عبدالله العلمي يكتب:

تقاسم الكعكة الإيرانية

مطالبة المرشد الإيراني علي خامنئي الدول الأوروبية بتقديم ضمانات إلى الإيرانيين للبقاء في الاتفاق النووي لم يأتِ من فراغ. القيادة الإيرانية المريضة وقعت في مـأزق كبير، ومن المستبعد أن تستمر بالالتزام بالوعود الجوفاء لشعبها الجائع بعد العقـوبات التي فـرضتها واشنطـن عليها.

ملامح العقوبات الأميركية القادمة سبّبت صداعا وعسر هضم للعواصم الأوروبية. طبعا هذا الصداع ليس مصدره حرص أوروبا على مصلحة طهران، بل لأن العديد من الشركات الأوروبية الكبيرة أطراف في عقود تجارية ونفطية مع إيران ستصبح استثماراتها في مهب الريح.

وصلت درجة الابتزاز بالرئيس الإيراني حسن روحاني لدرجة أنه وضع شروطا معيّنة على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون للبقاء في الاتفاق، محذرا فرنسا والأوروبيين من خسارة الوقت.

لم تنتظر واشنطن كثيرا، بل هددت بفرض عقوبات على أي شركة أجنبية تنخرط في أنشطة في إيران.

استشاط الرئيس روحاني غضبا وصرخ بصوت عال “أيها الحاجب، أعلن حالا عن اجتماعات مكثفة بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وإيران لبحث سبل حفظ الاتفاق النووي”.

 روحاني قال بكل صفاقة إن “الضمانات” الأوروبية يجب أن تشمل مجال بيع النفط والاستثمار والتأمين والعلاقات البنكية. ما يقصده روحاني هو شرط استمرار الشركات الأوروبية في التعامل مع إيران تجاريا واقتصاديا، مقابل أن يسعى روحاني لإقناع الإيرانيين بعدم الخروج من الاتفاق. إنها نفس الحيلة الإيرانية في اللعب على الحبال؛ إما أن نلعب معكم، وإما أن نستمر بتجنيد المرتزقة لنشر الإرهاب والتفجير في عقر داركم.

ربما تصبح ألمانيا أكثر الخاسرين المحتملين من عملية الشد والجذب الأميركية – الإيرانية. هناك أكثر من 120 شركة ألمانية تستثمر في إيران، من بينها “سيمنس”، من ضمن حوالي عشرة آلاف شركة ألمانية عينها على الكعكة الإيـرانية. أما فرنسا، والتي زادت صادراتها لإيران إلى الضعف العام الماضي وتحديدا الطائرات ومكوّناتها ومكوّنات السيارات، فإنها لن تكون بحال أفضل.

العقوبات الأميركية ستطال شركات النفط الأوروبية على وجه الخصوص، مثل “توتال” الفرنسية التي وقعت عقدا مع إيران بقيمة خمسة مليارات دولار، و“بريتش بتروليوم” التي شمّرت عن ذراعيها للتنقيب عن الغاز في حقل روم الإيراني.

من هو الرابح من هذه الحالة المستعصية؟ طبعا الشركات الروسية والصينية ستكون من بين المستفيدين المرجحين من عقوبات واشنطن على طهران. العملاق الروسي “روساتوم” يلعب دورا هاما في القطاع النووي الإيراني، وأكبر جهابذة البترول الذين يديرون استثمارات الموارد النفطية الإيرانية هي “لوك أويل” الروسية.

أما الصين، فهناك احتمال كبير أن تستفيد من انسحاب “توتال” من حقل بارس الإيراني، الذي يضم أكبر احتياطيات غاز طبيعي في العالم في مكان واحد. هذا الانسحاب الفرنسي (إن وقع) سيحفز شركة الطاقة الصينية العملاقة المملوكة للحكومة “سي.إن.بي.سي” للاستحواذ على حصة “توتال” لقمة سائغة دون أي جهد يُذكر. هذه فرصة ثمينة للصين، التي تموّل مشاريع في إيران بعشرات المليارات من الدولارات في المجالات الصناعية غير عابئة بالتهديدات الأميركية.

أما أوروبا فهي تمر بحالة ازدواجية صعبة؛ القارة الهَرِمة تراهن للدفاع عن مصالح شركاتها في إيران، ولكنها في نفس الوقت لا تريد إثارة غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

الزعماء الأوروبيون يتحدثون كثيرا أمام عدسات التصوير ولكنهم لن يجازفوا بعلاقاتهم مع واشنطن. أوروبا لا تريد تعقيد علاقاتها مع واشنطن، وخاصة في المرحلة الحالية التي تدور فيها مفاوضات حاسمة بشأن فرض رسوم جمركية بين أوروبا وأميركا.

أوروبا تهدف للحصول على حصتها من الكعكة الإيرانية دون أن تدفع ثمن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق مع إيران. نظام ولاية الفقيه يهدف لتطوير قدراته النووية لتغيير هوية المجتمعات السنية في جميع أنحاء العالم الإسلامي. العملية ربح وخسارة، والزعماء الأوروبيون لن يُقدموا على خطوة متسرّعة تغضب واشنطن لمجرد محاباة طهران.

*العرب