"الله يهنيك.. الله يهنيك"..

الأغنية الأمازيغية الملتاعة.. العقاب الأبدي

 لم أكن أعلم أن تلك الأغنية الأمازيغية الملتاعة، ستبقى عقابا أبديا

هشام بن الشاوي

 لم أكن أعلم أن تلك الأغنية الأمازيغية الملتاعة، ستبقى عقابا أبديا. تشرع في الكتابة، وكل أحزان  البشرية  تهطل في قلبك اليتيم، تمطر سماء عينيك، في طقس صيفي خانق، ويداهم   نشوة بكائك فرح غبي، يعكر صفو نزهتك في حقول شاسعة من البكاء الداخلي.. عجوز تافه  يترجم بهجته  بعودته إلى وطنه... بالبحث عن أشياء أكثر تفاهة منه، ومن هذا الزمن المقيت !

الله يهنيك.. الله يهنيك

لم تخبر صديقك، آنذاك، أنك عندما سمعتها أول مرة، في مقطع فيديو، وهي تنساب من حافلة.. أن الأحزان القديمة قد استأنفت رحلة الشتاء والصيف في  دمك، وأنك كنت تطير مع تلك الأهازيج الجارحة الجريحة، وأنت لا تغادر محبسك.  كنت  مثل ولي صالح، يستطيع أن يمشي فوق السحاب.. كنت  تتقافز - برشاقة غزال - فوق  كل هذه الإكراهات اليومية الكريهة،  مدججا بعروبة،  تحول دون فهمك لأغانٍ، يدهش ولعك بها صديقك الأمازيغي/ السوسي  يوسف،  لأنه - ببساطة - لا يحب  هذا البكاء الأطلسي المسفوح،  مثل دم مغدور.

طلبت قهوتك السوداء الخامسة في ذلك المساء الرتيب،  وقد عاودتك تلك الحالة التي تنتابك، كلما كنت على أهبة الكتابة. صرت  تعرفها جيدا، تبدأ الدموع في الترنح،  مثل سكير طرد، للتو، من حانة رخيصة، قبيل الفجر.

 إحساس لم يفقهه ذلك العجوز البائس، ذات نزيف..  ندمت لأنك في حالة ضعف إنساني، بحت له بالسر، تسرعت وعبرت  له عن مشاعرك في لحظات الكتابة.. فدنست قدسية اللحظة.

لم تتمالك نفسك، عند اكتشافك الثالث لهذا الوجع المشترك، ترسل  إلى صديقك رابط الأغنية الذابحة الذبيحة، مع تعريب لكلماتها.. لم تحدثه عن  تلك الفنانة الأمازيغية، التي حرمها الله من جمال، تتباهى به  نسوة، ، فاتهن  أن يدركن أن البهاء الحقيقي يكمن في الروح. كتبت لصديقك، بسرور  طفل  عثر على لعبة ضائعة، بحث عنها طويلا... كلمات تبدو بلا معنى، لمن غادر  هذه الدنيا. لاحقا، ستشعر بتأنيب الضمير، وبأنك وغد حقيقي، لأن رسالتك، ربما قرأها شخص آخر، ولعله لعن سلفك وخلفك، وأنت تمجد لوعة أغنية أمازيغية...

 لكن المفارقة تكمن في أن تدرك أخيرا، أن صديقك رحل دون أن يودعك..  تماما، كذلك الحبيب في الأغنية، رحل دون أن يدرك أن كلماتها ستبقى سياطا سرمدية تجلد مشاعرك، لأن حبيبا، قاسي القلب، اختار الرحيل، بلا رأفة... ربما، لم يكن يستطيع أن يتحمل كل حرقة هذا العتاب الموجع، فرحل إلى مكان لا يعرف أحقاد البشرية.. مكان حافل بالحب بلا فراق، وبلا أحزان ..

إبراهيم الحجري

الله يهنيك.. الله يهنيك..

وداعا.. وداعا..