عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):

اليمن والمجتمع الدولي ومؤتمرات السلام والتغريد خارج السرب


منذ عام 2019 م كثر الحديث عن السلام في اليمن ،  وسبل تحقيقه ، غابت مفردات الانقلاب واستعادة الشرعية ، وحلت محلها مفردات السلام والحلول السياسية ، التي باتت الشغل الشاغل للإقليم والمجتمع الدولي .

أضحى الضخ الإعلامي الكبير لضرورة إحلال السلام بإنهاء الحرب في اليمن وفق تسوية سياسية ، تهيئة لليمنيين للقبول بأي حلول قادمة ، ولو كانت مبتورة عن آمالهم في أن تأتي تلك الحلول بعد هزيمة قاسية للمليشيات الحوثية ، تجبرها على القبول بحلول لا تكافئها على انقلابها ، أو تمنحها استحقاقات على جرائمها في حق اليمنيين !

المؤشرات والمعطيات الحالية ، تقودنا للقول :  إن المجتمع الدولي والإقليم قررا إنهاء الحرب ، وفق خريطة السيطرة الحالية لأطرافها في الداخل ،  الأمر الذي يدفعنا للتكهن بأن أي اتفاقات قادمة ستفرض لإنهاء الحرب ، ستكن وفق صيغة يراعى فيها تقاسم السلطة والنفوذ بين المليشيات الحوثية ومكونات السلطة الشرعية وفقا لنفوذها وحجم تواجدها العسكري على الأرض .

للوصول لقناعة بالحلول القادمة التي سيرسمها الإقليم والمجتمع الدولي ، لابد من فترة كافية للتسويق لتلك الحلول ، والتي بدأت بهدنة لشهرين جددت لشهرين إضافيين ، ثم انعقاد منتدى اليمن الدولي في العاصمة السويدية استكهولم ، وقد تعقد في الفترة القادمة مؤتمرات وندوات عن السلام وسبل تحقيقه في اليمن ، والتي ليست ذات جدوى سياسية، بقدر ما تأتي في سياق التسويق للمليشيات الحوثية ، وكأنها طرف سياسي ، لا مليشيات مسلحة انقلبت على الدولة وتوافقات اليمنيين .

ثمة حقيقة لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال ، هي أن المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة فشل فشلا ذريعا في مواجهة خروج المليشيات الحوثية السافر على الأعراف الإنسانية والقررات الدولية ، لاسيما  القرار 2216 ، والذي ما زال حبرا على ورق ، تم تمريره في مجلس الأمن دون فيتو ،  للعلم المسبق باستحالة تطبيقه على أرض الواقع أو أنه سيفرغ من مضمونه .

 حرص الشرعية اليمنية والداعمين لها على البحث عن حل للصراع في اليمن في  أروقة الأمم المتحدة أو دهاليز مجلس الأمن ، في سياق إيجاد توافق عربي دولي ؛ لإنهاء انقلاب المليشيات الحوثية وسعيهم لزعزعة استقرار اليمن وجيرانه ، دون إدراك قصور المجتمع الدولي المتعمد في إجبار المليشيات الحوثية على وقف جرائمها بحق اليمنيين ، بالإضافة لترويج المجتمع الدولي لمؤتمرات ومنتديات سلام ، يزعم أنها ستوقف الحرب ، لن تكن نتائجها إلا إخراج المليشيات الحوثية من عزلتها السياسية وقبل ذلك من دائرة التمرد .

لدى اليمنيون قناعة راسخة أن موقف المجتمع الدولي مما يجري في بلدهم ، يراد منه استسلام اليمنيين للمليشيات الحوثية ،  والذي يدار بطريقة تجعل تنكيلها وبطشها المفتوح ، يتوازى تماما مع سلبية المجتمع الدولي ؛ لتحقيق أهداف وأغراض تتجاوز مصلحة واستقرار اليمن ، وتمر عبر صراع داخلي ، تخطى مرحلة النشوء ليدخل مرحلة التجذر ، لعب فيه المجتمع الدولي دورا محوريا ، لاسيما بعد تدويل الشأن اليمني ، الأمر الذي جعل صراع الكبار هو صراع بين اليمنيين ، من مستلزماته مواصلة المليشيات الحوثية للقتل الأعمى المغذى بأحقاد طائفية ؛  لتعزيز تقسيم اليمنيين لفئات متناحرة منفلتة من عقالها ، تمارس القتل المفتوح ، تجعل السلاح غايتها وإبادة البشر وما يملكون أسمى أمانيها .

أدخل الحوثيون اليمن إلى ساحة صراع ، تعج  بالاحتراب والفوضى ؛ لجني أكبر قدر من المكاسب في أي تسوية محتملة للصراع ؛ لذلك أصبح شغلهم الشاغل هو تعقيد الأزمات ، وشحن المجتمع بعناصر الخراب والقتل ؛  بحيث لم تعد اليمن ميدان صراع بين انقلاب ومقاومته ، بل ساحة صراع بين قوى  إقليمية ودولية ، تركز جهودها على استنزاف اليمن دولة ومجتمعا ؛  بإطالة الصراع وتمزيق الأواصر ومعطيات التاريخ والثقافة ، وترسم حدودا يدور الصراع داخلها ، فيها خطوط حمراء يمنع تجاوزها ؛ ولذلك سعى ويسعى المجتمع الدولي لديمومة الصراع ، حتى يتم إنضاج ظروف اتخاذ قرار خارجي حول مصير اليمن ، ومن هنا يمكن فهم الحرص على منع حسم المعركة على الأرض لصالح الشعب اليمني وقواه الوطنية .

سيبذل المجتمع الدولي جهودا كبيرة لتضع الحرب في اليمن أوزارها ، حين يصل الصراع لدرجة الإشباع ، وتشعر الأطراف الضالعة فيه أنه شرع في الإضرار بمصالحها ويناقض حساباتها ، وهذا يعني أن القوى المحلية ليست هي التي ستوقف الحرب ، وأن اليمنيين وحدهم هم من يدفعون ثمن وضع ، تراكمت فيه المقومات الداخلية والإقليمية والدولية ، لنذهب إلى ما نخشى الوصول إليه ،  وليأخذنا الانقلابيون الحوثيون إلى أقلمة الصراع وتدويله ؛ من أجل بقائهم رغما عن اليمنيين محتفظين بمكاسبهم السياسية والعسكرية التي جنوها عبر فوهات البنادق .