د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):

حرب صيف 94 ضد الجنوب في ميزان القانون الدولي والإنساني

عدن

إن فكرة المقالة البحثية هذه انطلقت من سؤال هو كيف انتهت حرب العدوان ضد الجنوب في حرب صيف 94م؟ ومن هذا السؤال تتولد أسئلة اخرى إلى أي مدى التزم الاحتلال اليمني لأحكام قانون الحرب؟ وما مدى التزامه كذلك بقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بوقف إطلاق النار؟  وكيف يمكن لشعب الجنوب اليوم المطالبة  بكل ما أصابه من جرأ جرائم الاحتلال اليمني ولفترة ثلاثة عقود ونيف؟ 

 

إن هذه الإشكالية الحقيقة تحتاج إلى بحوث ودراسات معمقة من ذوي الاختصاص للوصول إلى الحقائق القانونية الدامغة التي تجرم حرب العدوان ضد شعب الجنوب. 

 

إن أبسط تعريف إجرائي للحرب هو لجوء دولة أو أكثر إلى وسائل الإكراه العسكرية واستخدامها ضد دولة أو دول أخرى بهدف حملها على الاستجابة والرضوخ لإرادتها أو تحقيق غاية مادية أو معنوية. 

 

ومما سبق يتبين أن الحالة القانونية لحرب صيف 94 تنطبق عليها أشخاص القانون الدولي الذي يمكنهم اكتساب حقوق والتحمل بالالتزامات التي ترتب آثار قانونية. 

 

أما إذا نظرنا إلى نوعية الحرب الذي شنها الاحتلال اليمني ضد الجنوب، فهي حرب عدوان بكل المقاييس من قبل صنعاء وحرب دفاعية مشروعة من قبل عدن، وتلك الحرب لا تنطبق عليها تسمية الحرب الأهلية مما يجعلنا على يقين أن هناك طرفين متصارعين كلا له شخصه القانوني.

 

وللنظر في مراحل الحرب فقد كانت لها بداية من أول لحظة لتوقيع مشروع الوحدة السلمية بين الدولتين واستمرت حتى توجت بوثيقة عهد واتفاق تم نقضها قبل أن تجف احبارها، وذهب الطرف اليمني  إلى حشد الجيوش وإعلان الحصار والتعبئة العامة ومن ثم تلتها إعلان الحرب والتحريض الديني المصحوب بلغة التكفير وتم احتلال معسكرات جنوبية في محافظتي عمران وذمار. 

 

ومن المعروف أن للحرب نهايتين هما،  أما أن تكون نهاية طبيعية وهي تلك الحرب التي تنتهي بسلام او هدن واتفاقيات بين الأطراف، والحرب الأخرى غير طبيعية وهي التي تنتهي بغزو او احتلال عسكري إخضاع الاخر بالقوة القهرية. 

وفيما يخص انتهاء حرب صيف 94م ضد الجنوب فأنها كانت نهاية غير طبيعية للحرب حيث تم احتلال وغزو الجنوب  بالقوة العسكرية وتم اعلان النصر في 7/ 7/ 1994.

 

ومن هنا فأن المواثيق والمعاهدات الدولية تعد انتهاء الحروب بهذه النهاية بين الدول المتنازعة فأنه يترتب أثار قانونية هامة وخطيرة على صعيد القانوني والدولي والالتزامات الدولية الناشئة عن ذلك الغزو أو الاحتلال.  وابرزها. 

1- لا ينقل ملكية الدولة أو الاقليم المحتل مادام الحرب انتهت بطريقة غير طبيعية بسلام أو هدنة أو اتفاق.. 

2- لا يمكنه التغيير في هوبة الاقليم المحتل سواء سكانيا أو ثقافيا او دينيا، أو أن تمس الملكية الفردية أو العامة لسكان الاقليم أو الدولة. 

 

وإذا طبقنا ذلك على الجرائم التي ارتكبها الاحتلال اليمني في الجنوب جراء مخالفاته للقواعد القانون الدولي بوجه عام والإنسانية بوجه خاص،  سنرى كم هي تلك الجرائم المرتكبة ضد شعب بأكمله. 

 

وفي سبيل كشف إجرامية تلك تلك الحرب نطرح سؤالا، ماهي مشروعية حرب وعدوان صيف 94م التي جعلت ذلك العدوان مستمرا حتى اللحظة. 

