق هذه القنوات لأن معارضتها السياسية هي السبب الوحيد لوجود متابعين لها، ورغم كل التطمينات التي يطلقها مسؤولون أتراك حول استمرار عمل هذه القنوات أو حول عدم وجود أي نية لتسليم معارضين مصريين لسلطات بلادهم، ولكن من الصعب الجزم بأي شيء لأنه لا أحد يعرف ما الذي يدور في رأس إردوغان الشخص الوحيد الذي يملك القرار النهائي في جميع القضايا.

وفي نفس الوقت هناك جهود من أعضاء في الكونغرس الأميركي لتحريك عدة دعاوى في الولايات المتحدة ضد الرئاسة التركية تتناول اعتداء مرافقين لإردوغان على متظاهرين سلميّين خارج البيت الأبيض عام 2017، وتلقّي مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأسبق للرئيس ترامب رشوة من تركيا، ودفع وزارة العدل لمتابعة قضية بنك خلق الذي التف على العقوبات الأميركية على إيران عام 2012 وأرسل لها 20 مليار دولار بمعرفة إردوغان.

وقبل بضعة أيام تم الكشف عن السبب الحقيقي لهذا الانقلاب في المواقف التركية عند انطلاق أعمال المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية، والذي كان شعاره وضع خارطة طريق نحو الانتخابات المقبلة عام 2023 وجرى في هذا المؤتمر تجديد الثقة بالرئيس إردوغان "بالإجماع" مثل جميع الأحزاب الشمولية، بما أوضح أن هدف هذه السياسات الجديدة تمهيد الطريق أمام إردوغان للفوز في هذه الانتخابات، لأنه من الصعب تحقيق ذلك إذا لم تكن الحالة الاقتصادية والعلاقات الخارجية جيدة.

أي أن إردوغان نفسه الذي تبنّى طوال العقد الماضي سياسات شعبوية تصرّف خلالها وكأنه خليفة لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عندما كان يعتقد أن مصلحته الشخصية تتطلب ذلك، رأى اليوم أن مصلحته تقتضي أن يضحى بالإخوان المسلمين المصريين ومسلمي الإيغور الأتراك في الصين، وتقديم تنازلات للروس في سوريا ولماكرون في فرنسا حتى يفوز هو في الانتخابات المقبلة، فبعد أن تحوّل إلى ديكتاتور لم يعد بإمكانه تحمّل فكرة فقدان السلطة التي وصل إليها منذ ما يقرب من عقدين.

وقال الكاتب نيكولاس مورغان "بعد بدء الربيع العربي في عام 2011، تبنى أردوغان على الفور الجماعات الإسلامية السياسية المرتبطة بالإخوان كوسيلة لتعزيز دور تركيا كقائد في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع. لقد دعم بسهولة حكومة محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين المنتخبة رئيسًا لمصر بعد تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة في عام 2011. المنطقة بالدعم الدبلوماسي والمالي، وقد أثار هذا غضب زعماء الخليج في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذين ينظرون إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها تهديد لاستقرارهم، وهي وجهة نظر يبدو أنها أثبتت صحتها عندما شاهدوا الشرق الأوسط ينفجر من الداخل مع عدم الاستقرار بعد الربيع العربي. وساهم ذلك في اندلاع حرب باردة صغيرة بين تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات ومصر بعد الإطاحة بمرسي على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي من جهة أخرى. اشتبك الجانبان بشدة في الحرب الأهلية الليبية وحصار قطر من قبل جيرانها الخليجيين من مايو 2017 إلى ديسمبر 2020.

ويبدو أردوغان أقل روعة مما كان عليه قبل عقد من الزمان. قال مصطفى قربوز، الذي يدرس في برنامج دراسات العالم العربي بالجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة، إن احتضان أردوغان للإخوان جاء في وقت كان أقوى في الداخل في وضعه السياسي، مما سمح له بممارسة دعم الإخوان بشكل أكثر فعالية في المنطقة.

وقال جوربوز "استخدم أردوغان دعم الإخوان المسلمين كورقة لحشد الدعم حول نظامه، لكن مثل هذا الخطاب لم يعد يقدم نفس القيمة بعد الآن".

في الواقع، قبل الربيع العربي مباشرة كان أردوغان في ذروة سلطته من نواح كثيرة. لقد تم تحييد "الدولة العميقة" العسكرية والقضائية التي أزاحت سابقًا الحكومات ذات الميول الإسلامية في التاريخ التركي من خلال عمليات التطهير والمحاكمات التي أتاحت لأردوغان مجالًا للمناورة. استمر الاقتصاد التركي في قوته، وعلى الرغم من مقاومة الأتراك العلمانيين، فقد حصل أردوغان على أغلبية برلمانية ظلت على حالها حتى فقد قوتها أمام معارضته في عام 2015.

