تخصيب اليورانيوم..

البرلمان الإيراني يشكو الحكومة للقضاء بسبب الاتفاق مع الوكالة الذرية

واشنطن تحمل طهران مسؤولية الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد

طهران

أعلن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي الاثنين أن بلاده قد ترفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة، أي 20 ضعفا ما هو منصوص عليه في الاتفاق النووي وادني بنحو 30 بالمئة عن مستوى التخصيب الذي يسمح بصنع أسلحة نووية، فيما أعلن البرلمان مقاضاة الحكومة لعدم تطبيقها قرار منع التفتيش المفاجئ للمنشآت النووية، في تطورات تختزل سيناريو التحلل الإيراني من الاتفاق النووي، بينما تميل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى العودة لاتفاق 2015 ويكابد الشركاء الأوروبيون لإنقاذه من الانهيار.

ويأتي التصعيد الإيراني فيما تنتهي مهلة حددتها طهران لشركاء الاتفاق النووي لتنفيذ التزاماتهم وإلا فإنها ستمضي قدما وبلا رجعة في انتهاك ما يتعلق بها من الالتزامات وهو ما لخصه خامنئي بحديثه عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة.

وسبق لإيران أن بدأت في تخصيب مادة معدن اليورانيوم بنسبة ضعيفة، لكنها خطوة تصعيدية أخرى في مسار التحلل من الاتفاق وخطوة نحو التخصيب لأغراض عسكرية، في ضغوط مضادة تسعى من خلالها لانتزاع مكاسب نووية وسياسية بمنطق أنه لم يعد أمامها ما تخسره في ظل رفض الإدارة الأميركية رفع العقوبات فورا وعلى ضوء اشتراطات من الجانبين للعودة لاتفاق 2015.

وتبدو الأزمة عالقة في مربع الشد والجذب ولي الأذرع بين طهران وواشنطن بينما ينفد الوقت أمام الجميع للعودة لمسار الحل الدبلوماسي وهو ما سبق أن حذّرت منه أكثر من جهة دولية مرجحة أن عودة إيران عن انتهاكاتها النووية أمر صعب خاصة وأنها مقبلة على استحقاق انتخابي في يونيو/حزيران، ما يؤجج التنافس بين المحافظين الراغبين في استعادة منصب الرئاسة والإصلاحيين المتمسكين بالدبلوماسية وبالحفاظ على مكاسبهم السياسية.

وفي وقت تتضافر فيه الجهود الأميركية الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي من الانهيار، يقابل النظام الإيراني تلك الجهود بتصعيد تلو الآخر، فإلى جانب تصريحات المرشد الأعلى تعرضت السفارة الأميركية ببغداد إلى هجوم صاروخي يشتبه أن الميلشيات الموالية للجمهورية الإسلامية تقف وراءه في محاولة لتكثيف الضغوط على واشنطن.

أعلن خامنئي أن بلاده قد ترفع مستوى تخصيب اليورانيوم من 20 بالمئة حاليا إلى 60 في حال احتاجت لذلك، و"لن تتراجع" في المجال النووي.

وقال "نحن مصمّمون على امتلاك القدرات النووية بما يتلاءم مع حاجات البلاد ولذلك سقف إيران للتخصيب لن يكون 20 بالمئة، وسنتصرف (وصولا) إلى أي مستوى نحتاج إليه وتتطلبه البلاد، مثلا من أجل المحرك النووي أو أعمال أخرى، يمكن أن نذهب إلى تخصيب بنسبة 60 بالمئة"، وذلك وفق ما جاء في بيان نشره موقعه الالكتروني الرسمي.

إلى ذلك قلل مسؤول أميركي من أهمية هذه التصريحات، قائلا إن ذلك سيكون مقلقا، لكن إيران لم تنفذ ذلك بعد وإن واشنطن تنتظر لترى ما إذا كانت طهران ستعود للمحادثات.

وقال المسؤول الأميركي الذي طلب عدم نشر اسمه "حتى نعود إلى المحادثات، سيسعى الطرفان لاتخاذ مواقف...لتشديد اللهجة...دعنا نرى ما إذا كانوا سيوافقون على العودة إلى طاولة (التفاوض)."

وتأتي تصريحات خامنئي في إطار الدفع لتصعيد الانتهاكات النووية في وقت تبدي فيه إدارة بايدن ليونة للعودة للاتفاق النووي، ولا تخرج تصريحات المرشد الأعلى أيضا عن سياق الخلاف والانقسام داخل إيران بين المحافظين والإصلاحيين.

واحتج مشرعون إيرانيون الاثنين على قرار إيران السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعمليات المراقبة "الضرورية" لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر قائلين إن القرار ينتهك قانونا ينهي هذا الأسبوع التفتيش المفاجئ الذي تقوم به الوكالة.

وفي هذا السياق قرر البرلمان الإيراني الذي يهمين عليه المحافظون مقاضاة الحكومة على خلفية الاتفاق المبرم مع الوكالة الذرية، حيث وافق المشرعون الإيرانيون داخل البرلمان على إرسال ملف رفض الحكومة تطبيق قانون "العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات" إلى القضاء.

وقال مجتبى ذو النور رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني وفقا لوسائل الإعلام الرسمية "الحكومة ليس لها الحق في أن تقرر وتتصرف بشكل تعسفي"، "هذا الترتيب يمثل إهانة للبرلمان".

وفي إطار التصعيد الإيراني تحرك طهران تحرك خيوط لعبة الضغط في أكثر من اتجاه، فبالتزامن مع التطورات السابقة تعرضت السفارة الأميركية في العاصمة العراقية الاثنين إلى هجوم صاروخي يعتقد أن ميليشيات موالية لطهران تقف وراءه.

