يمينة حمدي تكتب:

مشكلة الفلاح السعيد والمليونير البائس

تضع وتيرة الحياة العصرية بكل أعبائها الكثيرة على الصحة الجسدية والنفسية للناس، من ساعات عمل طويلة، وواجبات أسرية لا تنتهي، وأزمات اقتصادية خانقة، يضاف إليها وهن المرض، وبسبب ما يواجهه الكثيرون من ضغوط تستنزف طاقتهم وتؤثر بصورة سلبية على مستوى رضاهم عن ذواتهم ويدفعهم في غالب الأحيان إلى تقييم حياتهم من منظور ضيق، يشعرون بالضيق والقلق وأن كل شيء يمضي بوتيرة متباطئة ومملة، وبطبيعة الحال تلك النظرة السوداويةِ تجعلهم لا يرون التفاصيل اليومية الجميلة والكثير من الأمور الإيجابية التي تسير بالاتجاه الصحيح في حياتهم.

كنت أعتقد أن أسرة إحدى قريباتي مثال يحتذى في التماسك، وعلاقتها “أفلاطونية” مع زوجها، فقد كانت في سنوات زواجهما الأولى تصفه بأنه “دائم الضحك ودمث الأخلاق ويحب أسرته، ويهتم بها على وجه الخصوص”، ولكنها لاحقا لم تجد غضاضة في التنفيس عن مشكلاتها العائلية والفضفضة عما تشعر به من ضيق وملل، جراء طبيعة حياتها اليومية المشحونة بالمهام الوظيفية والأسرية ما جعل الحزن يسيطر عليها، كما أنها لم تعد تجد مساحات من الوقت لقضاء فترات ممتعة مع زوجها، بمعزل عن  هاتفه الجوال، الذي لا يفارقه حتى في أيام العطل، ولكن قريبتي لم تلم نفسها أيضا، فهي كالجميع، تمتلك هاتفا ذكيا وتلهو به حتى وهي على الطاولة تتناول الفطور برفقة أطفالها الصغار.

يبدو أن قريبتي ليست الوحيدة التي اقتحم وباء الملل حياتها، فقد أظهرت الدراسات أن الملل بات يجتاح حياة جميع فئات مجتمعات العالم، بغض النظر عن ديانتهم أو قوميتهم أو أعمارهم أو خلفياتهم الثقافية.

وليس الأمر مرتبطا فقط بعادات روتينية ومتطلبات مادية تتسبب بالرتابة والهموم، فطبيعة الحياة العصرية لها أثر عميق على توتر الكثيرين والأسوأ من هذا كله أن البعض يقعون ضحية مقارنة أنفسهم بمن يعتقدون أنهم أفضل منهم معيشة، فينتهي الحال بهم إلى عدم الرضا عن أنفسهم والقناعة بحياتهم، ولا يستطيعون الخروج من هذه الدوامة التي تهدد سعادتهم وجودة حياتهم.

من المؤكد أن هنالك ضغوطا تأتي من وتيرة الحياة اليومية والأشخاص المحيطين بنا تجعل معظمنا لا يشعر بأنه حقق نجاحا كافيا في حياته وأكثر شعورا بخيبة الأمل، وقد لا يقتصر هذا الأمر على الأشخاص الفقراء، بل حتى الأثرياء الذين يعقدون مقارنات بينهم وبين من هم أغنى منهم من الناس، وهذا الأمر ليس مستغربا، فالبشر بطبعهم يحاولون دائما التأكيد على أهميتهم وقيمتهم سواء بالنسبة لأنفسهم أو بعلاقتهم مع الآخرين.

وشبهت كارول غراهام، الأستاذة في كلية السياسات العامة بجامعة ميريلاند الأميركية هذا الأمر بـ”مشكلة الفلاح السعيد والمليونير البائس”.

تنتهي أحيانا المغالاة في التركيز على ممتلكات الآخرين وحسدهم على ما لديهم، إلى التأثير السلبي على المزاج والمعنويات، بل وتجعل الحياة مثقلة بالتوتر.

والخلاصة هي أنه بصرف النظر عن حالتنا المادية ووضعنا الاجتماعي، يجب أن نتعلم كيف نستمتع بالأشياء البسيطة الصغيرة وبكل لحظة في الحياة، فهناك كثيرون من حولنا لديهم كل شيء ومع ذلك فهم تعساء. وليست كارول غراهام الأولى التي قالت هذا الكلام.