ولكن اليوم يعاني أردوغان من تراجع معدلات الموافقة والاقتصاد التركي الذي يعاني من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة المرتفعة والليرة التركية المتناقصة. مع موقفه السياسي غير الآمن، اضطر أردوغان إلى البحث عن طرق للخروج من عزلته الجيوسياسية، وشمل ذلك إجراء تعديلات مع قوى معادية لاحتضانه لجماعة الإخوان المسلمين.

لقد تعرض الإخوان أيضًا للضرب في أعقاب الربيع العربي. في جميع أنحاء المنطقة، سقطت الحكومات المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين واحدة تلو الأخرى من تونس إلى السودان، وطردها رجال أقوياء أو المجالس العسكرية ذات العلاقات مع دول الخليج.

كما تعرضت جماعة الإخوان نفسها للخلافات الداخلية بين الأعضاء الأكبر سنًا الذين يواصلون التمسك بشكلها الهرمي الصارم في صنع القرار والسرية المفرطة، وكادر أصغر من الأعضاء الذين خاب أملهم من قادتهم. لا يزال العديد من قادتها في المنفى عبر تركيا وأوروبا وقطر، وبالتالي يظلون بعيدين عن الواقع على الأرض الذي تعيشه الأجيال الجديدة.

حكومة أردوغان  مستعدة للحد من جماعة الإخوان المسلمين

مع تراجعها في العقد الماضي، تضاءل التهديد المنبثق من جماعة الإخوان المسلمين التي حفزت خصوم أردوغان ضده. من خلال ذلك، وجدت تركيا ونظرائها الإقليميين مثل مصر والإمارات العربية المتحدة مجالًا للتفاوض لإذابة بعض الجليد الذي يحيط بعلاقتهم.

أظهرت حكومة أردوغان بالفعل أنها مستعدة على الأقل للحد من جماعة الإخوان المسلمين إذا كان ذلك يعني الاستفادة من فرص التقارب التي يمكن أن تفيدها جيوسياسيًا.

عندما بدأت تركيا في التقدم في دبلوماسيتها لتطبيع العلاقات مع مصر، أمر المسؤولون الأتراك القنوات الإعلامية التابعة للذراع المصري لجماعة الإخوان المسلمين بالتخفيف من حدة انتقاداتها للسيسي، وهي خطوة رحبت بها القاهرة. مثال آخر على ذلك هو الدفء في العلاقات التركية الإماراتية، وهو تطور أصبح ممكنًا جزئيًا بسبب تدهور جماعة الإخوان المسلمين كقوة سياسية في المنطقة.

يقول جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics في واشنطن العاصمة، إن هذا كان عاملاً مهمًا ساهم في رغبة الإمارات العربية المتحدة في النظر إلى علاقتها مع تركيا بشكل مختلف.

وقال كافييرو"إن الوضع التونسي والأحداث في السودان وسوريا ومصر وأماكن أخرى تركت القيادة في أبو ظبي تنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها حركة أقل تأثيراً مقارنة بالمراحل السابقة من الربيع العربي".

ويبقى أن نرى ما إذا كانت إعادة اندماج أردوغان في الشرق الأوسط تعني إنهاء رعايته للإخوان المسلمين بالكامل.

على الرغم من رغبتها في رؤية علاقات أفضل مع مصر، رفضت تركيا وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها جماعة إرهابية كما يفعل المصريون وحلفاؤهم الخليجيون. على الرغم من كل الخوف الذي ألهمه التطبيع بين المصريين المنفيين من جماعة الإخوان المسلمين في تركيا، لم يكن هناك أي مؤشر على تحرك السلطات لتسليم أي أخواني إلى مصر حيث يواجهون التعذيب والظروف القاسية الأخرى في السجن.

مثل قطر، الحليف الرئيسي لتركيا في الشرق الأوسط وداعمة جماعة الإخوان المسلمين، لم تلتزم أنقرة بتقليص أي من أنشطتها على الأقل علنًا. هذا على الرغم من تحرك كلا البلدين لتقليل العداء بينهما وبين أعداء الإخوان المسلمين مثل الإمارات. لم يثبت أي من هذا أنه يفسد الصفقة حيث من المحتمل أن تتحسن العلاقات بسبب ضعف جماعة الإخوان المسلمين.

ومع ذلك، بالنسبة لأردوغان، فإن هزيمة الإخوان المسلمين كقوة سياسية في المنطقة لا يمكن إلا أن تكون بمثابة انتكاسة لطموحاته السابقة للقيادة في الشرق الأوسط.

قال جوربوز من الجامعة الأمريكية: "لقد فقدت الأحزاب الإسلامية نشاطها". "مسرحية أردوغان الإقليمية عانت من هزيمة كبيرة".

 

--------------------------------------

مصادر