يمينة حمدي تكتب:

اللامبالاة أخطر آفات المجتمع

إدانة مجتمع برمته يجافي الموضوعية، لكن ثمة خطر يكمن في أن يسود السلوك السلبي في الكثير من المجتمعات ومن بينها مجتمع بلادي في تونس، عندما يصبح انعدام الشفقة تجاه الآخرين سائدا في الحياة العامة للناس.

ربما لن يروق هذا التعبير للبعض، لكن الأسوأ من هذا كله أن أغلبهم لا يدرك أن هذا السلوك متغلغل بداخله فعلا، فهل هناك أمل لإيجاد مثقال ذرة من الرحمة في قلوب الناس وسط هذه البيئة القاتمة؟

كم أحزنني مقتل الشاب التونسي الذي يدعى آدم بوليفة ليلة الاحتفال بعيد ميلاده الثالث والعشرين في ملهى بفندق شهير بالعاصمة تونس، وقد وقعت تلك الجريمة على مرأى ومسمع من الأشخاص الجالسين في سكون مستميت منكفئين على ذواتهم ومكتفين بدور المتفرجين، كما لو أنهم يشاهدون فيلم “أكشن” ويتابعون بشغف مشاهده القاسية وما ستؤول إليه نهاية البطل.

كيف استطاع أولئك الأشخاص أن يكونوا مرتاحي الضمير وهم يشاهدون شابا في مقتبل عمره يسحل ويقتل أمامهم بتلك الطريقة البشعة من دون أن يحرك أحد منهم ساكنا!

بغض النظر عن المكان الذي وجد فيه آدم وأسباب الحادثة، وجميع المآخذ والمسوغات والمبررات، فنحن أمام روح بشرية تزهق، ألم يكن هنالك إحساس ما بالرأفة والشجاعة قابعا في مكان ما في أعماق نفوس الحاضرين؛ لكن ماذا لو كنتم أنتم بدلا من آدم، ماذا لو كان ابنكم أو شقيقكم؟ هل سترضون أن يقتل بتلك الطريقة؟ هل ستكتفون بمقولة الجبناء “أخطى رأسي واضرب”!

مقتل الشاب آدم يثير أكثر من مجرد علامة استفهام بشأن تبني الناس تلك المواقف الجامدة وعدم المبالاة الذي أصبح سلوكا طاغيا في حلقات واسعة من المجتمعات العربية، إلى درجة أن الإحساس بمعاناة الآخرين يكاد يصبح معدوما في قلوب الناس وضمائرهم.

لماذا لم نعد نضع أنفسنا على الفور مكان الآخرين، ونرثي لحالهم، ونكتفي بدور المتفرج، دون محاولة إنقاذ الضحية أو إيقاف الجاني عن تهوره، وفي معظم الأحيان ننشغل بتسجيل الجريمة بواسطة هواتفنا وكأننا أمام مشهد كوميدي مثير للتسلية.

علماء الاجتماع يقولون إن الإنسان عندما يتعرض للخطر فإنه يلتفت حوله طلبا لنجدة الآخرين، كما أن الجناة عموما لا يرتكبون جرمهم إلا في الأماكن المظلمة والخالية من البشر حتى لا يشاهدهم أحد، لكننا بتنا اليوم نعيش في مجتمعات تسودها مجموعات خرساء تسكت على الظلم وتستمتع باقتراف الجرائم في وضح النهار وفي الأماكن العامة، ومن دون أن يشعر الجاني بالخوف، أو يبادر أحد للتدخل لمنع وقوع الجريمة، أو حماية الضحية، وكأن الأمر طبيعي.

لا شيء يحدث بمعزل عن عوامل الثقافة الاجتماعية التي هي النسيج الذي يحدد طبيعة تصرفات أصحابها وطريقة تفكيرهم وهي أيضا التي تخاطب قدرتهم على مشاركة الآخرين آلامهم وجدانيا.

ونحن كبشر علينا أن نتوق إلى مستويات أرقى من التفاعل والفهم تجاه الآخرين، وهو ما يمكننا من الحفاظ بالطبيعة على التناغم والانسجام في روابطنا الاجتماعية، الأمر الذي يمنع وقوع الجرائم أو على الأقل يحد منها.

من الصعب أن أدين مجتمعا كاملا على سلوك حلقات مجرمة فيه، لكن الإدانة تصبح مضاعفة عندما يتراجع مستوى الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، وهذا ما تعمل عليه كل المجتمعات المتحضرة في العالم، ومن أجل ذلك وجدت جمعيات العمل الخيري لمساعدة ودعم المحتاجين للرأفة والوقوف معهم.

توزع سنويا في بريطانيا جائزة رائعة تنقل وقائعها على التلفزيون، عندما تختار الشخصيات العامة من الناس التي قامت بأعمال بطولية في إنقاذ الآخرين، ويتم منحهم جائزة البطولة. يثير هؤلاء الأشخاص إعجاب المجتمع لأنهم قاموا على سبيل المثال بإنقاذ طفل من السقوط، أو الوقوف بوجه مجرم أو منع شخص من الإقدام على الانتحار… لأن المجتمع بطبيعته بحاجة إلى مثل هذه النماذج المثالية وليس إلى أناس لا يشعرون بالمسؤولية.

في نهاية المطاف، يمكن القول إننا نشكل جميعا جزءا واحدا من أفراد ومجموعات تتشابك خيوطها مع الشبكات المعقدة في المجتمع. ومن شأن الأبطال والشجعان الذين أصبحوا أقلية بيننا اليوم، أن يخلّفوا تأثيرات إيجابية على المجتمع ككل. ويتعين علينا أيضا أن ندرك، أننا عندما نتصدى للسلوك العنيف الذي قد يتبناه شخص ما، فينبغي أن نتذكر في الوقت نفسه أنه ربما نكون قد أثرنا في طريقة تفكير أجيال بأكملها بالفعل