شهريار كيا يكتب لـ(اليوم الثامن):

الخيار الثالث.. رؤية للتغيير الديمقراطي في إيران

في العشرين من يونيو/حزيران 1981، شهدت إيران لحظة فاصلة في تاريخها الحديث، حين خرج نصف مليون إيراني إلى شوارع طهران في مظاهرة سلمية نظمتها منظمة مجاهدي خلق، مطالبين بالحرية والديمقراطية. لكن النظام الديني، بقيادة الخميني، رد بقمع وحشي، حيث أطلق الحرس الثوري النار على المتظاهرين، معلنًا بداية موجة من الإعدامات والاعتقالات. هذا اليوم، الذي يُعرف بيوم الشهداء والسجناء السياسيين، لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان شرارة انطلاق المقاومة الإيرانية بقيادة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي تتزعمه مريم رجوي، في مواجهة الديكتاتورية الدينية. 

 

لم تكن مظاهرة 20 يونيو/حزيران 1981 مجرد احتجاج عابر، بل كانت تعبيرًا عن رفض الشعب الإيراني لنظام ديني استولى على ثورة 1979، التي أطاحت بالشاه، ليحل محلها استبداد أشد قسوة. وقد واجه النظام هذه المطالبات السلمية بالرصاص الحي، مما أدى إلى مقتل العشرات وبدء حملة قمع استهدفت معارضيه. منذ تلك اللحظة، أصبحت المقاومة الإيرانية، بقيادة منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة، رمزًا للصمود ضد الطغيان. على مدى أكثر من أربعة عقود، قدمت هذه الحركة تضحيات هائلة، حيث قُتل أكثر من 120,000 من أعضائها ومؤيديها، وتعرض مئات الآلاف للسجن والتعذيب. ورغم ذلك، استمرت المقاومة في تنظيم الاحتجاجات والعمليات داخل إيران، حيث نفذت وحداتها المقاومة أكثر من 3,000 عملية خلال العام الماضي، مما يعكس دعمًا شعبيًا واسعًا وقاعدة تنظيمية قوية.

 

منذ عقدين من الزمن، دعت مريم رجوي إلى "الخيار الثالث" كحل للأزمة الإيرانية، وهو خيار يرفض التهدئة مع النظام الديني والتدخل العسكري الأجنبي، ويعتمد على تغيير النظام بيد الشعب الإيراني والمقاومة المنظمة. في خطاباتها أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، أكدت رجوي أن النظام الديني غير قابل للإصلاح، مشيرة إلى أن "الأفعى لا تلد حمامة". هذا النظام، الذي يعتمد على القمع الداخلي، تصدير الإرهاب، والسعي لامتلاك أسلحة نووية، لا يمكن أن يكون شريكًا موثوقًا للمجتمع الدولي.

يُعد المجلس الوطني للمقاومة، الذي تأسس قبل 44 عامًا، البديل الديمقراطي الوحيد لهذا النظام. يضم المجلس أعضاء من خلفيات سياسية وثقافية متنوعة، حيث تشكل النساء أكثر من نصف عضويته، وهو يدعو إلى إقامة جمهورية ديمقراطية تعتمد على فصل الدين عن الدولة، المساواة بين الجنسين، إلغاء عقوبة الإعدام، وإيران خالية من الأسلحة النووية. هذه الرؤية، التي قدمتها رجوي في خطة من عشر نقاط عام 2006 أمام مجلس أوروبا، حظيت بدعم واسع من 34 هيئة تشريعية في أوروبا وأمريكا، إلى جانب 117 من قادة العالم السابقين و80 من الحائزين على جائزة نوبل.

 

لقد أثبتت سياسات التهدئة الغربية تجاه النظام الإيراني فشلها الذريع. منذ عام 2004، حذرت رجوي من أن هذه السياسات لا تعزز الاستقرار، بل تشجع النظام على مواصلة سياساته العدوانية، بما في ذلك دعم الإرهاب، قمع الشعب الإيراني، والسعي لامتلاك أسلحة نووية. وقد أثبتت الأحداث الأخيرة، بما في ذلك الحرب التي اندلعت في 13 يونيو/حزيران 2025، صحة هذه التحذيرات، حيث أدت سياسات التهدئة إلى تصعيد التوترات في المنطقة. وعلى الرغم من إقرار البرلمان الأوروبي بالعديد من القرارات التي تدين انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، فإن الاتحاد الأوروبي لم يصنف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، مما يعكس استمرار نهج التهدئة.

إن النظام الإيراني يعتمد على القمع الداخلي وتصدير الإرهاب للبقاء في السلطة. فمنذ أغسطس/آب 2024، نفذ النظام أكثر من 1,350 عملية إعدام، مما يجعل إيران الدولة الأعلى في معدلات الإعدام للفرد في العالم. ورغم ذلك، تجاهلت الحكومات والإعلام الغربي هذه الحقيقة المروعة إلى حد كبير. في المقابل، تواصل المقاومة الإيرانية تنظيم الاحتجاجات، حيث أصبحت الاضطرابات في إيران من أكثر الاحتجاجات استمرارية وانتشارًا في العالم.

 

يُعد الدور الريادي للمرأة أحد أبرز إنجازات المقاومة الإيرانية. لقد كانت النساء في طليعة النضال ضد النظام الديني، مستلهمات من عشرات الآلاف من المقاتلات والسجينات السياسيات اللواتي ضحين بحياتهن من أجل الحرية. إن قيادة النساء للمقاومة ليست مجرد رمز، بل هي قوة دافعة ألهمت جيلًا جديدًا من الإيرانيات للوقوف في وجه القمع. وتؤكد رجوي دائمًا على أن المساواة بين الجنسين هي ركيزة أساسية لبناء إيران ديمقراطية.

 

إن المقاومة الإيرانية، بقيادة مريم رجوي والمجلس الوطني للمقاومة، تمثل الأمل الوحيد لإيران ديمقراطية وحرة. منذ 20 يونيو/حزيران 1981، واصلت هذه الحركة نضالها ضد الديكتاتورية الدينية، مقدمة تضحيات هائلة لتحقيق حلم الشعب الإيراني بالحرية. إن الخيار الثالث الذي تدعو إليه رجوي هو خارطة طريق لتغيير النظام بيد الشعب الإيراني، بعيدًا عن التدخلات الأجنبية أو التنازلات للنظام. كما أشار مسعود رجوي، زعيم المقاومة: "لن نعود إلى الماضي، ولن نبقى عالقين في الحاضر، المستقبل سيتحقق بلا شك". إن دعم المجتمع الدولي لهذه المقاومة، والتخلي عن سياسات التهدئة، هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.