إدريس الكنبوري يكتب:

أفريقيا 2020… اختبار الديمقراطية

ربما سيكون ما تبقى من السنة الحالية مناسبة لقياس مدى نضوج التجربة السياسية في القارة الأفريقية وقدرتها على العبور إلى الضفة الأخرى والالتحاق بنادي الديمقراطيين.

وعلى مدى ما يقرب من ستة عقود، أي منذ الاستقلال السياسي لغالبية الدول الأفريقية، ظل الكثيرون في الغرب يراهنون على استحالة نجاح الديمقراطية في القارة، ليس بسبب الخلفية الاستعمارية أو الصراعات الإثنية والقبلية وغلبة الاستبداد السياسي، بل بسبب “الأصول الثقافية” للأفارقة، ما يعني أن الديمقراطية ولدت في أوروبا البيضاء لتبقى بالداخل.

ومع ذلك فإن سنة 2020 هي سنة الانتخابات الأفريقية بامتياز، لأن جميع بلدان القارة شهدت أو ستشهد جولات انتخابية، سواء كانت انتخابات بلدية أو تشريعية أو رئاسية. وقد بدأت هذه الموجة من الانتخابات البلدية في بنين في مايو الماضي، والانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية في بوروندي في الشهر نفسه. كما نظمت انتخابات مماثلة في جزر القمر والكاميرون وغانا.

وحتى الآن، التزمت جميع الدول الأفريقية التي ستشهد انتخابات رئاسية بالمواعيد التي حددتها، ما عدا تشاد التي أعلنت تأجيل الانتخابات الرئاسية فيها إلى شهر أبريل من العام القادم، بسبب تداعيات فايروس كورونا.

ولكن الأنظار تتجه إلى خمسة بلدان أساسية في غرب أفريقيا ستشهد انتخابات رئاسية في غضون ستة أشهر، وستكون اختبارا حقيقيا لمدى تقدم الوعي السياسي في القارة بشكل عام، ونضج التجارب الانتخابية مقارنة مع العقود الماضية، وتطور الأداء السياسي للأحزاب والفاعلين السياسيين، وأخيرا قدرة المؤسسة العسكرية على الوقوف على الحياد. فمن غينيا إلى أفريقيا الوسطى مرورا بساحل العاج وبوركينا فاسو والنيجر، ستكون القارة السمراء على موعد حاسم مع صناديق الاقتراع.

بيد أن المعطى الجديد هذه المرة نسبي مقارنة مع الجولات الانتخابية القديمة في البلدان الأفريقية، حيث أن هذه الانتخابات ستجري في إطار نوع من التعددية والمنافسة بين المرشحين، ولن يكون فيها الرئيس وحده يسابق ظله، مثلما جرت التقاليد السابقة.

التحدي هذه المرة يبدو مختلفا إذ تواجه الدول التي تستعد لإجراء انتخابات مشكلات أمنية بسبب الإرهاب

وما عدا هذه الميزة الشكلية، ستجري الانتخابات في هذه البلدان تحت وقع الأزمات السياسية وأطماع الرؤساء الحاليين في الخلود على كراسي الحكم، أو على الأقل ضمان ولاية جديدة، غالبا ما يكون الدافع وراءها الرغبة في التغطية على الفساد وإخفاء الملفات ذات العلاقة بممارستهم للسلطة هم وشركاؤهم والتصرف في اقتصاد البلد.

في غينيا ستجري الانتخابات الرئاسية يوم 18 أكتوبر المقبل، في ظل أزمة سياسية، حيث يعرف هذا البلد احتجاجات واسعة من طرف أحزاب المعارضة منذ أشهر عدة، بعد أن عبّر الرئيس ألفا كوندي عن نيته تعديل الدستور بحيث يمكنه الترشح للمرة الثالثة، ما أثار موجة من السخط وسط تيارات المعارضة التي لوحت بمقاطعة الانتخابات.

نفس الأمر بالنسبة لساحل العاج التي ستشهد انتخابات رئاسية يوم 31 أكتوبر في ظل توتر سياسي بارز، منذ أعلن الرئيس الحالي الحسن واتارا في 2017 نيته عدم الترشح للانتخابات، ثم ما لبث أن تراجع عن موقفه مع اقتراب موعد الرئاسيات، مستندا على التعديل الدستوري في 2016 والذي حدد مدة الرئاسة في ولايتين، حيث اعتبر أن الدستور الجديد يشكل بداية من الصفر ويمنحه حق الترشح مرة أخرى، رغم أنه في السلطة منذ 2010.

وغير بعيد، في بوركينا فاسو، يسعى الرئيس روش مارك كريستيان كابوري للحصول على ولاية ثانية في انتخابات نوفمبر، في مواجهة عدد من المرشحين يريدون إسقاطه بأي ثمن، بينهم مقربون منه. وتعد هذه هي المحطة الانتخابية الثانية منذ انتفاضة 2014 التي أطاحت بالرئيس السابق بليز كمباوري، بعد أن أراد تعديل الدستور للحصول على ولاية رئاسية ثالثة في الانتخابات التي كانت مقررة للعام التالي، لكن التظاهرات المتواصلة أرغمته على تقديم استقالته ومغادرة البلاد.

وقد تشكل النيجر استثناء من القاعدة، إذ أن الرئيس مامادوا يوسوفو لا يزال ملتزما بعدم الترشح لولاية ثالثة في ديسمبر المقبل، نزولا عند الوعد الذي قطعه عام 2017 أمام الناخبين، لكنه عين قبل عامين من موعد الانتخابات وزيره للداخلية محمد بازوم، أمام حشد من الجماهير، مرشحا للانتخابات الرئاسية بديلا عنه، ما طرح تساؤلات عن دوافع ذلك.

ويبدو التحدي هذه المرة مختلفا عن السابق، إذ تواجه هذه البلدان مشكلات أمنية في مواجهتها مع الجماعات الإرهابية منذ 2012، ويشكو الرأي العام فيها من غياب الأمن وضعف الحكومات المركزية وانعدام الصرامة في مكافحة الإرهاب الذي تسبب حتى اليوم في تهجير مئات الآلاف من المناطق التي كانوا يعيشون بها.

ونظرا لكل هذه المتغيرات يتطلع الرأي العام الأفريقي إلى جيل جديد من السياسيين يقطع مع “البروفايلات” التقليدية القديمة، ويفهم بأن الهرم السكاني قد تغير كثيرا لصالح غالبية من الشباب الباحث عن آفاق جديدة وعن فرص للعيش، ويبحث عن الأمن بالدرجة الأولى، بعد أن صار الأمن والاقتصاد يشكلان وجهين لعملة واحدة.