يمينة حمدي تكتب:

لست أنا!

إذا تسنى لنا القيام بعملية إحصاء بسيطة داخل مجموعة من الأسر أو في مجالات العمل وعالم السياسة أو حتى في الشارع والفضاءات العامة، فسوف نكتشف لعبة جديدة أصبحت شائعة جدا، بل وتحلو للجميع، وهي لعبة إلقاء اللوم على الآخرين وعلى ظروف الحياة من أجل التهرب من المسؤولية ومغالطة النفس واتهام الآخرين، حيال مسألة قول الحقيقة من عدمه.

يقول الدكتور ترافيس برادبيري، مؤلف كتاب “الذكاء العاطفي”، “في اللحظة التي تبدأ فيها بتوجيه الاتهامات للآخرين، هي نفسها اللحظة التي يبدأ فيها الناس في اعتبارك شخصا لا يتحمل مسؤولية أفعاله”.

معظم الناس اليوم يتهربون من مسؤولياتهم، وينزعون إلى تعليق أخطائهم على من حولهم، وقد يبحثون عن مبررات واهية لإثبات صحة أخطائهم، والكثيرون يتقنون تمثيل هذا الدور بشكل جيد، سواء كانوا أصدقاء أو زملاء في العمل أو أشقاء أو أزواجا، وأسوأ هذه النماذج نجدها في أروقة السياسة.

لا يوجد أسهل من إلقاء اللوم على الآخرين رغم أن الخبراء يقولون إنه لمن الجُبن عدم تحمل المسؤولية أو اختلاق الحجج والذرائع وإلقاء اللوم على الآخرين أو على القدر أو ظروف الحياة، للتهرب من الواجب.

هذا التوجه قد يبدو بغيضا، ومن شأنه أن يؤثر سلبا على العلاقات على الصعيدين الشخصي والمهني، وعلى الرغم من ذلك قد يجده البعض أسلوبا فعالا للتغطية على أخطائهم والحفاظ على صورتهم ومكانتهم في أعين غيرهم.

يقول الكاتب المسرحي الأيرلندي الساخر جورج برنارد شو “الناس دائما يلومون ظروفهم على ما هم عليه. أنا لا أؤمن بالظروف، الأشخاص الذين يتقدمون في هذا العالم هم الأشخاص الذين يستيقظون ويبحثون عن الظروف التي يريدونها”.

مقولة برنارد شو ذكرتني بزميلة سابقة عملت معها في إحدى الصحف التونسية، لم تكن تملك أبجديات العمل الصحافي، إلا أن ظروف الحياة قذفتها بطريقة ما إلى هذا المجال، ولكنها لم تستطع أن تجتهد وتثبت حرفيتها فيه، بل على العكس كانت شديدة التذمر من ظروف العمل والحياة ومن الزملاء، وتصغر أخطاءها وتعظم أخطاء غيرها، وتجد لكل صعوبة تعترضها مبررا جاهزا في مخيلتها، من دون أن تحاول البحث عن العيب في داخلها.

كانت تلك الزميلة تبحث دائما عن مبررات للتهرب من المهام المطلوبة منها، لكن الأسوأ أنها تغلف تقصيرها بأكاذيب أكثر قبحا من إخلالها بمسؤوليتها، فلطالما افترت على زملاء العمل وادعت أنهم يعيقون تقدمها بسبب وشاياتهم لرئيس التحرير، فانتهى بها الأمر إلى التسريح من العمل بعد أن سقطت أقنعتها وعرفها الجميع على حقيقتها.

لا توجد عصا سحرية تصنع النجاح في الحياة وتمنح الناس كل ما يريدون على طبق من ذهب، فرغم وجود الكثير من النوابغ، والموهوبون كذلك ليسوا قلة، فإن ما هو نادر فعلا وجود أشخاص يعترفون بإخفاقاتهم ويتحملون مسؤولياتهم، وينظرون إلى من حولهم من منظور أكبر، وليس من خلف كراسي مكاتبهم.

اللجوء إلى الأعذار الحقيقية وبقدر معقول لا يشكّل دائما أمرا ضارا، فالإنسان بطبعه خطاء، لكن المشكلة تكمن في أن ذلك قد تحول لدى الكثيرين إلى ممارسة يومية.

ويشكّل الساسة في المجتمعات العربية اليوم نماذج سيئة، في اختلاق الأعذار الكاذبة والمُدمرة والشعوب هي التي تتجرع نتائج دفعهم ضريبة الكلام المجرد.

مواجهة الأمور بشجاعة ليست بالأمر اليسير على القادة والسياسيين العرب، رغم أن ذلك يكشف عن مدى عظمة القائد، فـ”القائد الجيد لا يخطط ثم يحاول عبثا تغيير الظروف، بل عليه أن يجعل خططه تتوافق وتنسجم مع الظروف”، كما قال الجنرال العسكري الأميركي جورج باتون.

إذن يبقى السؤال؛ هل يجعلنا إلقاء اللوم على غيرنا أفضل في عيون من حولنا؟ الإجابة هي على الأرجح لا.