وأفادت مصادر عسكرية وأمنية وكالة فرانس برس أن صواريخ استهدفت السفارة الأميركية الواقعة في المنطقة الخضراء الشديدة الحراسة في بغداد.

والهجوم هو الثالث خلال أسبوع الذي يستهدف منشآت دبلوماسية أو عسكرية أو تجارية غربية في العراق بعد شهور من الهدوء النسبي.

وحذرت الولايات المتحدة بأنها ستحمّل إيران "المسؤولية" عن أفعال حلفاء الجمهورية الإسلامية في العراق، لكنّها أكدت أنها لن تسعى لتصعيد النزاع.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس بعد ساعات على إطلاق صواريخ باتّجاه السفارة الأميركية في بغداد "سنحمّل إيران المسؤولية عن أفعال أتباعها الذين يهاجمون الأميركيين" في العراق، موضحا أن القوات الأميركية ستتجنّب المساهمة في "تصعيد يصب في مصلحة إيران".

ويأتي الهجوم هذا الهجوم على ما يبدو لزيادة الضغط من قبل إيران على الولايات المتحدة بخصوص العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات التي وضعت الاقتصاد الإيراني على حافة الانهيار، رغم ليونة موقف واشنطن في التعامل مع نهج طهران التصعيدي.

وفي وقت سابق من الاثنين أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة ستسعى لتعزيز وتمديد الاتفاق المبرم بين القوى العالمية وإيران والذي يهدف إلى الحد من برنامجها النووي.

لكن تصريحات خامنئي برفع تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة ومضاعفة الحد الأقصى المنصوص عليه بالاتفاق النووي (3.6 بالمئة) 20 مرة إلى جانب بدء إيران تخصيب معدن اليورانيوم الذي يستخدم في صناعة الأسلحة النووية، يعني عمليا أن الجمهورية الإسلامية وضعت الاتفاق النووي وراء ظهرها وستمضي في التخصيب لأغراض عسكرية.

ويتوجس المجتمع الدولي من قدرة إيران على حيازة أسلحة نووية تشكل خطرا حقيقيا على الأمن والاستقرار، لاسيما وأن لإيران سوابق في تنفيذ اعتداءات إرهابية وهجمات في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، وهي متهمة على نطاق واسع بتغذية الاضطرابات في المنطقة عبر تحريك أذرعها في أكثر من جبهة.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد قالت أمس الأحد إنها توصلت لاتفاق مع إيران للتخفيف من وطأة الخطوات التي تعتزم طهران اتخاذها هذا الأسبوع والتي تشمل إنهاء عمليات التفتيش المفاجئة حيث اتفق الجانبان على إبقاء المراقبة "الضرورية" لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر.

وتنتهك إيران تدريجيا شروط الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى منذ انسحاب الولايات المتحدة منه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 ومعاودتها فرض العقوبات على طهران. ويهدف الاتفاق إلى منع إيران من صنع أسلحة نووية تقول طهران إنها لم تحاول مطلقا إنتاجها.

وافقت إيران بموجب الاتفاق على تنفيذ بروتوكول إضافي يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة في مواقع غير معلنة لها.

ولكن من أجل الضغط على الرئيس الأميركي الجديد سن البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون في إيران قانونا العام الماضي يلزم الحكومة بإنهاء تنفيذ البروتوكول الإضافي اعتبارا من غد الثلاثاء ما لم تُرفع العقوبات الأميركية.

ولإتاحة فرصة أمام الدبلوماسية، توصلت الوكالة التابعة للأمم المتحدة إلى اتفاق مع إيران أمس الأحد للحد من أثر تقليص تعاونها مع الوكالة ورفضها السماح بالتفتيش المفاجئ.

وقالت السلطات الإيرانية إنه على الرغم من أن الاتفاق الجديد سيبقي عدد المفتشين الدوليين كما هو، فإن طهران ستحجب الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة في بعض منشآتها عن الوكالة في الوقت الحالي.

ولم تحدد إيران أي كاميرات في أي منشآت، لكن البروتوكول الإضافي يوسع بشكل عام نطاق مراقبة الوكالة ليشمل أنشطة مثل تعدين اليورانيوم.

وكتب كاظم غريب أبادي مبعوث إيران لدى الوكالة على تويتر يقول إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات خلال فترة الثلاثة أشهر ستسمح إيران بمشاركة البيانات مع الوكالة، "وإذا لم يحدث ذلك ستدمر طهران البيانات للأبد".

لكن عددا من البرلمانيين الإيرانيين البارزين انتقدوا الاتفاق واتهموا الحكومة بالالتفاف على القانون. وقالت الوكالة في بيان أمس الأحد إنها "ستستمر في القيام بأنشطة المراقبة والتحقق الضرورية لمدة ثلاثة أشهر".

ويبدو ضغط المتشددين داخل البرلمان دفع الحكومة الإيرانية للتراجع عن اتفاقها مع الوكالة الذرية، فبعد أن قالت وزارة الخارجية الإيرانية الاثنين إن إيران ستستمر في تنفيذ التزامها الأساسي تجاه الوكالة بموجب الاتفاق النووي الذي يسمح بمراقبة منشآتها النووية المعلنة،  أفادت وكالة تسنيم شبه الرسمية بإنهاء السلطات الإيرانية العمل بالبروتوكول الإضافي الذي يتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية تنفيذ عمليات تفتيش مفاجئة في مواقع غير معلنة للوكالة عند الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش.

ونقلت تسنيم عن غريب أبادي قوله "اعتبارا من منتصف الليل الليلة (20:30 بتوقيت غرينتش) لن يكون لدينا التزامات سوى إجراءات السلامة. تم إصدار الأوامر اللازمة للمنشآت النووية".