يمينة حمدي تكتب:
البحر مثل الريح لا يستريح
قال الشاعر العراقي الراحل حسين عبداللطيف في إحدى قصائده الشهيرة “البحر مثل الريح/البحر لا يستريح”، ومع ذلك فالبحر يمثل لمعظم الذين يقصدونه موطن الراحة والسكون.
برغم أمواج البحر العاتية والمتلاطمة وهيجانه من حين لآخر، فإنه يمنحنا كلما قصدناه لحظات فارقة من السكينة، تجدد فينا الحيوية وتبعث على الأمل وتبث الحياة في النفس، فيغمرنا بروعته حتى لو لم نكن من هواة السباحة، واكتفينا بمجرد ممارسة رياضة التأمل وإمتاع البصر بسحره الخلاب.
وقد عبر عالم التاريخ الأميركي جون موير بفصاحة بليغة عن إيمانه بالدور الذي تلعبه الطبيعة عموما في إثراء الأرواح والأبدان بقوله “الجميع يحتاج إلى الجمال بقدر احتياجه لرغيف الخبز؛ إلى بقاعٍ تشهد لهوه وصلاته كذلك، حيث يمكن للطبيعة أن تضمد الجروح، وتهب القوة للجسد والروح”.
استقطاع وقت من حياتنا المشحونة بالأعمال والمهام، التي لا تنتهي وقضاء إجازة، ولو قصيرة، على شاطئ البحر، له قيمة كبيرة جدا علينا نفسيا وبيولوجيا، وذلك لاجتماع ثلاثة مكوّنات وهي الشمس والرمل وماء البحر. ولكلّ منها دور مميز، وقد أكدت الدراسات العلمية بوجه عام أن لأشعة الشمس فوائد كبيرة في مساعدة الجسم على تصنيع فيتامين “د” حيث أن التعرض لها لمدة 10 دقائق كاف لتزويد الجسم بالحاجة اليومية منها، بالإضافة إلى تأثير الأشعة فوق البنفسجية في خفض ضغط الدم.
ومن المهم كذلك المواظبة على ممارسة رياضة المشي على رمال البحر إذ ثبت أن لها فوائد متنوعة وخاصة عندما تكون القدمان حافيتين، حيث تنشط الغدد العرقية والنهايات الحسية الموجودة في أخمص القدمين، كما تساعد على تقوية عضلات القدمين والساقين لما تتطلبه من مجهود عضلي.
وتكمن الفائدة القصوى في ممارسة الألعاب الجماعية مثل الكرة الطائرة وكرة القدم الشاطئية وهي ألعاب تستهلك الطاقة البدنية وتحرق الكثير من السعرات الحرارية وبالتالي تفيد في خفض الوزن الزائد.
ولمياه البحر فوائد لا تعدّ ولا تحصى، لما تحتويه من أملاح كالبوتاسيوم والمغنسيوم واليود، وكل هذا قد يساعد على علاج الالتهابات ويحفز الجسم على التخلص من السموم عند السباحة.
وللجلوس أيضا على الشاطئ واستنشاق هواء البحر العليل تأثيراتٌ جمة على صحّةِ الجسم والعقل، فالناس يكونون أكثر سعادة، عامة، وهم على ضفاف البحر. ولأن السعادة تشكل مفهوما واسع النطاق للغاية، فإن الخبراء يؤكدون أن الناس يشعرون بقدر أكبر من الحيوية والمشاعر الإيجابية عندما يكونون في حضن الطبيعة بشكل عام، مُقارنة بما يشعر به الذين يكونون في أماكن مغلقة.
حتى الإجازات القصيرة التي يقضيها الناس على شاطئ البحر لا تخلو من فوائد كبيرة على المدى الطويل، على صعيد الحيلولة دون تراكم التوترات وإجهاد العمل وروتين الحياة اليومية، وهو ما قد يخلّف آثارا إيجابية طويلة الأمد كذلك.
فوائد البحر غير قابلة للشرح بالتفصيل، لكن من المؤسف أن “البشر قد أنجزوا ‘مهمة’ تلويث الأرض وأنهارها ومحيطاتها وغلافها الجوي على نحو شامل ودقيق” كما تقول راشيل نوير الصحافية البريطانية المختصة في الشؤون العلمية.
معظم الشواطئ في أغلب مدن العالم قد أصبحت غير صالحة للسباحة بسبب التلوث الذي لا يمثل مشهدا قبيحا فقط بل حول عطلات الكثيرين إلى أيام روتينية ثقيلة، ومن بينهم ابن اختي الصغير الذي حرم من ارتياد الشاطئ المجاور لمدينتهم، لأنه غير نظيف كما شكى بنبرة صوت حزينة وفيها الكثير من التأسف والحسرة على شاطئه المفضل، وعليه أن ينتظر إلى أن يتوفر الوقت والإمكانيات المادية لوالديه ليتمكنا من تلبية رغبته في الذهاب إلى أحد الشواطئ الأخرى البعيدة عن منطقتهم.
على الرغم من زيادة الوعي المجتمعي بضرر التلوث البيئي، إلا أن ذلك على ما يبدو لا ينطبق على الأغلبية الساحقة من الناس ممن يمتلكون موهبة إلقاء الفضلات في الأماكن العامة، ويبرعون في إيذاء البيئة، ولا يعطون أي اعتبار لما يمكن أن تسببه سلوكياتهم الأنانية وغير المسؤولة من كوارث على الكائنات والبشر والأرض على حد سواء.
ليس مرجحا في الوقت العاجل أن يجد العلماء كوكبا جديدا نستوطنه، والأمر المستحيل هو أن يكون ذلك الكوكب بجمال الأرض، فلم لا نحب المنتجعات السياحية التي نقصدها كما لو كانت وطنا لنا، وليست مجرد مقصد سياحي ندفع المال من أجل أن نحصل على ما نريد، ولكننا لا نتركه نظيفا كما كان، بل نخلف وراءنا أكواما من القذارات والروائح الكريهة المنبعثة منه!