إن التمييز بين الحرب العادلة والحرب غير العادلة يفرض علينا معرفة مشروعية النصوص الدولية التي تقر مشروعية أو عدالة تلك الحرب أو غير مشروعيتها. 

أذن هل كانت الحرب ضد الجنوب في صيف 94 حربا مشروعة. 

 

إن القارئ للمواثيق الدولية يرى انها تشدد وتحرم وتجرم وتحضر. اللجوء للحرب كوسيلة تسوية للصراعات والنزاعات الدولية باعتبارها جريمة دولية. وحدث مخالف للقانون الدولي في المادة(2/4) من الميثاق.

 

ومن ذلك المنطلق فأن الحرب على الجنوب في منظور القانون الدولي جريمة لا تسقط بالتقادم، لاسيما أن مجلس الأمن الدولي حينها أصدر قرارين دوليين بوقف إطلاق النار وعدم تعريض المدنيين في عدن ومدن الجنوب للقتل ودعاء طرفي الحرب للجلوس على طاولة المفاوضات،  لكن صنعاء لم تعطي تلك القرارات أي اهتمام ورمت بها خلف الحائط غير مبالية لنتائج تلك التجاوزات واستمرت في حربها وعدوانها حتى اسقطت عدن والجنوب عسكريا. 

ومما سبق يؤكد أن صنعاء استخدمت قواتها المسلحة ضد سيادة دولة الجنوب التي فكت ارتباطها من مشروع الوحدة اليمنية المعمد بالدم،  دون أي مسوغ قانوني لا محلي ولا دولي ومن هنا يعد العدوان ضد الجنوب وشعبه ودولته جرما دوليا حيث أن طرف الحرب المعتدي ارتكبت أفعال الحرب الإجرامية الموجبة للمسؤولية الدولية المدنية كما اعتبر بموجب المادة ( 19)من مشروع لجنة القانون الدولي " أن الجريمة الدولية يمكن أن تنجم عن انتهاك خطير لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين كالتزام بتحريم العدوان".

وما هو لافت هنا هو أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد اعتبر العدوان كأحد الجرائم التي تختص بها المحكمة. 

ومن أبرز النتائج التي سنخلص إليها في هذه القراءة هي : 

1- أن الحرب العدوانية في صيف 94 ضد شعب الجنوب تفتقد للشرعية القانونية، فهي لم تملك السند القانوني لشن الحرب لاسيما ان مبررة أنها تريد تفرض الوحدة على شعب الجنوب بالقوة العسكرية وكما هو معلن في شعار الحرب( الوحدة او الموت)  وتبريرها هذا مخالف للمواثيق الدولية. 

2-أن الحرب التي شنت ضد الجنوب في صيف 94 تعد نزاعا ذا طابع دولي يفرض على دولة الاحتلال التقيد والالتزام في إدارة العمليات العسكرية ضد الجنوب بالنظام القانوني الذي يحكم النزاعات المسلحة. 

3- عدم التزام الاحتلال اليمني بقرارات مجلس الامن الدولي القاضي بإيقاف إطلاق النار،  وكذلك عدم احترام مناشدات الدول العربية الإقليمية بوقف اطلاق النار . 

4- عدم احترام الاحتلال اليمني قواعد القانون الدولي الانساني بعد احتلال الجنوب. 

5- ارتكب الاحتلال اليمني خلال ثلاثة عقود ونيف الآلاف الجرائم الدولية وأبشعها والمنصوص والمعاقب عليها وفقا للمادة الخامسة من مثياق روما وهب جرائم الحرب جريمة العدوان الجرائم ضد الانسانية وجريمة ابادة الجنس البشري. 

6- في القانون الدولي وطبقا لقواعد للقانون المسؤولة المدنية فان كل عمل غير مشرةع ترتب عليه أضرارا للدولة ضحية الاعتداء أو أفرادها فأنه يتوجب التعويض وبما أن الاحتلال اليمني للجنوب يعد خرقا لميثاق الأمم المتحدة فأنه يتوجب التعويض المادي والمعنوي ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب. 

7- إذا كانت المادة (36) من النظام الأساسي، لمحكمة العدل الدولية تقرر أن ولاية المحكمة تشمل جميع القضايا التي يرفعها إليها الخصوم،  فأن لشعب الجنوب وقيادته السياسية الحق في أن يؤسس، لمساءلة مدنية لمجرمي الاحتلال اليمني وكذلك المطالبة بالتعويضات المناسبة عن الأضرار التي، لحقت بشعب الجنوب وحضارته ودولته.