يمينة حمدي تكتب:

الزواج المثالي أو لا شيء

اختلف زوجان من أصدقائي على مكان تعليق صورة في بيتهما، فقد أصرت الزوجة على تعليقها في الصالون أما الزوج فتمسك بتعليقها في غرفة النوم، وكلاهما كان يحمل وجهة نظر مختلفة، ويصر على تنفيذها في بيته الذي هو في النهاية ملك لكليهما، ووصل الأمر إلى حد التصادم وتبادل عبارات الاتهامات، إلى أن حل ابنها الأكبر المشكلة واستحوذ على الصورة لنفسه وعلقها في غرفته، ومن حسن الحظ أن هذا الموقف قد مرّ بسلام، ولكنه تحول فيما بعد إلى مزحة تندر بها الابن أمامي، عندما حاولت صديقتي أن تلقنني بعضا من دروسها في كيفية قيادة سفينة الزواج بنجاح رغم أمواج الحياة المتلاطمة.

من المؤكد أن هذه القصة تنطوي على دروس محتملة يمكن أن يستفيد منها الكثير من الأزواج في العصر الحالي، أكثر من دروس صديقتي النظرية.

لا شك أن المنزل الذي نسكنه يساهم ولو بجزء بسيط في تشكيل الكثير من جوانب حياتنا الزوجية، فهو المكان الرئيسي الذي نتفاعل فيه، كما أن مساحته وتصميمه ونوعية الأثاث الموجود فيه وحتى نوعية الصور وأماكن تعليقها، لها أهمية كبيرة في تمتين العلاقات الزوجية، فكلما كان شعورنا إيجابيا تجاه البيت الذي نسكنه، انعكس ذلك على تفاعلاتنا مع المحيطين بنا وتراجعت الضغوط والخلافات.

لكن ذلك لن يتحقق إلا عندما يستوعب طرفا العلاقة الزوجية مفهوم ورؤية بعضهما للمكان الذي يجب أن يجمعهما ويتفقان على أرضية مشتركة توحد رغباتهما وتجعل تطلعاتهما واحدة، عندها فقط يمكن أن يصلا إلى حالة من الانسجام والتعايش القائم على احترام وتقبل الاختلاف في الأذواق والرغبات.

يقول إيلي فينكل، أستاذ علم النفس في جامعة نورث ويسترن الأميركية “من المفيد التفكير في الصعوبات، ليس فقط باعتبارها ظروفا مزعجة علينا تحملها، ولكن أيضا باعتبارها فرصا للتعلم من بعضنا البعض ولتعميق العلاقة بيننا، وأنا متفائل بشأن قدرة الأزواج على إحراز تقدم في حل المشاكل”.

وشدد فينكل في كتابه “الزواج المثالي أو لا شيء” على أن الحبّ لم يعُد كافيا في هذه الأيام، فما يرغب فيه الناس على نحوٍ متزايد هو أن يعيشوا حياة حقيقيّة، “إنهم يريدون شريكا يخرِج أفضل ما فيهم؛ وعليهم أن يقوموا أيضا بالدور ذاتِه لشريكهم”.

وأظهرت الأبحاث أن العلاقة الزوجية تصبح متينة وقوية، حين يقدر الأزواج وبنفس القدر قيمة الحرية واستقلال الفكر، وبالأخص حينما يكونون على استعداد لـ”قبول الآخر المختلف”.

تخاطب إليزابيث باريت براونينغ أبرز شعراء العصر الفيكتوري زوجها في قصيدة تحمل من الحكمة ما يجعلها مثالا “أحبك، ليس لمجرد من تكون/ ولكن لما أكون عليه عندما أكون معك/ أحبك، ليس لمجرد ما جعلته من نفسك/ ولكن لما جعلته مني/ أحبك بسبب الجوانب التي تبرزها في شخصيتي”.

وقد بحث علماء النفس أيضا في أهمية وجود هوية مشتركة توحد الزوجين، أو ما اصطلح البعض على تسميته بـ”اندماج الهوية”، فعندما يتمكن الزوجان من بناء علاقة تشعرهما بأنهما شخص واحد، فالأرجح أن مقدار الحب الذي يُكنه كل منهما للآخر أهم بكثير من مكان تعليق الصورة.