عبدالله العلمي يكتب:

وَيْلٌ للمتحرشين

وافق مجلس الشورى السعودي الاثنين الماضي، بأغلبية 84 صوتا، على مشروع نظام مكافحة جريمة التحرش الذي أعدته وزارة الداخلية بناء على الأمر السامي الكريم.

المشروع يتكون من ثماني مواد، ويهدف إلى مكافحة جريمة التحرش، والحيلولة دون وقوعها، وتطبيق العقوبة على مرتكبيها، وحماية المجني عليه. بمعنى آخر، صيانة خصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية التي كفلتها أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة.

مر مشروع مكافحة التحرش بعدة محطات داخل دهاليز مجلس الشورى.

في نوفمبر 2008، بدأ المجلس بدراسة مشروع قانون لتحديد عقوبة جريمة التحرُّش الجنسي. في أغسطس 2013 صدر قانون “الحماية من الإيذاء” مكونا من 17 مادة يواجه المدان بالإيذاء النفسي أو الجسدي بعقوبة ناعمة بالحبس أقصاها عام واحد، ودفع غرامة هزيلة لا تتعدّى 50 ألف ريال فقط لا غير.

جميع أنواع وأشكال التحرش فيها تجاوز على حرية الإنسان وكرامته، باللفظ أو اللمس أو التلميحات بما فيها الكلمات النابية أو “الطلبات” غير المشروعة عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسائل أخرى.

التحرش يتنافى مع قيم ديننا الإسلامي الحنيف، ولهذا جاء نظام مكافحة التحرش لتحديد العقوبات اللازمة التي تمنع بشكل قاطع مثل هذه الأفعال المشينة.

أي اعتداء على كرامة الإنسان وشرفه أمر مُجَرّم ومُحَرّم في الشريعة الإسلامية، ويعاقب من ارتكبه ومن ضمن هذه الأفعال التحرش بمختلف أنواعه.

الموافقة على نظام مكافحة جريمة التحرش هذا الأسبوع تضيف لبنة صلبة أخرى للاستحقاقات المهمة للمرأة السعودية. قبل ذلك، ولفترة طويلة تم ترك عقوبة التحرش للاجتهادات الشخصية، ما أدى إلى تباين كبير في العقوبات التي يقررها القضاة على الجرائم الأخلاقية على الرغم من التشابه في تلك الجرائم البشعة.

لم يكن ذلك إنجازا سهلا. بعض الدعاة وأعضاء في الشورى قاوموا بشدة إقرار أو حتى مناقشة موضوع التحرش لأنه (حسب قولهم) مرتبط بالتبرّج. ربما من أسباب هذه “المقاومة” الواهية معارضة المتزمتين لتقنين الأحكام القضائية، أو عدم الرغبة بالاعتراف ولو ضمنياً بوجود “اختلاط” طبيعي وصحي بين الجنسين.

ربما لم يقتنع هؤلاء العباقرة أن التحرش جريمة ومن القضايا المستعجلة لأنها مرتبطة بحفظ الأمن والاستقرار الاجتماعي، بل وصل الأمر ببعضهم – هداهم الله – أنهم اتهموا المرأة بأنها هي سبب ارتفاع نسبة التحرش والمضايقات اللفظية.

انغلاق المجتمع وعدم تعود الأفراد ذكورا وإناثا على التواجد في مكان واحد سواء في العمل أو المحال التجارية أو المؤسسات الحكومية، أصبحا من الماضي. مضى زمن الانغلاق الاجتماعي في ظل النمو الاقتصادي والانفتاح الثقافي على العالم.

النظام العام في المملكة العـربية السعودية مستمد من الشريعة الإسلامية والسنة الشريفة التي أسست مبادئ حفظ كرامة وحقوق الإنسان. هذه المبادئ جاءت لتحمي الحقوق الإنسانية بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص. لذلك فإن مبررات تطبيق نظام صارم لمنع التحرُّش أصبحت اليوم ضرورية لضمان سلاسة العمل والحياة بصورة سليمة وسهلة. الأهم من هذا، ضرورة تفعيل هذا القانون بحذافيره من جميع الجهات ذات العلاقة في القضاء والنيابة والشرطة.

العقوبة الصارمة تجعل المجرم يتردد قبل ارتكاب جريمته. لعل العقوبات الرادعة التي اقترحها نظام مكافحة جريمة التحرش (السجن لمدة قد تصل إلى 5 سنوات والغرامة التي قد تصل إلى 300 ألف ريال) تحد من هذه الجريمة تزامنا مع “رؤية السعودية 2030” وانطلاقة المرأة السعودية بقوة للمشاركة في مسيرة التنمية الشاملة.

*العرب